كشكول الوائلي _ 113

img

المبحث الثاني: البيئة التي عاش فيها السجاد عليه السلام

إن البيئة التي درج فيها الإمام السجاد عليه السلام هي بيئة المدينة المنوّرة التي كانت تخضع لرقابة الاُمويّين ومتابعتهم؛ لأنهم يعتبرونها مهد المعارضة، فهي المدينة الاُولى التي سمعت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يقول من على منبره: «رأيت بني اُميّة ينزون على منبري نزو القردة يردّون الناس عن الدين القهقرى»(1).

والتي سمعته صلى الله عليه وآله كذلك يقول وقد رأى ذات يوم أبا سفيان راكبا ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوقه: «لعن اللّه‏ السائق والراكب والقائد»(2).

فهاتان المقولتان وأمثالهما(3) كانت مختزنة في ذاكرة أهلها وجماهيرها، وهذا ما جعل موقفها متشنّجاً مع الاُمويّين ومنهم؛ ولذا كان موقفهم منها موقفاً إجرامياً اتّسم بكلّ صفات القسوة والظلم والابتعاد عن روح الدين. فهم لم ينسوا أن المدينة مهد الأنصار، فحرموها من رغيف الخبز، وقطعوا عنها حقوق أهلها وجراياتهم، ثم أتبعوا ذلك بأبشع هجمة عرفها التاريخ بعد وقعة كربلاء، وهي وقعة الحرّة التي كان مخططاً لها، وكان الهدف منها القضاء على الإسلام نفسه، ولذا فقد قتل فيها سبعمئة من حملة القرآن الكريم عدا صحابة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فكان مجموع ما قتل فيها عشرة آلاف رجل.

والغريب أنه مع هذا الكم الهائل من القتلى نجد الغزالي يصرّح بعدم جواز سبّ يزيد لأنه مسلم وقد تاب، أما نحن فحينما يخطئ شخص منا ويسبّ يزيد وأمثاله مّمن هم على شاكلته فإنه يصبح كافراً، بل تكفّر طائفة بأكملها. مع أنه ربما يكون ردّ فعل طبيعي إزاء هذه المواقف، وإلاّ فما الذي يمكن أن يقال في الغزالي؟ مع أن هناك طائفة كبيرة من أبناء المذاهب الإسلامية لا تتوقف عن شتم يزيد(4).

فهذا اللون من المواقف من الغزالي وأمثاله ما الذي يمكن أن يكون قبالته من ردود، سيما أنه يتعلّق بدم رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله؟ إن هذا الرجل الذي أحرق الكعبة(5)، وأوصل الدماء إلى قبر رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله، واعتدى على أعراض المسلمين(6)، ونهب الدنيا لا يزال مسلماً في نظر البعض، ثم بعد كل هذا يطالب المسلمون بأن يعتبروه مسلماً وأميراً للمؤمنين، بل ويقابلوا هذا الموقف ببرود دون أي رد فعل.

على أية حال فإن الإمام عليه السلام عاش هذه الأيام بكل تفاصيلها المؤلمة.

يتبع…

______________________

(1) جامع البيان: 15: ا14، الجامع لأحكام القرآن 10: 282، سير أعلام النبلاء: 2108. فهبط عليه جبرئيل عليه السلام يحمل سورة القدر، وأخبره أن ما رآه حقّ، وأن مدّة ملك بني اُميّة ألف شهر.

وروى السيوطي عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله يقول لأبيك وجدك: « إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن ». انظر: التفسير الكبير 20: 189، تفسير غرائب القرآن 4: 362، الدر المنثور 4: 346.

وروى الفخر الرازي وغيره عن ابن عباس قوله: إن الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو اُميّة.

(2) المعجم الكبير 3: 73، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام (ابن عساكر): 191، شرح نهج البلاغة 15: 175.

(3) كقوله صلى الله عليه وآله: « إن الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان ». الأمالي (الصدوق): 216، اللهوف في قتلى الطفوف: 18، بحار الأنوار 44: 312، 326، حياة الحيوان 1: 88 ـ 89.

(4) قال المناوي رحمه الله: «قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد): أجاز العلماء الورعون لعنه. وفي فتاوى حافظ الدين الكردي الحنفي: لعن يزيد يجوز، لكن ينبغي ألاّ يُفعل، وكذا الحجّاج. قال ابن الكمال. وحكي عن الإمام قوام الدين الصفّاري: ولا بأس بلعن يزيد. وسئل ابن الجوزي عن يزيد ومعاوية فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، وعلمنا أن أباه دخلها فصار آمنا، والابن لم يدخلها… قال المولى ابن الكمال: والحقّ أن لعن يزيد على اشتهار كفره وتواتر فظاعته وشرّه على ما عرف بتفاصيله جائز… (فلعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه)… ».

فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 265 ـ 266.

(5) سنن ابن ماجة 1: 623 / 1936، الأخبار الطوال: 314، تاريخ اليعقوبي 2: 251 ـ 252، 266، تاريخ الطبري 5: 30، تهذيب الكمال 6: 548 / 1376، الكامل في التاريخ 2: 135، البداية والنهاية 8: 363، سبل الهدى والرشاد (الشامي) 6: 214، تاريخ مدينة دمشق 41: 385، تهذيب التهذيب 2: 184 / 388، 187 / 338، 10: 141 / 297، 11: 316 / 600، سير أعلام النبلاء 3: 374، فتح الباري 8: 245، ينابيع المودّة 3: 36.

وأليس هو المتمثّل:

 لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزلْ

انظر: تاريخ الطبري 8: 193، شرح نهج البلاغة 15: 178، البداية والنهاية 8: 209، الأخبار الطوال: 267.

(6) تاريخ مدينة دمشق 54: 181 ـ 182.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة