كشكول الوائلي _ 109

img

رجـع

وكما أن للإمام علي بن الحسين عليه السلام عدّة كنى له عدّة ألقاب منها الزكي وزين العابدين وذو الثفنات والسجاد. وهذه الألقاب مشتقّة من صفات قائمة بذاته الشريفة؛ بمعنى أنه سجّاد لطول سجوده وقيامه وقعوده، فهو عليه السلام عرف عنه أن السجود ترك في جبهته أثراً لطوله وكثرته؛ ولذلك فقد عُبّر عنه بذي الثفنات الذي صار لقباً مشتهراً له. تقول الرواية: إن الإمام الباقر عليه السلام دخل عليه يوما فوجده قد اصفر لونه من السهر، ورمصت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة(1).

بين التجسيم والتنزيه

وهكذا نجد أنه عليه السلام ينفرد في محرابه يناجي ربه ويعبده عبادة أقلّ ما يقال فيها: إنها ترتقي إلى مستوى الإمامة. وعبارة المؤرّخين في حقّه، وهي: كان الإمام السجاد عليه السلام أثناء صلاته إذا جن عليه الليل ووقف للصلاة لا يتحرّك منه شيء إلاّ ما تحرّكه الريح(2) خير شاهد على هذا. وهي عبارة لا يمكن تقييمها إلاّ إذا قيّمنا رافدين من الفكر حول صفات اللّه‏ تعالى:

الرافد الأول: الصحيفة السجادية

فمن يقرأ الصحيفة السجادية المشرّفة يجد أنها حينما تمرّ بذكر اللّه‏ جل وعلا تنعته بأشرف النعوت وأدقّها، وتنزّهه عن الصفات الجسميّة، وهي بهذا لا تعدو وصف القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وآله الصحيحة له تعالى.

الرافد الثاني: أقوال المجسمة

وفي الجانب المقابل نجد نزعة التجسيم واضحة عندهم، وهي نزعة تصفه تعالى بأن عنده رجلاً وبطنا وفرجا(3). وهي نزعة لا تلتقي مع الصورة المشرقة التي نقرؤها في القران الكريم عنه تعالى. أما أن يصوّر على أنه تعالى خلق آدم على صورته؛ طوله ستون ذراعاً وعرضه سبعة أذرع(4)، فهذا لون من الفكر لا يمكن أن نقبله أو يقبل العقل به؛ لأنه فكر بعيد عن الرافد الإسلامي، ولا يلتقي معه. ونحن حينما نأباه فإنما نأباه بالدليل، ومن كان عنده دليل على مدّعاه فلا مانع من أن يدلي به في ساحة النقاش النظيف، وحينها تترك الأدلّة تتلاقح حتى تفضي إلى الصواب.

يتبع…

__________________

(1) شرح الأخبار 3: 272، الإرشاد 2: 142، مناقب آل أبي طالب 1: 390.

(2) الكافي 3: 300 / 4.

(3) انظر: السيف الصقيل: 154، مؤتمر علماء بغداد: 23.

(4) صحيح البخاري 7: 125، صحيح مسلم 8: 149، إعانة الطالبين 4: 213.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة