كشكول الوائلي _ 108

img

شذرات مضيئة من سيرة السجاد عليه السلام

 يا راهب الليل في جنح الظلام ومن ***  إذا دجا الليل يقضيه على ألمِ

وإن بدا الصبح يهمي من مكارمه *** ما يخجل السحب من نعمى ومن كرمِ

أرومة في بيوت الأنبياء ربت *** آباؤها علم ينمى إلى علمِ

توطئة

يعد اسم زين العابدين علي السجاد عليه السلام اسماً أثيراً ومحبّباً لنفوس كلّ من يتفاعل معه تفاعلاً سليماً، والاسم في حقيقته واجهة وعنوان للمسمّى، وغالباً يقال: إن مضمون الاسم يترشّح على الاسم الذي هو في حقيقته باب موصل إلى المعنى أو المضمون. فاسم السجاد عليه السلام بهذا كان محبّباً لأهل البيت عليهم ‏السلام ولشيعتهم. وهو أمر سبق أن أثبتناه فيما سلف من محاضرات.

المباحث العامة للموضوع

ثم إن هناك عدّة منازل في حياة الإمام السجاد عليه السلام ينبغي الوقوف عند كلّ واحد منها بمبحث مستقلّ.

المبحث الأول: كناه عليه السلام وألقابه

يكنى الإمام عليه السلام بكنى عديدة، ومنها: أبو محمّد، وأبو الحسن، وأبو بكر. وقد سئلت مرّة: لماذا تتجاهلون هذه المظاهر والشكليات وتتجاوزونها، فلا تذكرون أن لأمير المؤمنين عليه السلام ابنين اسماهما عمر وأبا بكر؟ ولماذا لا تذكرون أن للسجاد عليه السلام كنية هي أبو بكر؟ والحال أن هذا الكلام مغالطة، بل هو غير صحيح البتة؛ لأنه لو رجع إلى كتبنا المختصّة بالتراجم لوجد أن فيها كل هذا، فنحن ليس لدينا عداء مع الأسماء أبداً(1) إلاّ ما حرّمت التسمية به، بل وحتى مع الأشخاص، فنحن لا نعادي إلاّ على ضوء مقاييس الإسلام، فنحن نخضع لقواعد التقييم، وهناك فرق بين العداء والتقييم.

ومن هذا أننا حينما نمرّ بالفترة التي عاشها أبو بكر مع أهل بيت النبوّة عليهم ‏السلام فإننا نسجّل حولها موقفاً تقييميّاً، وهو الموقف الذي وقفه من سيّدة النساء فاطمة عليها السلام الزهراء في قضيّة فدك، لنستجلي الدليل والقرائن فيما إذا كانت تقف إلى جانب الزهراء عليها السلام أو إلى جانبه هو. فكلّ ما يهمّنا هو الدليل الواقعي لإثبات أي الطرفين أحقّ من غيره.

من يسبّ؟

وخلاصة القول: أنه ليس بيننا وبين أحد عداء، ونحن لا نسبّ ولا نشتم بل غيرنا هو من يفعل ذلك. ولهذا المتسائل وغيره يكفي أن نقول: إن من يقرأ مؤلفات ابن تيمية الذي راح يتجذّر في هذه الساحة سيعرف من الذي يسب ويشتم، ومن الذي يملك لساناً ليس عليه من اللّه‏ رقيب، أمّا نحن فمهذّبون بتهذيب أمير المؤمنين عليه السلام الذي يقول لنا في مثل هذه المواقف: « إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم؛ حتى يعرف الحقّ من جهله ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به»(2).

فهو عليه السلام يأمرنا يأن نترفّع عن هذا المستوى؛ لأنه مستوى لا يحلّ فيه إلاّ الضحل الفارغ. وزيادة في التوضيح نقول: إننا حتى في الفترة التي استحكمت فيها هذه الظاهرة لم نكن فيها أكثر من أن نعيش حالة ردّ فعل تجاه ما كان يفعله الاُمويّون وأتباعهم من سبّ لأمير المؤمنين عليه السلام، وهو الأمر الذي استمرّ قرابة القرن من الزمان. فنحن نأبى الشتم، وهو ليس من أخلاقنا ولا من شيمنا.

وخلاصة القول أننا ليس عندنا عداء لا مع الأسماء ولا مع المسميات، وإنما نتّبع الموقف الذي يسنده الدليل فقط؛ فما أدّى إليه الدليل ذهبنا إليه، وما قرّر أن فيه خطأ خطّأناه وقلنا بعدم صحّته، وعدم صحّة الذهاب إليه، وما قرر أنه حرام قلنا بحرمته. أما أن يُطلب منا إلغاء المقاييس التي رسمها القرآن الكريم والسنة النبوية فهذا غير مقبول وغير منطقي؛ لأنه إلغاء لوجودنا.

يتبع…

_____________________

(1) كما ادّعاه ابن تيمية، انظر منهاج السنّة النبويّة 5: 176.

(2) وذلك حينما بلغه أن بعض أصحابه يسب أهل الشام أيام حربهم بصفين. نهج البلاغة / الكلام: 206، بحار الأنوار 32: 561، المعيار والموازنة: 137.

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة