كشكول الوائلي _ 107

img

أقسام الناس في التشريع الروماني

فقوله تعالى: إِنَّمَا الْمؤمنونَ إِخْوَةٌ يشكّل مبدأ حضاريّاً يتناغم مع كل النظم الدولية الحديثة، وهو مبدأ أعلنه الإسلام، في وقت كان يسود العالم فكر فلاسفة اليونان (أرسطو وافلاطون)، ونظرياتهم في التمييز بين الناس لا زالت موجودة وتعيش إلى الآن بيننا، وقد أثّرت سلباً على الفكر الاجتماعي. وكان أرسطو يقول: إن نظام الرقّ نظام طبيعي. أي أن اللّه‏ خلق البعض ليكون عبدا، فبعض الناس مخلوقون ليكونوا عبيدا، وبعضهم مخلوقون ليكونوا أحرارا. فكل جنس له مخّ ودم معيّنان، وهذا معلم الإسكندر وسيد فلاسفة اليونان، ومع ذلك يقسم الآلة إلى قسمين: آلة صامتة وآله ناطقة، فالآلة الصامتة مثل الفأس والمسحاة وغيرهما من أدوات الزراعة والصناعة، والآلة الناطقة هي الفلاح والحارس والعامل، فحكمهم حكم الفأس. فهل يوجد إجحاف بالإنسانية أكثر من هذا؟ بل والأنكى من هذا أنهم يسموننا الوحوش، وفكرهم هذا يقتل الإنسان والإنسانية في حين أن الجزيرة العربية مهد البداوة قد انطلق منها فكر عظيم لبناء الإنسان ومجتمعه على أساس المساواة والمؤاخاة.

إن فلسفة روما تقسم الناس حسب التشريع إلى قسمين:

الأوّل: الأحرار

وهم نوعان: الاُصلاء وهم الرومانيون، وغير الاُصلاء وهم اللاتينيون.

الثاني: السفلة

وهم أربعة أقسام: الأرقّاء وهم العبيد، والمعتقون، ونصف الأحرار، والأقنان وهم الذين يتبعون الأرض عند بيعها وشرائها.

ووفق هذا التشريع والتقسيم فإن حقوق المواطنة تكون للأحرار (الرومان) فقط، أما الباقون فليس لهم حقّ المواطنة. وهذا الأمر الغريب له مثيل في حضارة العرب أيّام الجاهليّة، فعند بعض القبائل في الجزيرة نوعان من الولاء: ولاء عتاقة، وولاء اتّباعة؛ فمولى عتاقة هو المأخوذ من الحرب ويصبح أسيرا ثم يعتقونه فيتبع القبيلة التي أعتقته، لكن لا يعطونه حقوق الفرد من القبيلة، أي ليس له حقّ المواطن. أما مولى اتّباعة فهو الشخص الذي تنفيه قبيلته، فيأتي إلى قبيلة ثانية فتقبله عضواً فيها ويكون تابعاً لها، لكنها لا تعطيه حقّ المواطنة كذلك.

وهكذا نجد أن الغرب والشرق كانا على هذه الشاكلة من التمييز العرقي أو الطبقي أو ما شاكل، لكن حينما جاء الإسلام غيّر كلّ هذا، كان عقبة بن عامر صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله الشهباء، وكان مرّة يقود بغلة النبي صلى الله عليه وآله في سفر له، يقول: قدت برسول الله صلى الله عليه وآله وهو على راحلته رتوة من الليل ـ والرتوة: نحو من ميل، أورمية سهم(1) ـ ثم قال لي: « أنخ ». فأنخت، فنزل عن راحلته ثم قال: « اركب يا عقبة ». فقلت: سبحان الله! على راحلتك؟ فأمرني فقال: « اركب ». فقلت أيضا مثل ذلك وردّدت ذلك مرارا، حتى خفت أن أعصي رسول الله صلى الله عليه وآله،

فركبت راحلته ثم زجر ناقته فقامت، ثم قاد بي(2).

وهذا اللون من التعامل والتكريم لا يمكن أن يجده أحد في أي تشريع، فهذا المكان الذي يقولون عنه: إنه مركز البداوة، وإنه المركز الذي أعدّ هذه الهجمة البدوية، إنه لم يكن كذلك مطلقاً، بل إنه مركز لهجمة حضارية غيّرت وجه الدنيا، وعبّرت عن أن الإنسان أخو الإنسان، وأن الإيمان يلغي كلّ الفوارق: إِنَّمَا الْمؤمنونَ إِخْوَةٌ. فهل هناك في غير الإسلام رئيس يعتق عبدا، ثم يجلس إلى جانبه ويتزوّج من قومه ويأكل معه؟ لقد آخى النبي صلى الله عليه وآله بين عظماء من العرب وبين خباب بن الأرتّ، وبلال الحبشي. وكان بنو بياضة أرقى اُسرة في الأنصار، لكن النبي صلى الله عليه وآله أمرهم بأن يزوجوا غلاماً منهم وهذا التكريم للإنسان يحقّق معنى الآية من أن الإيمان هو علّة الإخاء، فقد أعلن النبي صلى الله عليه وآله الإخاء في هذه الفترة التي تموج الأرض بها بالتفرقة.

يتبع…

______________________

(1) لسان العرب 14: 308 ـ رتا.

(2) المعجم الكبير 17: 335 ـ 336. إمتاع الأسماع 7: 223.

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة