فليرحل معنا ـ 3

img

تقديم: هدى الشملاوي/ أم السادة

المؤهل الثاني: قوة الإرادة

الإمام من مواصفاته أنه أقوى الناس وأعظمهم في كل الملكات الفاضلة وعلى رأسها الصبر؛ لذلك يقول: أنا أعظم الناس صبراً، وأشدهم إرادة وحزماً، كما كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا مؤشر على إمامته؛ فالقرآن الكريم عندما تحدث عن أئمة بني إسرائيل قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾، فقد علّل تقلدهم منصب الإمامة بتوفر ملكة الصبر عندهم والحسين يشير إلى صبره، يقول: «نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين».

يستمر الإمام الحسين في تحفيز الناس على نصرته ويتحدث عن امتداد الرسالة، يقول: نحن امتداد لجدنا رسول الله «لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تسر بهم نفسه وتقر بهم عينه»، ثم يعبر عن قيادته الأبوية الرحيمة «ألا فمن كان فينا باذلاً مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى».

طارق بن زياد عندما أراد لجنوده أن يقاوموا، تجاوز بهم البحر وأغرق السفن وأحرقها، وقال لهم: البحر من ورائكم والعدو أمامكم ولا مجال لكم إلا القتال، فقاتَلوا مضطرين مكرهين، أما الحسين بن علي فأراد أن يقاتل أصحابه عن رغبة وحب للشهادة، وإقبال وقناعة لا عن إكراه؛ لذلك قال: «ألا فمن كان فينا باذلاً مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى».

فلْنَتصوَّر أنَّنا كنا مع أولئك الناس ليلة خروج الحسين عليه السلام من مكة، فهل كنَّا خرجنا معه؟
الإمام الحسين عليه السلام حدَّد صفتين للمؤهَّلين للخروج معه:

الاُولى: توطين النفس على لقاء الله تعالى.

الثانية: بذلُ المُهَج في أهل البيت عليهم السلام.

توطين النفس لغة: وطَّن نفسَه على الأمر / وطَّن نفسَه للأمر: حَمَلها عليه وهيَّأها لفعل، أوطن نفسَه على كذا: مَهَّدها له، ورضّاها به، أوطنت نفسي على خشونة العيش.

رحلة توطين النفس وبهذه الدرجة العالية التي يريدها سيد الشهداء لا تحصل بشكل دفعي ومرة واحدة ؛ فإن الوصول إلى مقام الطاعة الكاملة والخضوع التام يحتاج إلى نوع من التدريج شيئاً فشيئاً فيجب أن تمر النفس بمراحل حتى تصل هذه الدرجة العالية من التكامل أي التوطين الذي يصفه المعصوم ويريده. فالنفس هي أكبر وأصعب امتحان كتبه الله تعالى على الإنسان في هذه الحياة.

النفس كالطفل إن تتركه شب على ***** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

وليس ينجح في هذا المضمار كل أحد، بل إن الخاسرون كثيرون؛ فجميع الذين تركوا الحسين عليه السلام الغير معذورين لم يوطنوا أنفسهم، بل إن بعض من جاء مع الحسين عليه السلام كان لأجل الغنائم وبعضهم لم يكن بمستوى التوطين الكافي، لذلك لما رأى الموت أمام عينيه وأنه لا مجال له في الحياة لم يستطع أن يكمل المسير ولم يُوفق لذلك؛ ذلك لافتقاده لكثير من المقدمات التي امتلكها أصحاب الإمام عليه السلام الذين وطّنوا أنفسهم على لقاء الله.

التوطين لابدَّ لحصوله من تثبيت المعرفة بالله تعالى، وتطويرها وعدم الاكتفاء على المعرفة النظرية التي نحصِّلها من خلال التأمّل، والمطالعة، والتعلَّم، من قبيل البعرة تدلُّ على البعير، والآثار على المسير، فإن هذا غير كاف؛ لأن هذه المعرفة رغم قيمتها الكبيرة، إلا أنَّها لا تنعكس في السلوك، فقد يكون حال هذا العارف كالمعتقد بأن الميِّت لا يؤذي، لكنّه يخاف من النوم إلى جانبه لذا لابدّ من تفعيل هذه المعرفة من خلال السلوك من صلاة وصوم وحج ودعاء، لكن هذا السلوك قد يكون جافًّا، فلابدّ من ترطيبه من خلال التأمل بجمال الله تعالى وكماله الجاذب إلى حبِّه؛ لأن الإنسان مفطور على حبِّ الكمال، فحينها يُدرك معنى حبِّ لقاء الله.

إذا دقننا في العبارة «… من كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا..» فيتضح أن توطين النفس على لقاء الله هو الذي قاد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام إلى بذل تلك المهج الغالية في حب الحسين؛ لأن الحسين هو من يمثل الله على الأرض، أو هو الحلقة التي من خلالها يستطيعون الوصول إلى الله أو إلى الوطن الإلهي ولقاء المحبوب، وعليه يمكن القول أن بذل المهجة في سبيل كل مصلح إلهي يمثل الله هو نتيجة لتوطين النفس على لقاء الله، فترخص النفس أمام الذي يمثل الله، وهذا ما نحتاج التأمل فيه كثيراً، فكلنا يريد بذل مهجته في ولي الأمر «أرواحنا فداه».

يتبع…

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة