شعراء القطيف (المرهون)

img

{27} الشيخ أحمد بن طعان

المتوفّى ( 1 / 10 / 1315 ) هـ

هو العلاّمة العلم، الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي البحراني القطيفي. أعطاه اللّه‏ تعالى موهبة بزّ بها أقرانه، وحاز قصب السبق على أخدانه؛ فقد كان عالما محققا، تقيا ورعا، زاهدا ناسكا متواضعا، شاعرا مفلقا وأديبا محلقا. جمع شعره بعد وفاته بسنين، وطبع تحت عنوان (المراثي الأحمدية)، له مؤلّفات ومناظيم في شتى العلوم، وعلى الإجمال فهو نادرة من نوادر الزمان.

توفّي ( أعلى اللّه‏ مقامه ) في البحرين، ودفن مع الشيخ ميثم (عليه الرحمة)، وخلف وراءه من الآثار الجميلة ما خلد ذكره، مضافا إلى ما أعدّ له من الثواب عند من لا يضيع عنده عمل عامل. ومنه الديوان المشار إليه، وقد اخترنا منه ما تجده بين يديك، فلنستمع إليه يقول:

في رثاء الحسين عليه السلام

على الطف عرج وبأرض الفلا *** وفيه التعجّل لن يجملا

وحلّ وكا المدمع المستفيض *** وأجرِ المسلسل والمرسلا

ورش بها عرصات الطفوف *** لتكسى بها خير وشي حلا

على أن أفضل بر الرسول *** بكاؤك قتلى رُبا كربلا

ملاك الكمال الكماة الاُلى *** بنوا إذ بنوا منزلاً أطولا

فمن باسل باسم ثغره *** سوا سهل الخطب أو أعضلا

ومن أروع أورع ناسك *** فتوك جلا للعلا ما جلا

وغيث مَريع وليث مُريع *** إذا الجدب والحرب قد أقبلا

فكم أطعموا السيف والضيف من *** نفوس علت ونفيس غلا

بهم طوحت منجنون المنون *** فعدوا ذعافاتها سلسلا

زعيمهُمُ قيّم الكائنات *** ربيع الزمان إذا أمحلا

منار الهدى ومدار الندى *** وغيظ العِدا مستجار الملا

وملقي عصا الجود قطب الوجود *** يدور به آخرا أولا

محطّ البلا والملا والعلا *** ومركز دائرة الاِبتلا

حسين ابن طه رفيع الذرا *** شفيع الورى حين لا موئلا

دعاهم على حين ضاق الخناق *** وقل الولاء وجل البلا

وغاض الوفا والصفا في الورى *** وفاض الجفا فيهُمُ والقلى

وكان مسيل الدما منهلاً *** وكان ظلال القنا منزلا

فجاؤوا لدعوته مهطعين *** وجادوا بأنفس شيء غلا

وخاضوا الحمام أمام الإمام *** كأن الحمام مدام حلا

فكم قيدوا للعِدا مطلقا *** وكم فصلوا منهُمُ مجملا

وكم عقلوا بعقال الفنا *** نفوسا تبغّت فلن تعقلا

وكم زوّجوا البيض سمر القنا *** وكان الرؤوس نثار الجلا

فتاق لروض الجِنان الجَنان *** وحل الذي في القضا اُجّلا

فخرّوا كما أنجم قد هوت *** عقيب التمام بدت اُفّلا

وصار عماد الهدى مفردا *** وجمعهُمُ سد رحب الفلا

فمذ كرّ فروا كمثل النعاج *** إذا واجهت أسدا مشبلا

فسكن منهم حراك الحياة *** بماضٍ على الفتح قد أصّلا

فكم أعزل ينثني رامحا *** وكم رامح ينثني أعزلا

ولا غرو فهو أمام الحمام *** يدبّره كيف شا ذو العلا

إلى أن أراد له رفعة *** وراحته من صروف البلا

فخر كما البدر إذ يكتسي *** لدى الخسف ذما لوجه الملا

فمذ خرّ خرّ عماد الهدى *** وما كان في الكون قد أعولا

وزلزل إذ ذاك قطب الوجود *** ودائره بعده عطّلا

وفرت شقاشق دين الإله *** وعاف الذي في الفلا للكلا

وحلت ذكا في بروج الكسوف *** كذا البدر بالخسف قد جلّلا

وشق له العلم جيب الشجون *** وكيف ومربعه قد خلا

ومارت جبال التقى والنقى *** وغارت بحار الندى مجملا

فأصبح كالشمس بين النجوم *** وقد شِئن وجه الثرى منزلا

فيا كربلا طلت أوج السما *** وإن كنت عن سمتها أسفلا

وحق لمثلك أن يرتقي *** لمدرجة الفخر والاِعتلا

ومن عجب أن تنال الفخار *** وفيك البلا للهدى استأصلا

ومن عجب أن مولى المياه *** بغلّته لم يجد منهلا

ومن عجب أن تعلّ السيوف *** وتنهل منه ولم تخجلا

وإن العماد لسبع الشداد *** يخرّ ولا ينكفي بالملا

وبدر البدور عليه الدبور *** تستّره قسطلاً قسطلا

وصدر الصدور عليه الخيول *** تكسّر من جسمه الكلكلا

ونفس النفوس مسيل النفوس *** مسيل النفوس لها غسلا

ورأس الرئيس كبدر علا *** يقارن في أوجه الذبلا

فيالك من نكبة نكبت *** مناكب علياء أن تسفلا

ويالك من فادح قادح *** يفجر من وقعه الأجبلا

ويالك من وقعة أوقعت *** بقلب الهدى قبسا مشعلا

وأذكى الضرام بقلب النبي *** وأحشاء فاطمة قلقلا

وقلّب قلب الوصيْ بالغموم *** وأبكى الزكي دما مسبلا

وألبس أهل السماء السواد *** وجملة أفلاكها عطّلا

فيا راكبا ظهر هركولة *** تؤخّر في عدوها الأجدلا

لك الخير عرج على طيبة *** وألقِ العصا تحمد المنزلا

فثم المفيض على الكائنات *** فواضل نعماء لن تخزلا

فصلّ وسلم وقف واستلم *** ضراحا ضراح السما فضلا

وفجّر أخاديد خديك من *** مدامع كالغيث إن أسبلا

وقل شاكيا يا غياث اللهيف *** ومعقل من لم يجد معقلا

حبيبك جاشت عليه خطوب *** تبدل بالعلقم السلسلا

فذيد عن الماء حتى قضى *** وما علّ منه ولم ينهلا

ولكنه صار من نفسه *** ومن نفس أصحابه أشكلا

وقيد العليل الجليل ابنه *** بقيد ثقيل له أنحلا

وأفظع رزء لحبّ القلوب *** يذيب ويفري نياط الكلى

مسير الكرائم تتلو الكريم *** وقد ركبت بزّلا هزلا

وقد أبرزت بعد سدل الستور *** وحاجبها نورها لا الملا

ورضّ الجياد لصدر الجواد *** وقد كان مصدر ما نزلا

ونكت اللئيم لثغر الكريم *** وثغرك إيّاه قد قبّلا

وعج بالثكول لقبر البتول *** وكن شاكيا باكيا معولا

وقل إن فلذة أحشاك مَن *** تربّى بحجرك قد ذلّلا

عقيب الدلال بحر التلال *** وقد صار ساتره الجندلا

ومن بعد ما صدره مصدر *** لفصل الفيوضات قد فصّلا

وأمست حرائرك الطاهرات *** عقيب الجلال بذلّ الجلا

وعزِّ الزكي وقل باكيا *** أخوك على جندل جدّلا

وقيدت نساه وسار ابنه *** على أنيق الأين قد غلّلا

تكفنه الريح من نسجها *** وجاري الدماء له غسلا

وعجْ بالغري لقبر الوصي *** فكم كشف الخطب لو أعضلا

وقل أيها الليث إن القرود *** بأنيابها أردت الأشبلا

وإن بني طلقاكم سبوا *** حرائر بوأتموها العلا

وقص عليه رزايا الطفوف *** وما نال عترته الكملا

وعزّهُمُ بجميل العزاء *** لتحظى من الأجر ما أجزلا

فيا مظهر السر في الكائنات *** ومن نورهم لدجاها جلا

لكم (أحمد) زف مجلية *** عليها الأسى رزؤكم قد جلا

صلاة الإله تغشّاكمُ *** متى ذكركم طيّب المندلا

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة