شعراء القطيف (المرهون)

img

{21} الشيخ علي بن عبد الجبار

المتوفّى سنة (1287)

هو العلاّمة المفضال، الشيخ علي الشيخ أحمد ابن الشيخ حسين آل عبد الجبار. كان هذا العالم التقي أحد أعلام بلادنا القطيف، ومفخرة من مفاخرها. ذكره صاحب (الأنوار) بما نصه: «ومنهم العالم العامل الأمجد، الشيخ علي آل عبد الجبار. كان رحمه الله عالما فاضلاً حكيما فيلسوفا شاعرا أديبا محققا متتبعا، له ديوان شعر كبير في مراثي الحسين عليه السلامومدائح أهل البيت عليهم السلام. وكان جيد الشعر، وله مناظيم كثيرة في الاُصول والتوحيد والتجويد وأحكام القرآن وسوره. وله مؤلّفات كثيرة، منها (ثمرات لب الألباب في الرد على أهل الكتاب)…»[1]. فهو في آل عبد الجبار عين القلادة، مع العلم أن منهم الصلحاء الأبرار والأتقياء الأخيار، وحتى اليوم يوجد منهم رجال أماثل لهم مكانتهم المرموقة في التقى والورع ». توفّي المترجم رحمه الله بالتاريخ المذكور تاركا وراءه تلك الأيادي البيضاء والآثار القيّمة، ومن بينها ديوان شعره الذي نقتطف منه هذه الوردة:

في رثاء الإمام الحسين عليه السلام

قل لمن يطلب الدوام دواما *** يا مديم المدام اِنفِ المداما

أنِف العقل من سلافك والديـ *** ـن أما آن أن تتوب لزاما

يا مجدّا على الجديدين يحدو *** بك حادٍ حدا بركب نياما

فتنبه نؤان قد أدلج الركـ *** ـب ونادى بهم إمام أماما

فلقد أنذر المشيب ذوي الشيـ *** ـب وفرضا عذر الشباب استقاما

جسّ نبضي الحكيم هل من دواء *** قال شيخ يعالج الأسقاما

قلت أرجو البقا زمانا طويلاً *** قال طول البقا يطيل السقاما

أي شيخ لاهٍ تناسى ذنوبا *** سلفت كان كسبهن أثاما

أتطيع الهوى ونفسك جهلاً *** ما لهذا أنشا العظيم العظاما

فعظ النفس أولاً وعظ النا *** س أخيرا من استقام أقاما

واجمع الحزن والبكاء لجمع *** في كتاب كتبته آثاما

وتوسل لغافر الذنب فالذنـ *** ـب عظيم واقصد كراما عظاما

فبهم تغفر الذنوب ويعفو *** عن عظيم ويبدل الأثاما

مثلما آدم أبوك تلقى *** فتوسل بهم إماما إماما

وتذكر مصابهم فهو خطب *** أي خطب قد نكس الأعلاما

أي خطب أبكى السماوات والأر *** ض دماء وأحزن الإسلاما

وعليا وفاطما وأخاه *** وعزاء الحسين كلّ أقاما

قبل ميلاده وبعدُ لسرّ *** سرّ فيهم لم ينكشف إعظاما

ولهذا رضوا به وتواصوا *** ولذا استسلموا له استسلاما

فعلينا التسليم والحزن منا *** والبكا إسوة بهم فاستقاما

لست أنساه ظاميا وصريعا *** يطلب الما وليس إلاّ الحساما

ولشمر في ذبحه أي حقد *** غيرة اللّه‏ أنزلي الاِنتقاما

فبرزن النساء حسرى اُسارى *** نادبات مسلبات أيامى

تتحامى هذي بهذي ولم تلـ *** ـفِ حميّا يرعى إليها الذماما

ربقت بالحبال مثل الأضاحي *** وإذا قصرت فضربا تواما

وتنادي ألا ارحلوا بالسبايا *** فوق أحلاس عجّف تترامى

والعليل السجاد في القيد يبكي *** أنحل الغل والسقام العظاما

قيّدوه من حلمه بقيود *** رب حلم يقيد الضرغاما

وإذا حن في السبايا يتيم *** جاوبته أرامل وأيامى

ليس يدري مما بكى ألِقتل *** أم لأِسر أم للنسا واليتامى

بأبي زينباً لأي الرزايا *** تشتكي والخطوب تترى عظاما

ألقتل الحسين أم لجسوم *** كالأضاحي على الرغام رغاما

أم لجسم الحسين والخيل تعدو *** فصلت ظهره عظاما عظاما

أم لحمل الرؤوس فوق العوالي *** كنجوم إلى السما تتسامى

أم لعرض على دعي زياد *** ضاحكا شامتا يريها ابتساما

من يفادي أسرى النبي بأيدي *** كل رجس لم يرعَ فيها ذماما

من يفادي بنات فاطم مما *** مسها ثكلاً حيارى أيامى

من يفادي بناتها وبنيها *** في السبا تشتكي الطوى والأواما

من يعزّي محمدا وعليا *** بحسين فلا عزاء أقاما

من يعزي البتول قد بكر الخطب *** بأبنائها فرادى تواما

كن صونا وما عرفن هوانا *** وبقتل الحسين أضحت سواما

تتشاكى وتارة تتباكى *** والرزايا ما بينهن اقتساما

هل معزٍّ للدين فالدين أمسى *** ثاكلاً هاميَ الدموع سجاما

من يعزي شهرا حراما وبيتا *** هتكت حرمتاهما لن تقاما

من يعزي المشاعر الغرّ حِجْرا *** حَجَرا زمزما صفا ومقاما

غيرة اللّه‏ كل هذا وأنتم *** يا بني الدين في ذهول يتامى

تحمل السبي والرؤوس إلى الشا *** م هدايا وتدّعي الإسلاما

وتصلي على النبي سرورا *** بيتاماه نسوة وأيامى

بئس حالاً هذا وأسوأ من ذا *** عرضوهم على يزيد قياما

بحبال مربقين اُسارى *** أدخلوا نسوة كراماً أيامى

فغدا شامتا يسائل مَن ذي *** ذي وهذي ومَن يكون الغلاما [2]

وغدا بالقضيب ينكت ثغرا *** رشف المصطفى له إعظاما

وينادي أشياخه يوم بدر *** والندامى ويشربون المداما

لست من خندف إذا ضاع وتري *** يوم بدر بكربلاء استقاما

يا لها خزية على الدين كبرى *** أترى المسلمين كانوا نياما

فعلى من أتى وأسّس هذا *** ومحبّ خزي وعار دواما

وعليهم لعائن اللّه‏ تترى *** أبدا مطلقا يقيد الدواما

فـ«علي» بكم علي وحسبي *** في العلا رتبة بكم لا تسامى

____________________

[1] أنوار البدرين 2: 167 ـ 168/ 23.

[2] في البيت إقواء.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة