شعراء القطيف (المرهون)

img

{ 16 } عبدالمحسن الملهوف

المتوفّى سنة ( 1260 ) على حدّ التقريب

الأديب الفاضل عبد المحسن الملهوف، أحد أفراد قبيلة في القطيف تعرف بهذا اللقب. أديب شاعر، وعبقري فذ، ولو لم يكن ممّا يدلّ على ذلك إلاّ هذه القصيدة العصماء لكفى بها، فهو أحد الشعراء المجيدين، والاُدباء الورعين في القرن الثالث عشر المزدهر بالعلم والأدب، ( تغمده اللّه‏ برحمته ). ودونك قصيدته المشار إليها:

في رثاء الحسين عليه السلام:

دعها تجدّد عهدها بالوادي *** وتمزّق البيداء بالآسادِ

بل تذرع الفلوات تحسب أنها *** قد وكلت بالذرع والتعدادِ

زيّافة تهوى الدميل وشأنها *** قطع المفاوز من رُباً ووهادِ

لا تسأم البهماء إلا إنها *** تهوى شموس هجيرها الوقّادِ

لاتهتوي المرعى الخصيب ولا إلى ال *** ماء البرود تهشّ في الورّادِ

ما وكلت بالنجم إلاّ واغتدت *** تعطي المفاوز من وراها الحادي

ما أنكرت قفرا أتته ولا ادّعت *** عسرا ولا آلت من التبعادِ

كثر الحسود لها فراحت ضغنة *** فالبرق والأهوا من الحسّادِ

وقب الهجير أذابها حتى غدت *** ممقوقة المرأى كسن مزادِ

ولعت بقطع البيد حتى إنها *** أمنت بمسراها على الأجيادِ

دعها العراقَ تؤمّ لا تشأم بها *** وتجافَ للأغوار والأنجادِ

فهناك مأوى الآملين بمربع *** هي كعبة العافين والوفّادِ

ربع به جدث الحسين ونفس أحـ *** ـمد والزكية والوصي الهادي

من حوله فئة تقاسمت الردى *** من كل قرم أشوس ذوّادِ

من كلّ من رضعت له العليا فمن *** فياض مكرمة وغوث منادِ

أو كل عالي همة لو شاء أن *** يرقى رقى من فوق سبع شدادِ

اُسد ضراغمة متى ما استُحضروا *** لجلاء نازلة عدوا بعوادِ

خطبوا الوغى مهروا النفوس وزوجوا ال *** بتار يوم الروع بالميّادِ

قوم متى وجدوا فخارا في الردى *** ركضوا بأكباد إليه صوادِ

في الجو كالأنوا وكالأطواد في الـ *** ـبلوى وفي الإقدام كالآسادِ

حدّث ولا حرج عليك فإنما *** تروي لنا متواتر الأسنادِ

فوبيعة وفّوا لها وبنعمة *** فازوا بها من واهب جوّادِ

لو أنهم شاؤوا البقاء بهذه *** لم يتركوا وغدا من الأوغادِ

ولوَ انهم شاؤوا القضا مدّوا له *** نظرا وردّ بدهشة الإرعادِ

لكن تجرّدت النفوس وعافت الـ *** أكدار وارتاحت إلى الأندادِ

أفما علمت استشهدوا وتغابطوا *** متقدّما وأخيرهم للبادي

هذا بقرب العهد للمولى وذا *** بالسبق للجنّات والإخلاد

كانوا فرادى في الملا فاستشهدوا *** طرّا كأنهُمُ علي ميعادِ

فبكتهُمُ العليا بدمع ثاكل *** أنى وهم من أنجب الأولادِ

وبقي الصبور على البلا وحمول كـ *** ـلّ الاِبتلا لأسنة وحدادِ

يذري الدموع ولا لجبن شأنه *** بل راحم لمعاشر أنجادِ

وأتاح للحرب الزبون مكاثرا *** بالنفس مفردة لجمع أعادِ

بالنبل يرمي والرماح وبالظبا *** بأحرّ أفئدة من الحقّادِ

وامتاح يخطب في الوغى بمحجّة *** بيضا على هام من الإرشادِ

ورداه مسرور الحديد بكفّه *** لدن ومنبره سنام جوادِ

نهد المراكل جرشع ومضمّر *** قصر الغدار له وطال الهادي

ما زجّه في الجيش إلاّ واغتدى *** كالسيل صادفه غثاء الوادي

ومهند أدنى مواهبه الردى *** في حالة الإصدار والإيرادِ

ومثقّف كسر وليس مقرّه *** إلاّ بساحة مهجة وفؤادِ

يتدفّع الجيش اللهام كأنه *** يمّ خضمّ مدّ بالأزبادِ

فكأنه موسى ومخدمه العصا *** بل أين موسى عند يوم جلادِ

بطل تطوّع في النزال بنهبه *** هام الكماة وخلسة الأكبادِ

يمحو لدائرة الصفوف بسيفه *** محو المهندس فاسد الأعدادِ

حتى غدوا كالعصف تنسفه الصبا *** فوق التلال وفي خفيض وهادِ

ما زال هذا دأبه حتى انقضت *** منه الحياة وآذنت بنفادِ

فانهار كالطود الأشمّ على الثرى *** جلّت معانيه عن الأطوادِ

عدم النظير فما يمثّل حاله *** إذ مال عن ظهر الجواد العادي

إن قلت موسى حين خرّ سما له *** أو قلت يحيى فاقد بجهادِ

هذا استكنّ بدوحة حذرا وذا *** لمّا أفاق تببت ظل ينادي

لكنه متبتّل لما قضى *** فرضا هوى شكرا بغير تمادِ

يوم نوى فيه الحسين ويوم عز *** رائيل يقبض طينة الأسيادِ

فدعوت موري يا جبال تصدعي *** وبحار غوري وائذني بنفادِ

يا شمس فانخفضي ويا شهب اقلعي *** وعليه يا بدر ادّرع بحدادِ

وعليه ياسبع الشداد تهيلي *** هذا العماد وعلة الإيجادِ

لولا بقيته وخازن علمه الـ *** ـسجاد لانبعثت صواعق غادِ

واسمع بشاوية الضلوع مصيبة الـ *** ـخفرات بعد كفيلهن بوادِ

أضحت كمرتاع القطا من بعده *** وقعت بوسط حبالة الصيّادِ

قدّ المصاب قلوبها أو ما ترى *** تهمي الدموع دما كسيل غوادِ

فقدت أعزّتها وجلّ سراتها *** وملاذ حيرتها وخير سنادِ

لبست من الأرزاء أبهى حلّة *** لكنها من صفرة وسوادِ

بأبي وبي اُم الرزايا زينبا *** مسجورة الأحشاء بالإيقادِ

تطوي الضلوع على لظى حسراتها *** مهما دعت نفثت كسقط زنادِ

تدعو الحسين وما لها من منعم *** يا كافلي قدح المصاب فؤادي

أوهى قوى جلدي فبان تجلّدي *** أين التجلّد والفقيد عمادي

سفن اصطباري قد غرقن بزاخر *** من يم أحزاني وريح نكادي

وتعجّ تهتف في الدميل بعولة *** عظمى تمزّق قلب كلّ جمادِ

أمؤمّل الجدوى بساحة ربعهم *** خف القطين وجفّ زرع الوادي

يا ضيف بيت الجود أقفر ربعه *** فاشدد رحالك واحتفظ بالزادِ

قد كان كعبة أنعم واليوم لا *** من عاكف فيها ولا من بادِ

وترقرق الدمع الهتون تصونه *** خجلاً وخوف شماتة الحسّادِ

فكأنها نظرت وراء زجاجة *** كي تبصر القتلى على الإبعادِ

وتخطّ في وجه الفلا ببنانها *** صونا لرفع الصوت بالإنشادِ

يا راكبا كوما تهشّ إلى السرى *** عزّت عن الأشباه والأضدادِ

عرّج لطيبة قاصدا جدثا به *** سرّ الوجود ومظهر الإرشادِ

وقل السلام عليك من مزّمّل *** مدّكر برد الفخار البادي

يا مظهر الإسلام جئتك مخبرا ***  إن الحسين رمي بسهم عنادِ

خلّفته غرضا هناك ومركزا *** وضريبة بل حلبة لطرادِ

للصفر والسمر اللدان وبيضها *** ولدهمها يدعو وليس مفادي

والطيبون الصحب أكرم معشر *** من حوله كضرائب الجلاّدِ

والطيبات اللاّئي كنت تحوطها *** أمست غنيمة غادر ومعادِ

كانت كمثل الدرّ في الأصفاد فابـ *** ـتذلت تسام بسوق كل بلادِ

وخدت بعادية الظهور كأنها *** جاءت بأشنع بدعة وفسادِ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة