الفطرة دليل الإيمان ـ 1

img

مصطفى آل مرهون

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾([1]).

قال العلماء: يعرف الله بطرق ثلاث:

1) دليل الفطرة الذي يعبر عنه بأن البعرة تدل على البعير، والصنعة تدل على الصانع، وهذا لدليل يشترك فيه العالم والجاهل والكبير والصغير والعادل والفاسق، فكل إنسان إذا نظر إلى نفسه وأنه وجد بعد العدم وأنه خلق من نطفة وأنه لم يخلقه أبواه ولا هو خلق نفسه يجزم لا محالة بوجود الخالق ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾([2]).

2) الدليل النظري، وهو أن تعرف الله بصفاته الكمالية بالدليل وبرهان العقل كما دونه المتكلمون والفلاسفة الإلهيون.

3) دليل الإشراق، وهو أن الإنسان متى خلصت نفسه من الشوائب وانصرفت عن كل ما يشين انعكست في قلبه معرفة الله سبحانه بدون استعمال النظر تماماً، كما ينعكس المثال في المرآت الصافية.

والدليل الأول والثاني ينتقل بنا من العلم بالمسبَّب إلى العلم بالمسبِّب ومن العلم بالأثر إلى العلم بالمؤثر، والدليل الثالث بالعكس، وهذا أعلى مراتب المعرفة.

قيل لعليّ عليه السلام: هل عرفت الله بمحمد وعرفت محمد بالله؟  قال: «ما عرفت الله بمحمد ولكن عرفت محمداً بالله».

والطريق الأول هو دليل الفطرة التي أشار إليها القرآن: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾([3])، وفي الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه ويمجسانه».

والفطرة بالكسر وهي كما في المجمع الخلقة، وهي من الفطر كالخلقة من الخلق في أنها للحالة، ثم إنها جعلت للخلقة القابلة لدين الحق على الخصوص. والمعنى كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به، فلا تجد أحداً إلا وهو يقر بأن له صانعاً وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها وإنما يعدل عنها لآفة التضليل: «حتى يهودانه»، أي ينقلانه إلى دينهم. وفي المقام تفصيل.

وقد ذهب الكثير من العلماء إلى أن فكرة الله أو الدين على العموم إنما هي فكرة فطرية وجدت في عقل الإنسان ولكن أوجدها فينا موجد أعلى وهو الله سبحانه.

وأبرز العلماء الذين اعتنقوا الفكرة الفطرية الذرية وتلخيص آرائه فيما يلي:

1) كل إنسان يحمل في نفسه فكرة العلية، وأن هذه الفكرة كافية لتكوين العقيدة أن ثمة آلهة صانعة وخالقة للكون، وأن كل إنسان لديه فكرة عن صنع الأشياء يعتقد في وجود صانع يفعلها ولا يستطيع هو أن يفعلها.

2) نجد لدى القدماء والمتوحشين الاعتقاد في أب في سيد في خالق.

3) وجد العنصر الديني عند البدائيين في حالة من الطهر والنقاء الكاملين ثم تلا هذا ظهور العنصر الاسطوري.

_________________

([1]) الحج: 8.

([2]) فصّلت: 53.

([3]) الروم: 30.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة