شعراء القطيف (المرهون)

img

{ 15 } الشيخ عبداللّه‏ المشهدي

المتوفّى سنة ( 1255 )

هو الفاضل الشيخ عبد اللّه‏ بن علي بن حسين بن علي بن مشهد بن محمد بن مكتوم المعروف بـ(المشهدي). آل المشهدي قبيلة من قبائل العرب العريقة في الحسب والنسب، موجودون حتى الآن، منهم الرجال الكرماء والأفذاذ السراة، مسقط رأسهم ومحل توطّنهم قرية « عنك » المساحلة للجهة الجنوبية من القطيف. وسكان هذه القرية من الشيعة يعرفون بالعليوات ؛ سواء آل المشهدي، أو غيرهم وإلى يومنا هذا من شهر شعبان سنة ( 1384 ).

وقرية « عنك » بعيدة الأثر، قديمة التاريخ، ولعلّها أقدم من غيرها من سائر القرى القطيفية. والذي يقرأ ديوان المشهدي الذي هو أحد أعلام قرية « عنك » أوائل القرن الثالث عشر يعرف جيداً أن ازدهار العلم والأدب في ذلك العصر أكثر ممّا هو عليه اليوم وحتى  في البلدان الريفية. إذن فقد خلّد المشهدي بذكره الجميل ذكر آل المشهدي وقريتهم « عنك »، وإلاّ لولا ما عثرنا عليه من ديوانه في أهل البيت عليهم السلام، فما الداعي لذكره دون غيره؟ فليحيَ المشهدي بديوانه، إنها حياة ثانية لا تبيد. توفّي رحمه اللهعلى التقريب أوائل القرن الثالث عشر، ( تغمده اللّه‏ برحمته ) تاركاً وراءه ديوانه
الضخم في مراثي ومدائح أهل البيت عليهم السلام. وإليك منه كنموذج هاتين الوردتين الفواحتين:

في رثاء الحسين عليه السلام

دعِ العيد واذكر ما جرى بمحرّمِ *** فما أسفي من بعده بمحرّمِ

دعِ العيد واخلع ما به من ملابس *** فلبسك فيه ثوب سقم مؤلّمِ

فأيّامه يا للدواهي تصرّمت *** وأم لنا عاشور أشأم مقدمِ

فنُح أسفاً واذكر مصاباً جرى به *** بسبط رسول اللّه‏ نجل القشمشمِ

وفرخ البتول الطهر بنت محمد *** وصنو الزكي المجتبى نجل أكرمِ

غداة حسين الطهر أضحى بكربلا *** وعترته من كل شهم وضيغمِ

ألا بأبي ذاك الطريد عن الحمى *** باُسرته في السهل والحزن يرتمي

أتى ناصر الدين الحنيف مجاهداً *** طغاة ومن عن منهج الحق قد عمي

فمذ حطّ في أرض الطفوف أتت له *** جيوش كبحر بالأسنة مفعمِ

وحطوا على تلك المياه فأصبح الـ *** إمام وأهل الحق والكل قد ظمي

ألا بأبى أفدي الغريب بنينوى *** فريداً لهيف القلب عن وردها حمي

ألا بأبي أفدي إماما مودّعاً *** لأهليه توديع الشقيق مسلّمِ

يشير لربّات الخدور بقوله *** أيا اُم كلثوم اسرعي وتقدّمي

ويا زينب يا فاطم يا رقية *** تعالين اُوصيكن من قبل أرتمي

إذا نالني حتف الردى بيد العدا *** فنوحوا جميعاً وامزجوا الدمع بالدمِ

وقولوا على الدار العفا بعدما قضى *** غريباً حبيب المصطفى ذو التكتمِ

وإن ضمّكم ربع المدينة فابلغوا *** سلامي لخير المرسلين المعظمِ

واُوصيكمُ خيراً بنجلي فإنه ال *** خليفة فانقادي إليه وسلّمي

فلما قضى التوديع سبط محمد *** غدا للأعادي فوق صهوة أدهمِ

تخال وميض السيف برق غمامة *** وجاري طلا الكفّار صوب حياهمِ

متى كرّ فرّ الجمع خيفة بأسه *** إلى أن على تلك الجنادل قد رمي

فمذ خرّ خرّت ذروة المجد والعلا *** فركن الهدى من بعده لم يقوّمِ

فيا ليتني يوم الطفوف شهدته *** لأفديه من نبل وطعمة مخذمِ

ولكنّ حظّي قد تأخّر عصره *** فيا ندمي لو كان يجدي تندّمي

فديت حسيناً مذ هوى عن جواده *** لطعنة عسّال ونبلة أسهمِ

فخرّ لِقىً مذ خرّ ملقى معفّرا *** يقول أغثني يا إلهي وراحمي

فآب جواد السبط يعلن بالبكا *** حزيناً كئيباً قاصداً للمخيّمِ

ينادي ألا يا زينب يا سكينة *** ويا اُمّ كلثوم انظري حال مقدمي

وشقّي عليه الجيب يا ابنة فاطم *** وخدّك من عظم المصيبة فالطمي

فبحر الندى قد غاله حادث الردى *** بكرب البلا فابكوا مصاب المعظمِ

فلما سمعن الطاهرات بكاءه *** خرجن حيارى ثاكلات وأيّمِ

بنفسي بنيّات الرسول حواسرا *** تحنّ حنين الواله المتألّمِ

فأبقى لها لما رأت خيرة الورى *** عفيراً خضيب الشيب والنحر بالدمِ

وشمر عليه جاثم بحسامه *** يهبّر أوداج الكريم بمخذمِ

سقطن على حرّ الوجوه ذواهلاً *** زواجر شمر ويل اُمك من عمي

أيا شمر راعِ اللّه‏ فينا فإنه *** حمانا فخذنا طوع أمرك واحلمِ

أتقتل مولانا الحسين على ظما *** فليس لنا مولىً سواه ولا حمي

فخرّ كريم السبط ثم سما به *** سنان على رأس السنان المقومِ

فيا أرضُ سيخي يا سماء تفطّري *** ويا شهب غيبي يا جبال تهدّمي

فلما رأته عافراً زينب غدت *** تنادي أخي لا نلت بعدك مغنمي

أخي أنت كهفي في الخطوب وملجئي *** وعوني إذا ما جار دهري ومعصمي

أخي كنت لي عضباً أصول على العدا *** وقد غاله صرف الردى بتثلّمِ

أخي كنت لي عوناً وغوثاً ومفزعاً *** وأنت ملاذي يابن اُمي وملزمي

أخي كنت لي ذخراً وفخراً وسؤددا *** فبعدك ثغري ما بدا بتبسّمِ

أخي كوّرت شمس ابتهاج مسرّتي *** وغابت بترب الحزن بعدك أنجمي

أخي انطمست أعلام بشري وأظلمت *** وأوحشت الدنيا على كلّ مسلمِ

ونادت بربّات الخدور بعولة *** تذيب الحشا من لوعة وتألّمِ

سكينة قومي يا رقية فاسرعي *** ويا اُم كلثوم انهضي وتقدّمي

تعالين للتوديع قبل رحيلنا *** نبلّ صدى قلب وللخدّ نلثمِ

وزينب تدعو بالبتولة فاطم *** أيا اُم هدّتنا الخطوب بصيلمِ

أيا اُم قومي من ثراك وشاهدي *** حبيبك ملقى لليدين وللفمِ

ونادت بخير المرسلين محمد *** حبيب إله العالمين المكرمِ

وتدعو أباها المرتضى ودموعها *** كوكف الحيا يا أيها الفارس الكمي

أيا والدي يا حيدر الطهر إننا *** رمينا برزء في البرية أعظمِ

أيا والدي أضحى الحسين معفّراً *** وذا رأسه من فوق لدن ولهذم

أيا والدي لو أن رأيت لحالنا *** ونحن اُسارى في يدي كل أزنمِ

أيا والدي سرنا هدايا حواسرا *** إلى كافر رجس خبيث ومجرمِ

فلما رآنا صك راحات بشره *** وراح لراح البشر يهني بمطعمِ

فيا وقعة شنعاء قد وقعت بنا *** فمطعمها مر كمطعم علقمِ

فيا آل طه يا عمادي وملجئي *** ويا عدّتي في شدّتي يوم مقدمي

حرام بأن أهنا بشرب ومطعمِ *** ويفترّ ثغري بالهنا والتنعّمِ

فيا غيرة اللّه‏ اغضبي لبني الهدى *** أئمّتنا أزكى البرايا وأكرمِ

فيا عترة الهادي ويا خير سادة *** سموا وعلوا فوق السماك ومرزمِ

لكم قد صفا ودّي وحبّي فأنتُمُ *** عمادي وعوني فيالخطوب ومعصمي

وحبّكمُ من عالم الذرّ ثابت *** سرى في ضميري في حشاي وأعظمي

فلو أنني شاهدت وقعة كربلا *** لصلت على الأعداء صولة ضيغمِ

وناديت بالأمجاد من آل مشهد *** ألا فانهضوا نهض الهزبر الغشمشمِ

وصولوا على الأعدا جميعاً وجدّلوا ال *** طغاة لنحظى بالهنا والتكرمِ

ونبلغ للآمال يوم معادنا *** ولا يعترينا حرّ نار جهنمِ

أيابن النبي المصطفى خيرة الملا *** عُبيدك (عبد اللّه‏) أرجوك ملزمي

عليكم سلام اللّه‏ ما ناح مغرم *** وما حطّ ركب الحاج في أرض زمزمِ

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة