شعراء القطيف (المرهون)

img

الشيخ حسن التاروتي المتوفّى سنة (1250)

في رثاء الحسين عليه السلام:

أللراعبية بالأجرعِ *** صبابة وجد فلم تهجعِ

أم استجودت وأتت مورداً *** تمضمض منه ولم تجرعِ

أجارتنا ليس دعوى الأسى *** بأن تخضبي الكفّ أو تسجعي

إليّ حمامةَ جرع الحمى *** فليس الشجيّ كمن يدّعي

فإما استطعت حنيناً له *** يلف الحنايا وإلاّ دعي

ودمع إذا فار تنوره *** دماً لم أقل يا جفوني اقلعي

عذيريَّ من مارج كلّما *** صغى مسمعي شبّ في أضلعي

وقائلة وزعيم الأسى *** يسدّد عن قولها مسمعي

أتعنف عينيك في أربع *** فقلت وعن عنفي أربعي

سلي إن جهلت ولما نعي *** بأن ابن فاطمة قد نُعي

غداة رأى الدين في حامل *** يجرّ قناه ولم يرمعِ

وداعٍ دعاه ائتنا للهدى *** ولم يك هيابة إذ دُعي

ومن حوله تبّع إن دعا *** فما حمير من دعا تبِّع

كأن النجوم بهم تهتدي *** إذا حلّها البدر في مطلعِ

فحلّ بوادي الندى لم يجد *** أخا ثقة فيه لم يخدعِ

فما اسطاع من بينهم مرحباً *** وما كان في الأسر بالمرجعِ

فقالوا أطعنا يزيداً فكن *** له طائعاً وامضِ في مهيعِ

فقال أطعتم ولما أطِعْ *** له وسمعتم ولم أسمعِ

أبى اللّه‏ إن كان جيدي لها *** وسيفي بكفّي وجدّي معي

فبات وباتوا ومن بينهم *** مواعدة القرع بالأقرعِ

فوطّا قلوب ذويه على *** لقا أروع في تقى أورعِ

فمذ دعت الحرب أقرانها *** وقارنت العضب بالأخدعِ

رأيت اُولئك من دارع *** يؤمّ الهياج ومن أدرعِ

دعوا للرماح ألا فاشرعي *** وبيض الصفاح ألا فاقطعي

ويا خيلنا قد اُعدّ الدجى *** فغيبي بهم تارة واطلعي

فوفّى الذمام وأعلى الوفا *** نفوس اُسيلت على اللّمعِ

وظلّ فتى لم تهله الاُلوف *** ولا بالفروقة في المجمعِ

يردّ الكماة كذي لبدة *** أغار بسائمة رتّعِ

فتهوي عرانينها جثّماً *** يجرّ العرانين في اليرمعِ

ترى ذاك يمشي على بطنه *** وآخر يمشي على الأربع

فحسبك من رتبة لم يكن *** لغيرك فيهن من مطمعِ

وإن ثبتوا ساءهم ثلمة *** يشيب الزمان ولم ترقعِ

فحسب أعاديه من سيفه *** وصعدته ذلّة الأضرعِ

بأن كان والتاج في رتبة *** وكان من السرّ  في موضعِ

فليت وما « ليت » من علّة *** ولا غالك السهم بالمقنعِ

ولا شمّر الشمر من جهله *** لذبحك عن ساعد أكوعِ

ولا كرّت الخيل إصدارها *** بمقدس صدرك والأضلعِ

ويا ليت فارع رمح بدا *** ينوء برأسك لم يرفعِ

متى شابه الجمل العاسلات *** بها الشمس في شرف المطلعِ

فقل للسماء وداراتها *** وقد وقع القطب منها قعي

وللشهب إن فاخرتك التلاع *** فردي النقاب على البرقعِ

إذا كان نورك من نور من *** تلألأ فيها فلا تلمعِ

متى أشرق البدر في تلعة *** وقد كان في الفلك الأرفعِ

وصارخه إن أراد الحيا *** لها الخفض قال أساها ارفعي

إذا كنت ثاكلة فاصدعي *** وإن كنت ناكلة فاهجعي

أتت نحوه وبأحشائها *** جوى يوقد النار بالمدمعِ

تقول أخي يا حميّ الثغور *** عريت بعرفك والأربعِ

فشتّت أهليه من صبية *** عباديد أو نسوة ضيّعِ

ويا دوحة قد نحاها الردى *** وزعزعها بيَد الزعزعِ

وأصحر من ظلّها قائلاً *** وأصفر راحة مستنجعِ

ويا بطلاً ما مشى للقراع *** بنهنهة الوجل الهلْيَعِ

أراك جديلاً ويوم الجلاد *** بغير قراعك لم تقنعِ

تغيم فتمطر هام الكماة *** وترعد في بارق اللمّعِ

اُبيح حماك فلا تمتطي *** وبُحّ المنادي فلم تسمعِ

علام ترشفت من شفرة *** مذاقة كأس طلا منزعِ

متى ألِف الضيم نفس الأبيّ *** وعاد الدعيّ فلم يردعِ

متى طأطأت ذروات العلا *** ومدّت إليها اليد الأقطعِ

لعلّك حين هجرت الديار *** وآنست فدفدك البلقعِ

وكلّت بأهليك قلب العطوف *** وأسكنتهم بحمى الأمنعِ

تضيق على الدهر أعذاره *** وماذا دعتك ولم يمنعِ

ويضحي الملومة في فعله *** إذا افترّ سنّا ولم يقرعِ

حنانيك ما ردّ عنك الردى *** وحسبانه حسب ما قد رُعي

بعين المعالي وعين الفخار *** يغص بك الهول في المصرعِ

فلا سيف إذ ذاك صلت أتى *** وسابق هاتيك لم يسرعِ

فخلّ السرى يا ركاب الوفود *** فخير من السير أن ترجعي

فما في القرى لك من مطعم *** وما في الثرى لك من مشبعِ

أهب النزال بمأوى النزيل *** فأبدِ الجلادة أو فاجزعِ

كفى حزناً دون أن تبصري *** خلوّ المعاهد أن تسمعي

كأن لم يشرّع باب الندى *** بهن أو الدين لم يشرعِ

فيا راكباً ظهر مجدولة *** شأت أربع الريح في أربعِ

تجافي الأباطح حزم الحزوم *** وجرّعها حزم الأجرعِ

إذا لمعت نار طور الغري *** فأنت بوادي طوى فاخلعِ

وصلّ وسلّم وصِلْ واستلم *** لقدس أبي الحسن الأنزعِ

وناِد وقل يا زعيم الصفوف *** ومركز دائرة الأجمعِ

وأقوى ذراعاً بصمصامة *** على هامة البطل الأنزعِ

قعدت وفي الطف اُمّ الخطوب *** تقعقع في ضنك الموقعِ

جثت فجثا بإزاها بنوك *** على ركب قطّ لم ترفعِ

فلمّا تضايق مدّ السيوف *** بمشتبك الأضبع الأضبعِ

اُبيدوا فغصّت بهم بقعة *** بها غصّ منهم فم الأبقعِ

فقم فانتظارك ممدودة *** لها رغبة العين والمسمعِ

وقد وسم المجد إمّا نهضت *** بعزمك بالأنَف الأجدعِ

أثِر نقعها فحسين قضى *** وغلّة أحشاه لم تنقعِ

وقد وترته أكفّ الترات *** فأغرقت الرمي بالمنزعِ

إذا قعد الشمر في صدره *** فما لقعودك من موضعِ

إلام وأهلك في مَهلك *** وشمل بناتك لم يجمعِ

أقام القطيع على رأسها *** مقام الملاءة والملفعِ

وأقمار أوجههن الذراع *** منازلها عوض البرقعِ

إذا ما اشتكين الظما والطوى *** وعزّ الغياث على المفزعِ

تنوح الجياع على الساغبات ***  وتبكي السواغب للجوّعِ

فلم تك تسمع في صعصع *** تداعين للحرَب المفجعِ

كشكوى الفصال من المرضعات *** ونوح الفصيل على الرضّعِ

ألا وإباها وأين الغيور *** يراهن في السبي كالزيلعِ

ينازع أجيادها ما جمعن *** وجامعة الأسر لم تنزعِ

تئنّ من الأين والاغتراب *** ينوء بها غارب الأضلعِ

اُميّة ما ذنب أشقى ثمود *** ولا زلّت النعل من تبّعِ

كدم النبوة لما صبغتِ ***  بها حاقد الناب والأضلعِ

وأيدي الإمامة هذي أسرتِ *** وهاتيك آليتِ أن تقطعي

فبوئي بها كجناح الغراب *** بوجهك سوداء لم تقلعِ

إذا شاء أنفك من عارها *** يفك الخزامة لم يسطعِ

إذا ضحكت عند ثأر الحسين *** ظُبا لاهتزاز قناً شرّعِ

وكبّر فيها كاُسد العرين *** رجال وأوشك أن تسمعي

وقام بها ملك للقضا *** بمقدمه قدم الأطوعِ

فلم يدَعْ ما قال ذا أمضه *** ولم يمضِ ما قال هذا دعي

فأين مفرّك من بأسه *** وقد أصبح الحكم للمدّعي

فحسبك أن قام في موقف *** وصلّت به البيض أن تركعي

هنالك ما الغيض مل‏ء الصدور *** ولا جذوة الوجد في الأضلعِ

ستقفوه منا وأكرمِ بنا *** كرام الولادة والمرضعِ

فيا صفوة اللّه‏ آل الرسول *** وأسبابه اللائي لم تقطعِ

ويا أصل موجود هذا الوجود *** ولطفا من المبدئ المبدعِ

وباب رضاه الذي من أتى *** بحاجته منه لم يمنعِ

جعلتكمُ سادتي وجْهتي *** إذا قلت يا خير مولى دعي

بلاغ الأماني ونيل المنى *** بدنياي والأمن من مفزعي

فعبدكمُ حسن الظن في *** صنايع فضلكمُ الأوسعِ

وإنيَ منكم وفيكم بكم *** عليكم إليكم فكونوا معي

كشفت قناعيَ في دينكم *** وما دين غيركمُ مُقنعي

رضاكم أماني وإن أصبحت *** ذنوبي كرضوى فلم أجزعِ

ألا يا صلاة مديم الصلاة *** إذا بدأت بكمُ فارجعي

ومن طرب يا سلام السلام *** بروضة أرواحهم رجّعي

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة