كشكول الوائلي _ 64

img

ولادة البنات

فهناك من الرجال من يدخل إلى البيت ويواجه المرأة بالإهانة والتوبيخ لأنها تلد البنات، وهذا من الميراث الاجتماعي للحضارة العربية التي نعيش فيها نحن. فنحن نعرف أن بعض العرب إذا ولدت امرأته بنتا فإنه لا يدخل إلى البيت. يروى أن أحد العرب ـ وكان يدعى أبا حمزة ـ ولدت له امرأته بنتا، فحوَّل خباءه عنها ولم يدخل إلى خبائها، فراحت تُرقِّص طفلتها وتقول:

ما لأبي حمزةَ لا يأتينا *** يَظلُّ بالبيت الذي يَلِينا

غضبانَ ألاّ نلدَ البَنِينَا *** وإنَّما نَأخذُ ما اُعطِينا

ونحنُ كالأرضِ لزارِعِينَا *** نُعطِيهُمُ ما بَذرُوهُ فِينَا

فرقَّ لها أبو حمزة وعاودها[1]. فهي غير مسؤولة عن هذا الأمر، وإنما هو خارج عن إرادتها.

والخلاصة أنه إذا عرف الأب والاُمّ نوع الجنين، فقد تحدث الكثير من المشاكل للاُمّ أو للجنين.

الحجّاج واُم البنين بنت عبد العزيز

ذهب الحجّاج يوما إلى الشام يريد الدخول على الوليد بن عبد الملك، فدخل وهو مدجّج بالسلاح، فأرسلت اُم البنين زوجة الوليد إلى زوجها تسأله: من هذا الأعرابي المدجّج بالسلاح الذي دخل عليك؟ فأرسل إليها الوليد قائلاً: إن هذا هو الحجّاج. فأرسلت إليه: واللّه لو يخلو بك ملك الموت أحبّ إلي من أن يخلو بك الحجّاج. فقال الوليد للحجاج مازحا: إن اُم البنين تقول عنك كذا وكذا. فقال الحجّاج: أصلح اللّه الخليفة، إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تُطلعْها على أسرارك، ولا على مكائدك لعدوك.

فنقل الوليد هذا الكلام إلى اُم البنين زوجته. فقالت له: أقسمت عليك إلاّ ما أرسلته إليّ. فأرسل الوليد إلى الحجّاج أن اُم البنين تريد أن تلاقيك. فقال الحجّاج: جنبني ذلك. فقال الوليد: لا بدّ من ذلك. فدخل عليها الحجّاج، فسلم عليها فلم ترد، فجلس، فقالت له: أنت المشير على أمير المؤمنين بما سمعته عنك؟ ما كان أحراه باتباع رأيك إذا كانت النساء ينفرجن عن مثلك، ولكن إذا كن ينفرجن عن مثله فما أحراه بترك رأيك ! أتدلّ على أمير المؤمنين بما فعل وأنت الذي قذفت الكعبة[2] وقتلت ابن ذات النطاقين؟ أما سمعت قول النبي صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله: « إن في بني ثقيف كذابا ومبيرا؟ ». أمّا الكذّاب فعرفناه، وأما المبير فأنت. فقام الحجّاج ولم يعرف أين يضع قدمه[3].

فالعرب كانوا يتمدحون بالمرأة التي تحمل قليلاً باعتبار أن الولد يكون أكثر نضجا. وقد تميل بعض النظريات العلمية الحديثة إلى ذلك في الوقت الحاضر، وقد تدحضه بعض النظريات باعتبار أنه خلاف الحكمة، وأن اللّه لو كان يعلم أن أحد المولودين يجور على الآخر لما جعل المرأة تحمل توأما.

يتبع…

_____________________

[1]  الجامع لأحكام القرآن 16: 70، ولم ينقل البيت الثالث، البيان والتبيين 1: 108، 581، مجمع الأمثال 1: 64، وفيه: ما لأبي الذلفاء….

[2]  قال الذهبي: « الحجّاج أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلاً. وكان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء… قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة، ورميه إياها بالمنجنيق، وإذلاله لأهل الحرمين…  وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه، بل نبغضه في الله ؛ فإن ذلك من أوثق عُرا الإيمان. وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله ». سير أعلام النبلاء 4: 343 / 117. وانظر حول ضرب الكعبة المشرّفة وحرقها: التاريخ الكبير 3: 4 / 12، وقد ضعّف السند، تاريخ اليعقوبي 2: 251 – 252، تاريخ مدينة دمشق 41: 385، تهذيب الكمال 6: 548 / 1376، سير أعلام النبلاء 3: 374، فتح الباري 8: 245، تهذيب التهذيب 2: 187 / 338، 10: 141 / 297، 11: 316 / 600، ينابيع المودّة 3: 36.

[3]  شرح نهج البلاغة 6: 107 ـ 108، 16: 125 ـ 126، بلاغات النساء: 128، ولم ينقلاالحديث.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة