كشكول الوائلي _ 62

img

وهم إمكانية الزواج من الجنّ

من الأوهام التي كانت سائدة عند العرب وغيرهم، وهو أن بعض الناس كان يعتقد بأنه يستطيع أن يتزوّج من الجنّ، وأن الجنية يمكن أن تلد منه. وكانت العرب تعتقد وتروي مثلاً أن فلانا قد تزوج من الجن، وأن زوجته الجنيّة قد أنجبت له أولادا منهم، كعمر بن يربوع، حيث يروون أنه تزوج جنيّة، وكان يسترها عن البرق؛ لأنها كانت تخاف منه وتهرب. وقد وُلد له منها أولاد يسميهم العرب: أولاد السعلاة، يقول شاعرهم:

يا قبح اللّه بني السعلاة *** عمرو بن يربوع شرار النات[1]

ويشير إلى هذا المعنى أبو العلاء المعري في إحدى قصائده حيث يقول:

كأني بعمرو والسعالي مطية

إلى آخر أبياته التي يصوّر فيها هذا الوهم السائد بين الناس.

فبعض المفسرين يقولون[2]: إن الآية جاءت لتطرد هذا الوهم. والحقيقة أن هذا الوهم يعيش حتى عند بعض الفقهاء الذين ينتمون لبعض المذاهب الإسلامية حيث إنهم يقولون: إن من الممكن الزواج من الجنّ، ويذكر أن جماعة تزوجوا وأنجبوا. وأدبنا العلمي يمنعنا من أن نحمل عليهم ؛ حيث إننا نحملهم على البساطة، وإلاّ فالحقيقة أن هذا الكلام لا يمكن قبوله ؛ لأن اللّه جعل الجنّ صنفا يتزاوجون فيما بينهم، وجعل الإنس صنفا يتزاوجون فيما بينهم، فالجنّ للجنّ والإنس للإنس.

ثم إن الزواج من الجنّ ـ حسبما قالوا ـ تترتب عليه اُمور فاسدة، حيث إنه سوف تكون ثمرته أولاد إنسية وأولاد جنيّة ؛ فتُخلق بهذا طبقات مختلفة الأصل والمنشأ والخلقة بين الناس. هذا فضلاً عن أن رسول اللّه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يقول: « كلّكم لآدم وآدم من تراب »[3].

ثمّ إن هناك جماعة يقسمون الناس إلى جماعة سام، وجماعة حام الذين أصبحوا ذوي لون أسود، والسبب كما يوردونه أن النبي نوحا عليه ‏السلام حينما ركب السفينة هوّمت عيناه، فكشف الهواء عن عورته، فلما رآها حام ضحك، فبادر إخوته فستروها، فاستيقظ نوح عليه ‏السلام من نومه ورآه يضحك، فسألهم عن سبب ضحكه، فقالوا: إنه رأى عورتك فضحك. فقال عليه‏السلام: « اللهم اجعل ولد هذا عبيدا لولد هؤلاء »[4]، وهكذا أصبح أولاده عبيدا لأولاد إخوته.

وهذا الكلام لا يعدو أن يكون خرافات، وإلاّ فما ذنب هؤلاء الذين خلقوا سودا حتى يكونوا عبيدا لغيرهم بسبب ذنب أذنبه أبوهم، فدعا عليه أبوه؟ ثم إن القرآن الكريم يقول:  ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى [5]﴾، فإن الذي يخطئ يأخذ جزاء خطئه. ولذا فإن هذه المسألة لا علاقة لهذا بذلك، بل هي مسألة تتحدّد علاقتها بالمناخ ؛ فليس كل أسود عبدا.

إذن اختلاف اللون لا دخل له بالعبودية، فالعبد يمكن أن يكون روميا أو من جنسيات اُخرى، وكل ما في الأمر أنه إذا اُخذ أسير حرب أو في غارة فإنه يستعبد.

هذا وينبغي ألاّ ننسى أن اللّه جل وعلا خلق الناس كلهم أحرارا.

والباحث حول هذه النظريات يجد من خلفها أصابع مشبوهة تحاول أن تضع الكثير من العقبات في طريق الإسلام. وما أكثر ما زرعه المستشرقون وغيرهم من هذا القبيل في طريق نموّ الإسلام وانتشاره.

يتبع…

______________________

[1]  الكنز اللغوي: 42 ـ باب السين والناء، لسان العرب 2: 101 ـ نوت. والنات: لغة في الناس لبعض العرب.

[2]  الجامع لأحكام القرآن 10: 142.

[3]  تحف العقول: 24، كنز العمّال 16: 459 / 45427.

[4]  انظر: علل الشرائع 1: 32/1، تاريخ الطبري 1: 139، أخبار الزمان: 107.

[5]  الإسراء: 15.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة