كشكول الوائلي _ 61

img

خلق حوّاء

والآن لنرَ خطوات الشارع المقدس في هذا الميدان من أجل إسعاد المجتمع، تقول الآية:  ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكمْ مِنْ أنفُسِكمْ أزْوَاجا ﴾، ويخصوص هذا المقطع نجد أن هناك إصرارا عند أكثر المفسرين على أن فيه إشارة إلى أن اللّه جل وعلا خلق لآدم عليه‏ السلام زوجة بعد أن استلب ضلعا من أضلاعه ؛ فلذلك سميت حوّاء لأنها خلقت من ضلع حي؛ فحينما نام آدم عليه‏ السلام أخذ اللّه ضلعا من أضلاعه فخلقها منه. لكنهم لا يعلّلون ذلك، ولست أدري لماذا؟ فهل إن اللّه تعالى لا يستطيع أن يخلق إلاّ باستلاب ضلع من آدم عليه ‏السلام؟ حاشاه ذلك، فإن اللّه تعالى  ﴿إنَّمَا أمْرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئا أنْ يَـقُولَ لَهُ كنْ فَيَكونُ [1]﴾؛ حيث إنه جلّ وعلا يأخذ التراب ويصدر إليه أمره بأن يكون، فيكون.

هذا بناء على عقيدتنا القائمة على أساس أن اللّه خالق ومبدع، وأن القدرة لا تتعلّق بممتنع، وإنما هي متعلّقة بالممكن الذي إذا توجّهت له القدرة أبدعته. وعليه فلا حاجة حينئذٍ لأخذ ضلع من آدم عليه ‏السلام كي تخلق حوّاء منه.

إن سلب آدم عليه ‏السلام أحد أضلاعه تترتّب عليه في الواقع لوازم فاسدة كثيرة، وهذه النظرية من الإسرائيليات، والهدف منها هو تذويب معنى الحرمة في نفوس الناس، فمحارم الإنسان يتميّزون بأن لهم حرمة وقداسة في نفسه ؛ فلا  يقرب منهم محرّما ولا يأتيه. ومن يقع على محارمه فحكمه القتل؛ سواء كانوا نسبيّين[2] أو سببيّين[3]. وهذه القدسية موجودة بين الرجل ومحارمه ؛ ولذا فإنهم يرومون تذويب هذا المعنى عندهم ؛ فنسمع أحدهم يخاطب ابنته:

فلا تمنعي نفسك المعرسين *** من الأقربين إلى الأجنبي

لماذا حللت لذاك الغريب *** وصرت محرمة للأبِ

أليس الغراس لمن ربّه *** ونمّاه في الزمن المجدبِ[4]

فتأمّل هذا اللون من الانحدار والخسّة، وهذه لها مدرسة، وغالبا تمتدّ جذورها إلى النظريات اليهودية. ونلفت النظر إلى أن نظرية فرويد تهدف إلى نفس الهدف، حيث يصبغ كل أنواع السلوك بالصيغة الجنسية. وهذا يعتبر إهانة للإنسان واعتداءً على كرامته وعقله وتطلّعاته نحو الأسمى، حيث يريد تصوير الإنسان كحيوان جنسي مع أن الإنسان فيه الروح والعقل والتطلّع إلى الأعلى، وفيه القابلية لأن يصير أسمى من الملَك، ويستطيع أن يصل إلى درجة من الخسّة بحيث تعتبر الحيوانات أنبل منه.

فالإنسان الذي له هذه القابلية ثم يأتي البعض ويحاول أن يصهره في بوتقة الجنس، لهو أمر يعتبر في غاية الإساءة للإنسان، والحال أن اللّه تعالى كرم الإنسان[5]، وجعل عنده القابليّة، وأودع عنده الاستعداد للسمو ؛ حيث الخلق والكرم والنبل. في حين أن هذا الذي ذكرناه يريد أن يحصره في نطاق الغريزة الجنسية، ويصهره في بوتقتها.

نعود للموضوع فنقول: إننا إذا راجعنا هذه النظريات فسنجد أن جذورها يهودية، والمشكلة أن المفسرين أخذوا هذه النظريات من كعب الأحبار ووهب بن منبه مقاتل بن سليمان، ونحن لا نقبل بنظرياتهم ولو كانت في أي كتاب؛ حيث إننا لا نستطيع أن نصدق أي شخص يهودي يأتي فيقول: إن عزرائيل نزل ليقبض روح نبي اللّه موسى عليه ‏السلام فقال له: « جئتني زائرا أم قابضا؟ ». قال: « جئتك قابضا ». قال: « أتقبض روحي؟ ». ثم ضربه على وجهه، فلطم عينَه، فرجع عزرائيل إلى ربّه بعين واحدة[6].

فهل نقبل بهذا، ونقوم بتلويث عقليّة أجيال الإسلام بأمثال هذه الروايات؟ إننا نضرب بهذه الرواية وأمثالها عرض الحائط، وكيف نستطيع أن نؤمن ونصدق بأن نبيّا من الأنبياء ومن اُولي العزم يفعل فعل الأشقياء؟ وعليه فإننا لا نقبلها بأي حال من الأحوال.

فالشيء الذي ينبغي أن يكون هو أننا عندما نقرأ رواية من هذا النوع فيجب أن نسأل أنفسنا: ما الذي يُلجئنا لأن نأخذ بها؟

فاللّه تعالى هو الخالق المبدع المصور القادر الذي يقول للشيء: كن فيكون، فلماذا يُنيم آدم عليه ‏السلام، ثمّ يأخذ ضلعا من أضلاعه فيخلق منه حواء، مع أنه كان قد خلق آدم من التراب، ويستطيع ويتمكن من أن يخلق من التراب امرأة لآدم عليه‏ السلام وتنتهي المشكلة؟

يتبع…

________________

[1]  يس: 82.

[2]  ما كانوا عن طريق الدم.

[3]  ما كانوا عن طريق المصاهرة.

[4]  من أشعار أحد زعماء القرامطة.

[5]  قال تعالى: وَلَقَدْ كرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ. الاسراء: 70.

[6]  صحيح مسلم 7: 100.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة