الإنابة ـ 2

img

الرسول قدوة

بعث الله سبحانه نبيه ليكون المربي والقدوة الصالحة للبشرية يقول تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]. ويقول تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21]. ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45 ـ 46].

وقد وضع الخالق سبحانه في شخص الرسول صورة المنهج الكامل للإسلام ليكون حياً في كل الأجيال. ولذلك يقول‘: «أدبني ربي فأحسن تأديبي»([1]). ويقول تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [قلم: 4]. ويقول‘: «يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة»([2]).

فهو الصادق الأمين الذي قالت عنه الجاهلية في محفل كبير ما جربنا عليك كذباً.

  • وكان في تبليغه مسؤولية الدعوة، لا يطيب له نوم ولا يهنأ له عيش حتى يرى الأمة قد استجابت للدعوة الإسلامية ودخلت في دين الله، حتى دعته الآيات أن يخفف عن همه يقول تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: 6]. ويقول تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ [القصص: 56]. ويقول تعالى: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: 8].
  • وفي عبارته: يقوم الليل حتى تتورم قدماه. ولما قيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً»([3]).

ولذلك يتحدث القرآن عن عبادته: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: 1 ـ 6]. ويقول تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79]. ويقول تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾ [الإنسان: 25 ـ 26].

  • وعن فطنته وذكائه: حسن تدبيره وحكمته في أن وضع لقومه الحل المناسب في وضع الحجر الأسود، وأن خلص الناس من حرب طاحنة

ففي سنة (35) من مولد الرسول‘ بنيت الكعبة وكانت المرة الثامنة التي تبنى فيها، وكان‘ يحمل معهم الحجارة على كتفه، وبنوها بالطين من المال الحلال الذي جمعوه لهذا الغرض. ولما أرادوا وضع الحجر وبعد خلافهم رضوا بأن يحكموا أول داخل يدخل عليهم من باب بني شيبة، فدخل عليهم رسول الله‘، فلما حكموه أمر‘ أن يؤتى بثوب، وأخذ الحجر فوضعه فيه بيده، ثم قال: «لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعاً»، فحملوه جميعاً إلى ما يحاذي موضع الحجر من البناء، ثم تناوله هو‘ من الثوب ووضعه في موضعه([4]).

  • وعن تواضعه: فكان يبدأ أصحابه بالسلام، وكان آخر من يسحب يده إذا صافح، وينصرف بكله إلى محدثه صغيراً أو كبيراً، وإن أقبل جلس حيث ينتهي بأصحابه المجلس، ويمضي إلى السوق ويحمل بضاعته ويقول: «أنا أولى بحملها». ولم يتكبر على عمل الأجير والصانع سواء كان في بناء مسجده أو في حفر الخندق، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة ويقبل عذر المعتذر، وكان يخصف نعله، ويخدم في مهنة أهله، وكان يعقل بعيره، ويأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف ويجلس على الأرض.

وكيف لا يكون كذلك وقد أنزل الله عليه قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215].

  • وعن حلمه: ما عامل به أهل مكة بعد النصر، فحسبنا أن ننظر إلى معاملته لأهل مكة الذين أسرفوا في إيذائه واضطهاده وأخرجوه من بلده، وتآمروا على قتله، وقذفوه بكل بهتان من القول والزور، لتتجلى لكل ذي عينين نفسه الكريمة في مرآة عفوه وصفحه الجميل، فلم ترى العرب رجلاً يكتسح مكة مثله فيشملها بعفوه، وأولئك عتوا وآذوه يجزون بالإحسان ويعاملون بالعفو والصفح الجميل، فما كان منه إلا أن جمعهم وقال لهم: «ما تظنون إني فاعل بكم؟» قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»([5]).

وكيف لا يكون كذلك، وقد أنزل الله عليه في محكم كتابه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]. وقال تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر: 85].

وعن أنس أنه قال: كنت أمشي مع رسول الله‘ وعليه بردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه برادئه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي‘ وقد أثّرت به حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء([6]).

  • وعن شجاعته وقوته: فقد كان الصحابة يلوذون به ويلجؤون إليه عند حفر الخندق كلما اعترضتهم صخرة لا يستطيعون على قطعها، وعندما تدعوهم الشدة في الميدان لما يعلمون من رباطة جأشه وقوة جسمه ومتانة أعصابه وكان يقول: «المؤمن القوي خير وأحب من المؤمن الضعيف»([7]).

وذكر أنه فزع أهل المدينة ليلة، فانطلق ناس قِبلَ صوت، فتلقاهم رسول الله‘ وقد سبقهم إلى ذلك الصوت، واستبرأ الخبر على فرس عربي لأبي طلحة، والسيف في عنقه وهو يقول: «لن تراعوا»([8]).

ويوم حنين وقف‘ على بغلته، والناس يفرون وهو يقول:

أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب

فما رأى أحد يومئذ أثبت منه ولا أقرب للعدو. وكان علي× يقول فيه‘: «وكنا إذا اشتد بنا البأس لذنا برسول الله»([9]). يقول تعالى مخاطباً نبيه‘: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 84].

يتبع…

___________________

([1]) تفسير مجمع البيان 10: 86.

([2]) أمالي (الصدوق): 65/ 30.

([3]) عوالي اللآلي 1: 326/ 69.

([4]) بحار الأنوار 15: 411.

([5]) منهاج البراعة 20: 314.

([6]) منازل الآخرة والمطالب الفاخرة: 206.

([7]) سنن ابن ماجة 1: 31/ 79.

([8]) سنن ابن ماجة 2: 926/ 2772.

([9]) كنز العمال 12: 419/ 35463.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة