تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الإخلاص ـ 4

img

وإذ تعرّف القائل على (الله) سبحانه، بما هو بأحديته وصمديته، فيبقى عليه أن يعرفه مقارنة بغيره سبحانه… ليدرك أن واجب الوجود لا يتكرر ” وحيث أن صرف الوجود لا ينتقص. ولا يحصل من الغير ولا يتكرر.. لم يكن والداً ولا مولوداً وليس له كفوءاً “.
لم يلد
وفي العدول من الإثبات إلى النفي إثارة للمتلقي، وبعث له للتوثب على الأفكار المزيفة، مطيحاً بفكرة تكاثر الآلهة وتنوعها، فليس بإله ذلك الذي يتكاثر ويتوالد، ويعرض له التغيّر والتبدل والحاجة..
فليس في الوجود شيء من جنسه سبحانه حتى يقال بأنه ابن الله ويشبهه أو يخلفه، فشتان بين الكون المركب من أجزاء متناغمة متناسقة وبين من خلق هذه الأجزاء ونظم سيرها، وشتان بين العلة ومعللها.
ومن هنا ينفذ الشرك، فالإنسان قد يتوهم في (الله) العظيم أنه يستحيل الوصول إليه، فيجنح إلى خرق بنين وبنات بغير علم.. أو خلق أوهام وآلهة مادية أو وجدانية تحيطه برعاتيها وتأمن له متطلباته.
وقد يكون التوليد ضرباً من الأصنام والأوثان أو قد يكون نجماً أو بقرة أو نوراً وظلمة أو طبيعة، أو بشراً (وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) {التوبة:30}
وقد يتوجه الإنسان إلى الوجدانيات فيتخذ أهواءه ورغباته آلهة تسيطر، فتعبد، فالطبيعة إله، والمادة إله، والجنس إله، والمال إله. . يولّدها الإنسان في نفسه، ويضخّم أثرها حتى يحيلها إلى معبود يأله إليه، ويفوض إليها كل أموره وينقاد إلى سطوتها.
ولم يولد
وإذا استنكف المتأمل أن يكون لإلهه ولداً يفضّله على بقية المخلوقات، أو يضارعه في مملكته.. فإنه يستنكر كذلك أن يكون لإلهه ( والداً )، و إذا كان.. فستعود سلسلة الأبوة حتى نصل إلى الأب الأول، ثم نتساءل من أبوه ومن أين جاء؟!
وهذا يحيلنا إلى أنه لا بد أن يعود العالم بأسره إلى إله فوق مستوى المادة والطاقة، وهو وحده الذي انتجها وسيّر نشاطها، ليكوّن هذا الكون الفسيح (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) {البقرة:117} دون الحاجة إلى التوليد والتحويل، كما تقول الصديقة الطاهرة عليها السلام ” ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتداء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيئته، من غير حاجة له في تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبداً لبريته، وإعزازاً لدعوته ”
وإذا أعلن القائل نكيره على من ادعى تولّد الله سبحانه وتوالده، فبقي عليه أن ينفي ثالوث التماثل؛ لأن المماثل إما ولد أو والد أو شريك.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة