الموت ـ 1

img

مصطفى آل مرهون

(يا بني واذكر اثنين: ذكر الله والموت)

على كل إنسان أن يعي حقيقة أن الموت كائن لا محالة قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].

والناس وإن كان أكثرهم يحب أن ينسى مسألة الفناء ويتجاهل الموت، ولكنه حقيقة واقعة وإن حاولنا تناسيها والتغافل عنها، فهي لا تنسانا ولا تتغافل عنا، حيث لابد أن يزور فيه الموت كل أحد، ولا يكون له حينئذٍ إلا أن يفارق الحياة.

والتعبير بالتذوق إشارة إلى الإحساس الكامل؛ لأن المرء قد يرى الطعام بعينيه أو يلمسه بيده، ولكن كل هذا لا يكون، ولكن من ناحية التمثيل فإن الموت كأنه نوع من الغذاء لابد منه في نظام الخلقة.

والموت هو: «فقد الحياة وآثارها من الشعور والإرادة عما من شأنه أن يتصف بها قال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: 28]. وقال في الأصنام: ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء﴾ [النحل: 21].

وأما أنه مفارقة النفس للبدن بانقطاع تعلقها التدبيري، كما يعرفه الأبحاث العقلية.

أو أنه: الانتقال من دار إلى دار، كما في الحديث النبوي، فهو معنى كشف عنه العقل أو النقل غير ما استقر عليه الاستعمال.

ومن المعلوم أن الموت بالمعنى الذي ذكر إنما يتصف به الإنسان المركّب من الروح والبدن باعتبار بدنه، فهو الذي يتصف بفقدان الحياة بعد وجدانه، وأما الروح فلم يرد في كلامه تعالى ما ينطق باتصافه بالموت»([1]).

و(توفون) التي تعني إعطاء الجزاء بالكامل تكشف عن إعطاء الإنسان أجر عمله يوم القيامة وافياً وبدون نقيصة؛ ولهذا يمكن أن يحصل في البرزخ على بعض نتائج عمله.

وكلمة (زحزح) محاولة الإنسان لإخراج نفسه من تحت تأثير وجاذبية النار بواسطة الشهوات المحرمة وارتكاب المعاصي، فإنه إن لم يفعل ستجذبه النار نحو نفسها تدريجاً وتوقعه في أسرها.

أما إذا حاول تربية نفسه وترويضها وتمرينها على مقاومة الجواذب والمغريات وكبح جماحها كان من الناجين حيث لا يغتر بهذه الدنيا ولا ينخدع بزبارجها.

يقول الرسول‘: «أكثروا ذكر اللذات». قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: «الموت، فما ذكره عبد على الحقيقة في سعة إلا ضاقت عليه الدنيا، ولا في شدة إلا اتّسعت عليه»([2]).

وقال الصادق×: «إذا أنت حملت جنازة فكن كأنك أنت المحمول… »([3]).

وإذا رأيت جنازة محمولة *** فاعلم بأنك بعدها محمول([4])

يتبع…

________________________

([1]) تفسير الميزان 14: 286.

([2]) بحار الأنوار 6: 133/ 32.

([3]) الكافي 3: 258/ 29.

([4]) روضة الواعظين: 494. ديوان الإمام علي×: 127.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة