الشكر _ 2

img
عام 0 ----

مصطفى آل مرهون

فمن الثابت أن عندنا نوعين من الشكر:

  1. شكر تكويني
  2. شكر تشريعي

والأول هو أن يستفيد الكائن الحي من مواهبه في نموه ورشده، فإذا رأي المزارع نمو زراعته بشكل جيد، وكلما خدمها خدمته، اعتنى بها أكثر، حيث كأن الزرع يناديه: نحن زرع لائق فأفض علينا من النعم، وهو يجيبهم بالإثبات، أما إذا رأى شجراً ذابلاً ويابسلاً وغير مثمر فكفر النعمة يسبب عدم العناية بها، وإذا استمر حالها كذلك تخلّص منها المزارع.

وهذه الحالة كذلك في عالم الإنسانية بتفاوت أن الاشجار ليس لها الاختيار، بل هي خاضعة للقوانين التكوينية أما الإنسان فباستفادته من إرادته واختياره وتربيته التشريعية يستطيع أن يخطوا خطوات عملية.

ومن الآيات: قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]. أي اذكروني بالطاعة وأذكركم بالأجر والثواب، واشكروني على نعمة الإسلام وبعثة محمد‘ ولا تفكروا بمخالفة الله ورسوله‘. يقول علي×: «ما كان الله ليفتح باب الشكر ويخلق عنكم باب الإجابة»([1]).

شكر المنعم

من بديهيات العقل الأولية أن الشكر لله واجب على كل بالغ عاقل، حتى ولو لم تنزل آية أو ترد رواية بوجوب شكره؛ لأنه جل وعز هو الخالق الرزاق، ومعنى شكره تعالى بعد الاعتقاد بأنه المبدئ والمعيد وأنه على كل شيء قدير أن نطيع أمره ونهيه، ونفوّض الأمور إليه وحده.

هذا بالنسبة إليه سبحانه، أما إذا أحسن إنسان لإنسان مثله بشيء مادي أو أدبي فهل على من أحسنَ إليه أن يشكر صاحب الإحسان، بحيث إذا لم يشكره بنحو من الأنحاء يكون عاصياً مستحقاً للعقاب؟

ليس من شك أن شكره راجح في نفسه، بل هو من شعار الطيبين الصالحين، أما الوجوب وعدم جواز الترك فلا دليل عليه، وكل ما ورد في شكر المنعم غير الله والنبي وأهل بيته فمحمول على الاستحباب تماماً كقول أمير المؤمنين× «إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه»([2]). فإن العفو عمن أساء إليك غير واجب قطعاً، ولكنه مستحب إجماعاً. أما الكلمة التي تتردد على ألسن الناس وهي: «من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق»، فإنها حكم أخلاقي لا حكم إلزامي، وإلا فأية ملازمة بين شكر الخالق وشكر المخلوق؟!

أجل، إن إنكار النعمة، وقولك لمن أحسن إليك: لم تحسن، محرم؛ لأنه كذب، وبالأولى تحريم الإساءة إليه؛ لأنها حرام بذاتها حتى لغير المحسن، ولكن وجوب الشكر شيء، وحرمة الكذب والإساءة شيء آخر.

ومن الآيات الدالة على فضيلته ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144 – 145].

الهوامش:

____________________

([1]) إرشاد القلوب 1: 148 وفيه: «الزيادة» بدل «الإجابة».

([2]) نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 470/ 11.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة