الشكر _ 1

img
عام 0 ----

مصطفى آل مرهون

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾

تعريفه

عرّف العلماء الشكر أنه: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.

وقالوا: معرفة النعمة أنها من الله سبحانه ومحبته وحمده عليها. وقيل: هو تصور النعمة وإظهارها والامتلاء من ذكر المنعم عليه. ويقول النراقي رحمه الله: الشكر: هو عرفان النعمة من المنعم، والفرح به والعمل بموجب الفرح بإضمار الخير والتحميد للمنعم، واستعمال النعمة في طاعته([1]).

فضيلة الشكر

الشكر أفضل منازل الأبرار، وعمدة زاد المسافرين إلى عالم الأنوار، وهو موجب لدفع البلاء وازدياد النعماء، وقد ورد به الترغيب الشديد، وجعله الله سبباً للمزيد، قال الله سبحانه: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147]. وهذه الآية تشير إلى حقيقة ثابتة وهي أن العقاب الإلهي الموجه للبشر العاصين إنما هو ليس بدافع الانتقام أو استعراض القوة، كما أنه ليس تعويضاً عن الخسائر الناجمة عن تلك المعاصي، فهذه الأمور إنما تحصل ممن طبيعته النقص والحاجة، والله منزّه عن ذلك.

إذاً فلعقاب الذي يلحق بالإنسان لما يرتكبه من معاصي إنما هو انعكاس للنتائج السيئة المترتبة على تلك المعاصي.

وبالنظر إلى أن حقيقة الشكر هي أن يستغل الإنسان النعم التي وهبها الله له في الجهات المخصصة لها يتّضح لنا أن القصد من الآية هو: أن من يؤمن ويعمل الخير ويضع الأشياء في مواضعها دون إساءة فهذا الإنسان المؤمن، لا يصيبه أي عقاب من الله. ولتأكيد هذا الأمر تضيف الآية مبينة أن الله عالم بأعمال ونوايا عباده وهو يشكر ويثيب كل من يفعل الخير من العباد لوجه الله، تقول الآية: ﴿وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147].

وقد قدمت مسألة الشكر على الإيمان لأجل بيان هذه الحقيقة وهي أن الإنسان ما لم يدرك ويعرف نعم الله وهباته العظيمة ويشكره على هذه النعم فلن يستطيع التوصل إلى معرفة الله؛ لأن أنعمه سبحانه إنما هي وسائل لمعرفته، وقد ورد في كتب العقيدة في بحوث وجوب معرفة الله أن وجوب شكر المنعم دليل على وجود المنعم.

ومن الآيات الدالة على فضيلة الشكر قوله تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]. وبهذا تتضح العلاقة بين الشكر وزيادة النعمة؛ لأن الناس لو صرفوا النعم الإلهية في هدفها الحقيقي سوف يثبتون عملياً استحقاقهم لها وتكون سبباً في زيادة الفيوضات الإلهية عليهم.

 

الهوامش:

([1]) جامع السعادات 3: 187.

يتبع…

 

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة