الحكمة _ 2

img
عام 0 ----

مصطفى آل مرهون

الأمر الثاني: الإحاطة والعلم بحقائق القرآن

وهنا مجموعة حقائق يمكن الإشارة إليها:

1ـ الحقائق الغيبية: حيث أخبر القرآن الكريم في عدة من آياته عن أمور مهمة تتعلق بما يأتي من الأنباء والحوادث، وقد كان في جميع ما أخبر به صادقاً لم يخالف الواقع في شيء منها، ولا شك أن هذا من الإخبار بالغيب، ولا سبيل إليه غير طريق الوحي والنبوة.

فمن الآيات التي أنبأت عن الغيب قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 7].

وهذه الآية نزلت في واقعة بدر وقد وعد الله فيها المؤمنين بالنصر على عدوهم ويقطع دابر الكافرين والمؤمنين على ما هم عليه من قلة العدد والعدة، وقد وفّى المؤمنين بوعده ونصرهم على أعدائهم.

ويقول تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: 94 ـ 96].

وقد نزلت هذه الآيات الكريمة في مكة في بدء الدعوة الإسلامية، وقد أخرج البزار والطبراني في سبب نزولها عن أنس بن مالك أنها نزلت عند مرور النبي‘ على أناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبرئيل. فأخبرت الآية عن ظهور دعوة النبي‘ ونظرة الله له وخذلانه للمشركين الذين ناوؤه واستهزؤوا بنبوته، وكان هذا الإخبار في زمان لم يخطر فيه على بال أحد من الناس انحطاط شوكة قريش وانكسار سلطانهم وظهور النبي‘ عليهم. ونظير هذه الآية: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: 9]، وقوله تعالى: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ [الروم: 2 ـ 3]، وقد وقع ما أخبرت به الآية بأقل من عشر سنين، فغلب ملك الروم ودخل جيشه مملكة الفرس.

ومنها قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: 44 ـ 45]. فأخبر عن انهزام جمع الكفار وتفرقهم وقمع شوكتهم، وقد وقع هذا في يوم بدر أيضاً حين ضرب أبو جهل فرسه وتقدم نحو الصف الأول قائلاً: «نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه»، فأباده الله وجمعه، وأنار الحق ورفع مناره وأعلى كلمته، فانهزم الكافرون وظفر المسلمون عليهم في وقت لم يكن يتوهم أحد بأن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ليس لهم عدة ولا يصحبون غير فرس أو فرسين وسبعين بعيراً يتعاقبون عليها يظفرون بجمع كبير تام العدة وافر العدد([1]).

الهوامش:

([1]) البيان في تفسير القرآن (للسيد الخوئي): 69 ـ 70.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة