شرح دعاء الصباح 59

img

﴿فاجعَلِ اللهمَّ صَباحي هذا نازِلاً عَلَيَّ بِضياءِ الهدى، وَبالسّلامَة في الدّين وَالدُّنيا﴾

«هذا» بدل من «صباحي». والباء في «ضياء» للمصاحبة. وأصلُ «الدّين»: الجزاءُ كما يقول: «كما تدين تدان»، وقول الشاعر:

فلّما أصبح الشرّ    فأمْسى وهو عريان 
ولم يبقَ سِوى العُدوا    نِ دِنّاهم كما دانوا([1])

 

ثمّ يعبّر به عن الإيمان والطاعة المستحقّ بهما الجزاء كما قال سبحانه. «في دين الملك» أي في طاعته. و«الدّنيا» مؤنث أدنى من الدّنّو أو الدناءة، أي الدار التي لها زيادة قُرب إلينا بالنسبة إلى الآخرة من حيث إنّا دنيويّون وحسيّون وطبيعيّون، ومن هنا فالعلمِ عبادي الوجود علم ما بعد الطبيعة؛ أو لها دناءة بالنسبة إلى الآخرة.

ثمّ قد يراد به: الحياة الطبيعية، وهو المراد هاهنا. وقد يراد به: حدود الأشياء وإنّياتها. وبهذا المعنى الدنيا ملعونة([2]) مطرودة، وبهذا المعنى قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُريد حَرثَ الدُّنيا نُؤْتِهِ مِنها([3])، وإلّا فنجد كثيراً من طلّاب الدنيا محرومين منها إن اُريدَ بالدنيا: المال والجاه. وقريب من هذا أن يراد منه: الجزئيات الداثرة الزائلة التي لا بقاء ولا وفاء لها.

ثم إنْ أوّلْنا «الصَّباح» إلى صبح الأزل الذي أشرنا سابقاً إليه، فالمراد بالهذيّة([4]): كمالُ القرب: ﴿يَرَونَهُ بَعيداً وَنَراهُ قريباً([5])، وبالـ«ضياء»: نور الحضرة الواحدية، وضياء الهوية الأحدية، و«بالهدى»: الإيصال إلى المطلوب لا الإراءة، وبـ«الدين» بجزئه الإيماني: الإيمان العياني، والشهود العرفاني، كإيمان الفراش بالسَّراج([6])، وإيمان الحديدة المحماة بالنار، لا الإيمان البرهاني فضلاً عن التقليدي، أو الاعتقادي الإجمالي. وبجزئه العملي: العبوديّة الّتي هي «جوهرة كنهها الربوبية». وبـ«الدنيا»: السفر من الحق إلى الخلق، أو الأعيان الثابتة اللّازمة للأسماء من حيث هي صور علمية للمعلومات الناسوتية.

يتبع…

الهوامش:

([1]) أمثال الحديث (ابن خلّاد): 24، شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 17: 40، 19: 221، وفيهما: «صرّح الشرّ».

([2]) لأنّه حينئذٍ الماهيّات الإمكانية بما هي ماهيّات والأعدام والتّعيّنات. واللّعن: الطّرد والبُعد. ومعلومٌ بعدها عن الوجود الذي هو الرّحمة الواسعة؛ فكأن معنى الآية: من يُرد عالم الكثرة والألوان والجزئيات من التعيّنات والماهيّات، نؤته منها. وكلّها تعب ونصب وكدٌّ ولدٌّ. و«العالم» أيضاً ما سوى الله تعالى، وما سوى في حقيقة «ليس» إلاّ الماهيّات الإمكانية بما هي شيئيّات الماهيات والسرابات والحُبابات؛ فإنّ الوجود الحقيقي من صقع الربّ. منه.

([3]) الشورى: 20.

([4]) أي الإشارة.

([5]) المعارج: 7.

([6]) أي الفراش الممسوس بنار السّراج؛ فإنّ إيمان الفراش به أقسامٌ: فمِن فراش في صحن الدار يرى ضوءاً منه في الدهليز لا نفسه، ومِن فراش يرى نفسه في فناء البيت، ومن فراش يراه في داخل البيت، ومن فراش مسّته نار السّراج إذ ضَرَبَ نفسه وألقاهُ عليها واتّصف بصفاتها. منه.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة