شرح دعاء كميل (36)

img

﴿وَعَلا مَكَانُكَ﴾

أي: ارتفع، يقال: فلان مُكّن عند السّلطان، أي عظم وارتفع عنده. ومكانه تعالى عرشه بجميع إطلاقاته ومعانيه، إذ قد مرّ أنّ للعرش إطلاقات أربعاً: علمه المحيط، وفيضه المقدّس، والعقل الأوّل، والفلك الأقصى.

وفي الأخبار: «إنّ قلب المؤمن عرش الرّحمن»([1])، كما قال المولوي:

 

گفت پيغمبر که حق فرموده است
در زمين وآسمان وعرش نيز
در دل مؤمن بگنجم همچو ضيف
من نگنجم هيچ در بالا و پست
من نگنجم اين يقين دان اي عزيز
بی زچون وبى چگونه بی زکيف([2])

فالمؤمن الحقيقي الذي ورد في حقّه: «أنّه أعزّ من الكبريت الأحمر»([3])، إذا وسع قلبه بحيث اتّحد بأحد معاني العرش وانطبق عليه، يصير عرش الله.

وفي الخبر أيضاً: «قلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرّحمن، يقلّبه كيف يشاء»([4]).

وإنّما قلنا المؤمن الموصوف بكذا صار قلبه كذا، إذ للايمان مراتب أربعة: من الإيمان التقليدي، والإيمان البرهاني، والعياني، والتحقيقي الذي هو حقّ الإيمان وحقيقته، وأخيرة درجاته ونهاية مقاماته.

[كلام المحقّق الطوسي في مراتب المعرفة]

قال سُلطان الحكماء: «اعلم أنّ مراتب المعرفة مثل مراتب النّار مثلاً، وأنّ أدناها مَن سمع أنّ في الوجود شيئاً يعدم كلّ شيء يلاقيه، ويظهر أثره في كلّ شيء يحاذيه، ويسمّى ذلك الموجود ناراً. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة المقلّدين الذين صدّقوا بالدين من غير وقوف على الحجج والبراهين.

وأعلى منها مرتبةً، من وَصَل إليه دخان النّار، وعلم أنّه لابدّ له من مؤّثر، فحكم بذات لها أثر هو الدّخان. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله معرفة أهل النظر والأستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصّانع.

وأعلى منها مرتبةً، من أحسّ بحرارة النّار بسبب مجاورتها، وشاهد الموجودات بنورها، وانتفع بذلك الأثر. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة المؤمنين المخلصين الذين اطمأنّت قلوبهم بالله، وتيقّنوا أنّ الله نور السّموات والأرض كما وصف به نفسه.

وأعلى منها مرتبةً، من احترق بالنّار بكلّيته وتلاشى فيها بجملته. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل الشهود والفناء في الله، وهي الدرجة العليا والمرتبة القصوى، رزقنا الله الوصول إليها والوقوف عليها، بمنّه وكرمه»([5]) انتهى كلامه.

أقول: في كلام سيّد الشّهداء ×: «اعرفوا الله بالله»([6]). معناه أنه تارةً يعرف تعالى بأقواله، وتارةً يعرف بآثاره وأفعاله، وتارةً يعرف بصفاته، أي بالإتصّاف بها، وتارةً يعرف بذاته المحيطة. وتلك المعارف بعضها فوق بعض، وهذا بعينه مقصوده من تطبيق مراتب المعرفة بمعرفة النّار ومراتبها.

فإن قلت: إنّك قد قصرت الإيمان الحقيقي وحقّ الإيمان بالمرتبة الرابعة، وقلت: إنّها نهاية درجاته وغاية مراتبه، فما تقول في إيمانه تعالى بنفسه، وأحد أسمائه هو «المؤمن»؟

قلنا: قد عرفت أنّ الإيمان التحقيقي لا يتيّسر إلّا للمخلصين الذين أفنوا أنفسهم في الله وبقوا به، فإذا حَصَل ذلك المقام لأحدٍ ارتفع الاثنينيّة من البين، ويسري حكم المفنى فيه في الفاني، كما قال أمير المؤمنين×: «إنّ لله لأوليائه شراباً إذا شربوا طربُوا، وإذا طربُوا سكروا، وإذا سكروا طابُوا، وإذا طابُوا ذابُوا ،وإذا ذابوا خلصُوا، وإذا خلصُوا تخلّصُوا، وإذا تخلصّوا طلبُوا، وإذا طلبوُا وجدوُا، وإذا وجدوا وَصَلوا، وإذا وصلوا اتّصلوا، وإذا اتصّلوا لا فرق بينهم و بين حبيبهم»([7]).

در خدا گم شو كمال اين است و بس

گم شدن گم كن وصال اين است وبس([8])

 

يتبع…

الهوامش:

([1]) بحار الأنوار 55: 39.

([2]) انظر: مثنوي معنوي: 109، وفيه:

«در دل مومن بگنجم اي عجب                       گر مرا جوئى در آن دلها طلب»

([3]) الكافي 2: 242 / 1. بحار الأنوار 64: 159 / 3.

([4]) عوالي اللئالي 1: 48 / 69. بحار الأنوار 67: 39 . وفيهما: بحذف «يقلّبه  كيف يشاء».

([5]) انظر: مجمع البحرين 5: 96.

([6]) الكافي 1: 85 / 1. بحار الأنوار 3: 270/ 7. وفيهما: «عن أميرالمؤمنين ×».

([7]) تفسير المحيط الأعظم ( للآملي) 1: 226.

([8]) شرح الأسماء الحسنى (ملا هادي السبزواري) 1: 115.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة