شرح دعاء كميل (26)

img

﴿وَاَسئَلُكَ بِجودِكَ اَن تُدَنيني مِن قُربِكَ﴾

الجود والكرم بمعنى واحد، والجواد الذي لا يبخل بعطائه، وهو من أسمائه تعالى، كما في الدعاء: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْجَوَادُ الَّذِي‏ لَا يَبْخَل»([1]).

والجود منه تعالى إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض، كالعطاء والكرم والهبة منه تعالى؛ إذ مرجعها إلى صفة واحدة هي الإفاضة والفيّاضية.

وفي المجمع: «سئل الحسن× ـ وهو في الطواف ـ فقيل: أخبرني عن الجواد. فقال×: «إنّ لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق فالجواد الذي يؤدّي ما افترض عليه، والبخيل الذي يبخل بما افترض عليه، وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع؛ لأنّه إن أعطى عبداً أعطاه ما ليس له، وإن منع منع ما ليس له»([2])»([3]).

أقول: أراد× أنّ خالق جميع العطيّات وموجدها ومعطيها ومالكها نفسه تعالى، لا شريك له في الإيجاد، كما لا ثاني له في الوجود.

وقول السائل: «أن تُدنِيَني مِن قُربِك» أي تقرّبني إليك. يقال: زيداً أدنى عمرواً إلى بكر، أي قرّبة إليه، وأدنوه منّي: أي قرّبوه منّي، من الإدناء. كأنّه قال: أسألك بسبب جودك وكرمك أن تعطيني بعطاء هو قربك، يعني: توفّقني لإقامة طاعاتك وإدامة عباداتك، حتّى يحصل لي التخلّق بأخلاقك الحسنة والإتّصاف بصفاتك الكريمة؛ لأنّك قلت: «عبدي أطعني حتى أجعلك مثلي، أقول لشيء: كن، فيكون. تقول لشيء: كن، فيكون»([4])، كما قيل:

حکايت کنند از بزرگان دين
که صاحبدلی بر پلنگی نشست
به اوگفتم اي مرد راه خدا
چه کردی که درنده رام تو شد
بگفت ار پلنگم زبون است ومار
تو هم گردن از حکم داور مپيچ

حقيقت شناسان عين اليقين
همی راند رهوار وماری بدست
بدين ره که رفتی مرا ره نما
نگين سعادت بنام تو شد
وگر پيل وگرگ است شگفتی مدار
که گردن نپيچد زحکم تو هيچ([5])

وقال المولوي:

هر كه ترسيد از حق وتقوى گزيد

ترسد از وی جن وانس وهرکه ديد([6])

وفي الحديث القدسي أيضاً: «من تقرّب إليّ شبراً تقرّبت إليه ذراعاً، ومن تقرّب إليّ ذراعاً تقرّبت إليه باعاً، من أتاني مشياً أتيته هرولةً»([7]).

وكأنّ غاية التقرّب إليه تعالى هي الفناء في أسمائه وصفاته، وبعبارة اُخرى: الفناء في الحضرة الواحديّة، وحينئذٍ يسري حكم المفني فيه في الفاني، ويبقى ببقائه لا بإبقائه، كما في الموجودات اللّا يزاليّة، فإنّها باقية بإبقاء الله تعالى.

فهذه الغاية القصوى والبغية الكبرى حصلت لسيّد الأنبياء وخاتمهم، وسيّد الأوصياء والأولياء وخاتمهم، ولهذا قال‘: «من رآني فقد رأى الحقّ»([8]). وقال: «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل»([9]). وقال أمير المؤمنين×: «معرفتي بالنورانيّة معرفة الله»([10]).

وقال المولوي حكايةً عن نوح×:

گفت نوح اى سرکشان من من نيم
چون بمردم از حواس بو البشر
چونکه من من نيستم ايندم زهو است

من زجان مُردم بجانان ميزيم
حق مرا شد سمع وادراک وبصر
پيش ايندم هر که دم زد کافر اوست([11])

﴿وَاَن توزِعَني شُكرَكَ﴾

الإيزاع: الإلهام، والجملة معطوفة على ما قبلها.

يريد أنّه بعد ما أنعمتني وأعطتيني بالنّعمة التي هي قُربك، أسألك أن تُلهمني شكرك؛ لأنّه ـ كما مرّ ـ لكلّ نعمة شكر خاصّ يختصّ بها، وشكر تلك النّعمة العظمى موقوف على إلهامه تعالى، ولعلّه نفس تلك النّعمة، بناءً على الحديث القدسي الذي قال تعالى: «من عشقني عشقته، ومن عشقته قتلته، ومن قتلته فعليّ ديته، ومن عليّ ديته فأنا ديته»([12])، «من كان لله كان الله له»([13]).

والشكر في اللّغة: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعماً([14]). وعند العلماء وفي اصطلاحهم: صرف العبد جميع ما أنعمه الله تعالى فيما خُلق لأجله([15]).

[اقسام الخواطر]

والإلهام من فعل الله تعالى، أو من فعل الملك، وهو الخاطر الذي بالقوّة والتسلّط وعدم الاندفاع؛ إذ الخواطر والواردات على القلب أربعة أقسام:

ربّاني: ويسمّى نقر الخاطر أيضاً.

وملكي: وهو الباعث على مندوب أو مفروض، ويسمّى إلهاماً.

ونفساني: وهو ما فيه حظّ للنفس، ويسمّى هاجساً.

وشيطاني: هو الباعث على مخالفة الحقّ والعقل، ويسمّى وسواساً.

وسيأتي زيادة توضيح لتلك الأقسام عند شرح: «وَنَفسي بِخِيانَتِها وَمِطالي» إن شاء الله تعالى.

وإن كان الإلهام فعل الملك فقط، كما قال به بعض المحقّقين([16])، فإسناده إليه تعالى من باب إسناد الفعل إلى فاعله الحقيقي، وانقطاعه عن الفاعل المجازي الذي هو في الحقيقة معدٌّ، لا فاعلٌ للشيّ؛ إذ جميع الملائكة جهات قادريته تعالى، وجنوده وأيديه الفعّالة العمّالة، ومعطي الوجود ـ كما مرّ غير مرّة ـ ليس إلّا هو، وقد أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى في مواضع كثيرة:

منها قوله: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا([17])، ومنها قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء([18])، ومنها قوله تعالى: ﴿يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء([19])، إلى غير ذلك.

يتبع…

 _____________________

([1]) انظر: مصباح المتهّجد: 479. إقبال الأعمال 2: 120.

([2]) الكافي 4: 38 ـ 39، باب معرفة الجود والسخاء، ح1. التوحيد: 373، باب القضاء والقدر، ح 16. بحار الأنوار 4: 172 / 1. فيهم: «سأل رجلٌ أبا الحسن×».

([3]) مجمع البحرين 3: 29، وفيه: «فإنّ الجواد الذي يؤدي …».

([4]) انظر: الجواهر السنيه: 361.

([5]) بوستان سعدي ـ در نيايش خداوند ـ حكايت.

([6]) مثنوي معنوي: 60.

([7]) عوالي اللئالي 1: 56/ 81. مسند أحمد 2: 509. مسند ابن ماجة 2: 1255/ 3821.

([8]) صحيح مسلم 7: 54. صحيح البخاري 8: 72. بحار الأنوار 58: 235.

([9]) بحار الأنوار 18: 360. التفسير الصافي 1: 118.

([10]) بحار الأنوار 26: 1.

([11]) مثنوي معنوي: 127 ـ 128.

([12]) انظر: الحقائق في محاسن الأخلاق: 366.

([13]) كشف الأسرار وعدة الأبرار 1: 564. تفسير روح البيان 1: 92.

([14]) مجمع البحرين 3: 39، مادة «حمد».

([15]) المقتصر في شرح المختصر (لابن فهد الحلي): 11. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 26 ـ 27.

([16]) انظر: شرح الأسماء الحسنى 1: 254 و 2: 20.

([17]) الزمر: 42.

([18]) آل عمران: 6.

([19]) النحل: 93.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة