﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ﴾

img

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ

الأعراف: 157

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ﴾ البقرة: 173.

ورد في هذه الآية العديد من اللحوم المحرمة إضافة إلى الدم، وهي الأغذية المحرمة ـ كسائر المحرمات الإلهية ـ فلسفتها خاصة، وقد شرعت انطلاقاً من خصائص الإنسان روحياً وجسمياً، وساعدت الروايات الإسلامية على إماطة اللثام، وتوضيح علل التحريم، وهذه المحرمات على حسب الترتيب القرآني كالآتي:

  1. الميتة: أول شيء حرّمه الله سبحانه في هذه الآية هي الميتة وهي الحيوان الذي يموت دون أن يّذبح على الطريقة الشرعية، كالحيوان الذي يموت بمرض أو حادث من الحوادث، روي عن الإمام الصادق × أنه قال: (… أما الميتة فإنه لم ينل منها أحد إلا ضعف بدنه، وذهبت قوته، وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة) وسائل الشيعة ج 16، ص 310.

ولعل هذه المفاسد تعود إلى أن جهاز الهضم لا يستطيع أن يصنع من الميتة دماً سالماً حياً، إضافة إلى أن الميتة مرتع أنواع الميكروبات، وفي النهاية اعتبر المشرع الميتة نجسة؛ كي يبتعد عنها المسلم فضلاً عن عدم تناولها.

والحيوان الميت يموت وفيه دماؤه وهي تحتوي على جراثيم المرض الذي قد يكون سبب الوفاة، ومع هذه الجراثيم السموم التي تفرزها في جسم الحيوان، فتشبع الجثة بها، وتصبح الميتة عموماً خطراً كبيراً على آكليها، ويرسب دم الحيوان بعد وفاته بنحو ساعة، وتسمى هذه الحالة بالرسوب الرميّ، وهي الزقة الرميّة الضاربة إلى حمرة أو المرة التي تشاهد عند سلخ الحيوان الخلوي الجلدي في الجانب الأكثر انخفاضاً في الجثة.

ويلي الرسوب الرمي التيبس الرّمي، ويبدأ بعد نحو 3ـ 4 ساعات من الوفاة، وهو عبارة عن تصلب عضلات الجسم وتوثرها لتكوّن أحماضاً خاصة فيها نتيجة التفاعل الكيمياوي، كحمض: الفسفوريك، واللبنيك والفورميك، وبتأثير الخمائر المختلفة وبعد مدة قصيرة تعود القلوية للعضلات فيزول التيبس بتأثير التعفن، فتتكاثر أول الأمر الجراثيم الهوائية، ثم تتكاثر الجراثيم غير الهوائية بعدها.

تكون الجراثيم أثناء، تكاثرها مواداً ذات ألوان مختلفة تعطي اللحم منظراً كريهاً، ومن المواد السامة التي تحدث نتيجة التحلل: المواد البروتامينز، المواد الألبيومينز.

أما إذا كانت هذه الميتة ميتة نتيجة مرض معين فإنها تسبب ضرراً كبيراً يتوقف مداه على نوع المرض الذي يصيب الحيوان الميت، ومن الأمراض التي يموت بها الحيوان: السل، والجمرة الخبيثة، وجراثيم السالمونيا، والحيوانات المتسممة بالجراثيم العنقودية والعقدية، والحيوانات التي تموت هرماً فإن لحمها يكون متلفاً وصلهاً والأسوء هضماً.

وكشف علم الميكروبات مؤخراً أن في الأنف والفم والبلعوم والجهاز الهضمي والجلد أنواعاً من الميكروبات والفطر تنمو بصورة طبيعية دون أن تؤذي السليم من الأحياء، بل هي مفيدة له، ولا تصبح مؤذية إلا في ظروف معينة كالمرض وعند الموت، وبتوقف الدورة الدموية تتكاثر هذه الميكروبات وتنتقل إلى أغلب أعضاء الجسم الميت، ولذلك يسبب أكل الميتة ضرراً أقله التسمم في الجهاز الهضمي.

  1. الدم: فشرب الدم له مفاسد أخلاقية وجسمية، فهو وسط مستعد تماماً لتكاثر أنواع الميكروبات، فالميكروبات التي تدخل البدن تتجه أول ما تتجه إلى الدم وتتخذه مركزاً لنشاطها، لذلك اتخذت الكريات البيضاء مواقعها في الدم لتحارب هذه الميكروبات، وحين يتوقف الدم عن الحركة وتنعدم فيه الحياة، يتوقف نشاط الكريات البيضاء، فيصبح وسطاً لتكاثر الميكروبات دون أن تواجه هذه الميكروبات عقبة في التكاثر، لكي نستطيع أن نقول أن الدم أكثر أجزاء الإنسان والحيوان تلوثاً.

فانعزال الدم عن الأوعية الدموية التي تحفظه أثناء الحياة بأي طريقة كانت: بالذبح أو الفصد، يعرضه لخطر التلوث بالجراثيم المنتشرة في اليد أو السلاح المستعمل للذبح أو الآنية التي يستقبل فيها.

والدم يحمل سموماً وفضلات أهمها: (البولة، حمض البول، الكرياتين، غاز co2 ).

كما أن الدم لا يعتبر غذاء بالمعني العلمي، وتعليل ذلك علمياً أن الغذاء لابد أن يتكون من البروتينات والكربوهيدرات والدهنيات والأملاح الفيتامينات، والدم ليس مصدراً لأي واحدة من هذه الأصناف.

علاوة على تأثير شرب الدم تشديد قسوة القلب، عن الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: (أما الدم فإنه يورث القسوة وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه ولا يؤمن على حميمة ولا يؤمن على من يصحبه).

  1. لحم الخنزير: بالإضافة للآيات الكريمة التي حرّمت أكل لحم الخنزير لما فيه من أضرار جسيمة على صحة الإنسان، فقد وردت أحاديث كثيرة أيضاً تؤكد الكثير من مضار لحم هذا الحيوان منها:

عن محمد بن عذافر عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر ×: لم حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر؟ فقال ×: ( إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عبادة وأحل لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحل لهم ولا زهد فيما حرم عليهم، ولكنه عز وجل خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحها، فأحله لهم وأباحه وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه، ثم أحله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأحله له بقدر البلعة لا غير ذلك…) ثم قال ×: ( أما لحم الخنزير وفإنّ الله تارك وتعالى مسخ قوماً في صور شتى مثل الخنزير والقرد والدب ثم نهي عن أكل المثلة لكيلاً ينتفع بها ولا يستخف بعقوبتها…).

ولقد كشفت البحوث والدراسات العديد من العلماء أن تناول لحم الخنزير يسبب العديد من الأمراض منها:

▪ أمراض الديدان الشريطية، والتي تتطور في الأمعاء الدقيقة عند الإنسان وتنضج خلال شهور عدة، لتصل إلى دورة بالغة، يتألف جسمها من ألف قطعة ويصل طولها إلى ما بين 4ـ 10 أمتار.

▪ أمراض الديدان الشعرينية، ويحدث بسبب تناول لحم الخنزير غير المطبوخ جيداً ويصل هذا الطفيلي إلى الأمعاء الدقيقة وبعد 4 إلى 5 أيام تخرج يرقاب كثيرة تدخل جدار الأمعاء وتصل إلى الدم ومنه إلى معظم أنسجة الجسم وتمر اليرقات إلى العضلات وتشكل أكياساً هناك، كما يعاني المريض من آلام عضلية شديدة وبخاصة عضلات الكتف والرقبة والوركين واللسان عضلة الحجاب الحاجز مما قد يسبب ضيق النفس.

▪ مرض التهاب سحايا الدماغ الخنزيري وأولى علاماته: فقدان حاسة السمع بصورة مفاجئة، واضطراب في حفظ التوازن، والتهاب العين.

ويتضح من خلال البحث بأن الإسلام اتبع في قضية تناول اللحوم أسلوباً معتدلاً تمام الاعتدال جرياً على طريقته الخاصة في أحكامه الأخرى.

ويختلف أسلوبه هذا اختلافاً كبيراً مع ما سار عليه الجاهليون في أكل لحم النصب والميتة، والدم وأشباه ذلك، وما يسير عليه الكثير من الغربيين في الوقت الحاضر في أكل حتى الديدان والسلاحف والضفادع وغيرها.

ويختلف مع الطريقة التي سار عليها بعض الهنود في تحريم كل أنواع اللحوم على أنفسهم.

فقد أباح الإسلام لحوم الحيوانات التي تتغذي على الأشياء الطاهرة التي لا تعافها النفس البشرية، وألغى الأساليب التي فيها طابع الإفراط أو التفريط.

وقد عين الإسلام شروطاً أبان من خلالها أنواع اللحوم التي يحل للإنسان الاستفادة منها وهي:

▪ لحوم الحيوانات التي تقتات على الأعشاب، أما الحيوانات التي تقتات على اللحوم فهي غالباً ما تأكل لحوم حيوانات ميتة أو موبؤة، وبذلك قد تكون سبباً في نقل أنواع الأمراض لدى تناول لحومها، بينما الحيوانات التي تأكل العشب يكون غذاؤها سليماً وخالياً من الأمراض. والحيوانات تورث صفاتها عن طريق لحومها، فمن يأكل لحم حيوان متوحش يورث صفات الوحش كالقسوة والعنف، وبناء على هذا الدليل أيضاً.

▪ أن لا يترك لحم الحيوان أثراً سيئاً أو ضاراً على جسم أو نفس الإنسان.

▪ لقد حرمت الحيوانات التي تذبح في طريق الشرك والأصنام، وأمثال ذلك، لما فيها من نجاسة معنوية.

▪ لقد بيّن الإسلام أحكاماً خاصة لطريقة ذبح الحيوانات لكل واحد منها الأثر الصحي والأخلاقي على الإنسان.

الكاتب فرحة مریط

فرحة مریط

مواضيع متعلقة