شرح دعاء كميل (23)

img

﴿اللّهُمَّ اغفِر ليَ الذّنوبَ الَّتي تُنْزِلُ البَلاءَ﴾

 البلاء والبليّة والبلوة ـ بالكسر ـ الغمّ، كأنّه يبلي الجسم.

[الذّنوب المنزلة للبلاء]

والّذنوب التي تصير سبباً لنزول البلاء ـ كما روي عن السجّاد×([1]) ـ هي: ترك إغاثة الملهوف، وترك إعانة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

وفي بعض الأخبار([2]): أنّها سبع، وقد عدّوها من الكبائر وهي: الشّرك بالله، وقتل النفس التي حرّم الله تعالى، وقذف المُحصنة، وأكل مال اليتيم ظلماً، والزّنا، والفرار من الزحف، والسّرقة.

 

﴿اللّهُمَّ اغفِر ليَ الذُّنوبَ الّتي تَقطَعُ الرَّجاء﴾

 الرّجاء: يجيء بمعنى التمنّي والترجّي، وبمعنى: الخوف، ومن هذا قول الشاعر:

لعمرك ما أرجو إذا متّ مسلماً                         على أيّ جنب كان في الله مصرعي([3])

فالرّجاء بالمعنى الأوّل قسمان: رجاء ممدوح، ورجاء مذموم.

فالممدوح: هو رجاء رحمة الله تعالي، وتوقّعها من العمل الصالح المعدّ لحصولها، وترك الانهماك في المعاصي المفوّت لهذا الاستعداد.

والرجاء المذموم: الذي هو في الحقيقة حمق وغرارة، وهي توقّع الرحمة من غير عمل صالح، وعدم الاجتناب عن المعاصي والخطيئات، كما قيل:

اي غرّه برحمت خداوند
هرچند مؤث‍ر است باران

در رحمت او كسی چه گويد
تا دانه نيفکنی نرويد([4])

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ([5]).

ومقابل هذا الرّجاء: اليأس والقنوط والحرمان. والمؤمن ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه متساويين، بحيث لو وزن خوفه ورجاؤه لاعتدلا، كما في الحديث: «خف الله خوفاً ترى أنّك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك، وارجُ الله رجاءً ترى أنّك لو أتيته بسيّئات أهل الأرض غفرها لك»([6]).

[الذّنوب القاطعة للرّجاء]

والذّنوب التي تقطع الرّجاء ـ كما جائت بها الرّواية([7]) ـ : اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعده.

وفي دعاء أبي حمزة الثّمالي قال: «إِلَهِي لَوْ قَرَنْتَنِي‏ بِالْأَصْفَادِ، وَمَنَعْتَنِي سَيْبَكَ مِنْ بَيْنِ الْأَشْهَادِ، وَدَلَلْتَ عَلَى فَضَائِحِي عُيُونَ الْعِبَادِ، وَأَمَرْتَ بِي إِلَى النَّارِ، وَحُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَبْرَارِ، مَا قَطَعْتُ رَجَائِي مِنْكَ، وَمَا صَرَفْتُ وَجْهَ تَأْمِيلِي لِلْعَفْوِ عَنْكَ، وَلَا خَرَجَ حُبُّكَ عَنْ‏ قَلْبِي، أَنَا لَا أَنْسَى أَيَادِيَكَ عِنْدِي وَ سِتْرَكَ عَلَيَّ فِي دَارِ الدُّنْيَا‏»([8]).

 

﴿اللّهُمَّ اغفِر لي كُلَّ ذَنبٍ اَذْنَبتُهُ وَكُلَّ خَطيئةٍ أَخطَأتُها﴾

وفي المصباح: «الخطيئة ـ على وزن فعيلة ولك أن تشدّد الياء ـ الاسم من الخطأ ـ بالكسر ـ : الإثم، والجمع الخطايا»([9]) انتهى.

[الفرق بين الذنب و الخطيئة]

وهي و الذنب بمعنى واحد، وقد يفرق بينهما بأنّ الآثام ما لم يتمكّن صاحبها فيها تسمّى ذنوباً، وإذا تمكّن فيها وصارت ملكةً له فحينئذٍ تسمّى خطيئة، كأنّه يخطو فيها ويعتملها.

وقول السّائل: «أخطأتها» أي: فاتني الصّواب في عملها، يقال: فلأن أخطأ في الأمر، إذا فاته الصّواب فيه.

ثم إنّ السّائل لمّا سأل عن الله تعالى المغفرة عن الذنوب الموصوفة بالأوصاف المذكورة، انصرف عن التوصيف، فقال: «اللّهمّ اغْفِر لي كُلَّ ذَنْبٍ أذنَبتُه» في مدّة عمري، صغيرةً كان أو كبيرةً، عمداً كان أو سهواً، قولاً كان أو فعلاً، جناناً كان أو أركاناً، سواء كان صدوره عنّي في زمن الصّبي والترعرع، أو في أوقات البلوغ والتّكليف، فإنّك قلت في كتابك الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا([10])، ومن ذا الذي يغفر الذّنوب جميعاً إلّا أنت.

يتبع…

 ______________________

([1]) معاني الأخبار: 271/ 2. وسائل الشيعة 16: 282، أبواب الأمر والنهي، باب 41، ح 21556.

([2]) انظر: الكافي 2: 277/ 3. من لا يحضره الفقيه 3:561/ 4931.وفيهما باختلاف.

([3]) انظر: السيرة النبوية (لابن هشام) 3: 673، وفيه: « قال ابن إسحاق : وكان مما قيل في ذلك من الشعر ، قول خبيب بن عدي حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا لصلبه».

([4]) كتاب مواعظ سعدي ـ قطعات ـ مدح صاحب ديوان.

([5]) البقرة: 218.

([6]) تنبيه الخواطر ونزهة الناظر 1: 58. بحار الأنوار 67: 394. فيهما: «قال أميرالمؤمنين×: يا بني».

([7]) معاني الأخبار: 271/ 2. وسائل الشيعة 16: 282، أبواب الأمر والنهي، باب 41، ح 21556.

([8]) المصباح المتهجّد: 590 ـ 591.

([9]) والظاهر أنّ نقل العبارة عن «المصباح» سهوٌ، انظر: مجمع البحرين 1: 125، مادة «خطا».

([10]) الزمر: 35.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة