شرح دعاء كميل (22)

img

﴿اللّهُمَ اغفِر ليَ الذّنوبَ الّتِي تَحبِسُ الدُّعاء﴾

حبس يحبس ـ من باب ضرب ـ حبساً. الحبس: الوقوف والتوقيف، خلاف الإطلاق والإرسال.

[بيان الذّنوب الحابسة للدّعاء]

والذّنوب التي تحبس الدعوات وتمنعها عن الوصول إلى ذروة إجابة قاضي الحاجات ـ على ما روي عن سيّد السّاجدين زين العابدين×([1]) ـ هي: سوء النّية، وخبث السّريرة، والنّفاق مع الإخوان، وترك التّصديق بالإجابة، وتأخير الصّلوات المفروضة حتّى تذهب أوقاتها.

[الذّنوب الحابسة لغيث السّماء]

وقال× في الذّنوب التي تحبس غيث السّماء، هي: «جور الحكّام، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة، والمعاونة على الظلم، وقساوة القلب على الفقراء»([2]).

وبالجملة: من الذّنوب التي تحبس الدعاء فساد النّيات للأغراض الباطلة المتعلّقة بالاتّجاه إلى العاجلة والتّرك عن الآجلة، الكاشفة عن الأهوية الفاسدة والعقايد الكاسدة، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ([3]).

فخير الدّعوات وقريبها من الإجابة هو تطابق لسان الحال مع لسان القال، كما قال المولوي:

ما درون را بنگريم وحال را
ناظر قلبيم اگر خاشع بود

نی زبان را بنگريم وقال را
گرچه گفت لفظ نا خاضع بود([4])

قال صدر المتألّهين+: «فاعلم أنّه لا دعاء بلسان الاستعداد والحال([5]) غير مستجاب، إلّا ما هو من باب لقلقة اللسان فقط، كما يقول الجالس في مساكن ذكر الله ببدنه: اللّهمَ ارْزُقْنِي تَوْفيقَ الطّاعَةِ وبُعدَ المَعْصِيةِ. ولكن جميع أركانه وجوراحه وملكاته الراسخة، وأخلاقه الرذيلة، وشياطينه الذين صارت قلبه عُشّهم، وبهائم شهواته، وخنزير حرصه، وكلب غضبه اللّاتي غدت باطنه مرتعها، كلّهم ينادون ويقولون: اللّهم أخذلنا بالمعصية، ويستغيثون ويطلبون أرزاقهم،  وهو تعالى مجيب الدّعوات، ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى([6]).

وكما يقول الإنسان الطبيعي المطيع للوهم: اللّهم أبقني في الدنيا، وهو بسرّه وعلانيته حتى وهمه متوجّهٌ إلى ربّه، كلٌّ يبتغي وجهه والتمكّن في ذراه أو سجنه([7])، وأركان بدنه تطلب أحيازها الطبيعية، وفروخه المحتسبة في بيوض المواد من قواه ـ العلّامة والعمّالة ـ تستدعي النّهوض والطّيران، بل الأدوار والأكوار تقتضي آثارها، بل الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء يقولون لكلّ اُمّة من الصّور انطبعت وتعلّقت بالمادّة: إلى متى تلبثون هنا وتعطّلون المواد، ألم تنقض نوبتكم؟ فشمّروا([8]) لسفركم، وتأهّبوا للقاء أميركم؛ ليصل النّوبة إلى طائفة اُخرى.

ولذا فالرّوح يتمنّى الموت ويفارق البدن بالاختيار، والكاره له هو الوهم وإن كان هو أيضاً طالباً له بلسان الاستعداد: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ([9]).

ولسان القال أيضاً دعاؤه مستجاب؛ لكونه يستدعي غذاءه الذي هو النطق، أيّ نطق كان. فهو تعالى مجيب دعوتهم ومبلّغهم إلى اُمنيّتهم، وقد لا يساعد الدّاعي لسان استعداد هويّته وإن ساعده بحسب النوع، كطلب كلّ واحدٍ مرتبة الآخر، فلعلّه حيث ليس له علم محيط يضرّه ما استدعى بلسان القال ويفسده، فحاله وعلله يطلبون له ما يصلحه، كما في الحديث القدسي: «إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الغنى، لو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر، لو صرفته إلى غير ذلك لهلك»([10]).

وعلى هذا فأجلّ الأذكار ما اشتمل على توحيده وتمجيده تعالى، لا ما يشعر بالطلب والتكدّي، ولذا قال×: «فوت الحاجة أحبّ إلي من قضاء الحاجة»([11]).

وفي الحديث القدسي: «من ترك ما يُريد لما اُريد، أترك ما اُريد لما يُريد»([12]).

وفي الدّعاء: «اللهم أنتَ كَما اُريد فَاجْعَلنِي كَما تُريد»([13]).

وورد: «المؤمن لا يريد ما لا يجد»([14]).

وقال المولوي&:

قوم ديگر ميشناسم ز اولياء   که زبانشان بسته باشد از دعاء([15])

وإن كان السؤال أيضاً حسناً؛ لأنّه أيضاً من أسباب سعادتك ومن موجبات تذكّرك، ولهذا كان موسى× مأموراً بمسألة ملح طعامه منه تعالى([16])؛ إذ كلّما يجلب إلى جنابه فهو حسن، وإن كان للحسن عرض عريض.

وفي كلمات الشّيخ أبي سعيد أبي الخير&:

راه تو به هر روش که پويند نکوست

ذکر تو به هر زبان که گويند خوش است!(»([18])

انتهى كلامه.

 _________________________

([1]) معاني الأخبار: 270/ 2. وسائل الشيعة 16: 282، أبواب الأمر والنهي، باب 41، ح 21556.

([2]) معاني الأخبار: 271/ 2. وسائل الشيعة 16: 282 ـ 283، أبواب الأمر والنهي، باب 41، ح 21556. فيهما: «جور الحكام في القضاء»، «ومنع الزكاة والقرض والماعون».

([3]) المؤمنون: 71.

([4]) مثنوي معنوي: 225، وفيه باختلاف.

([5]) في المصدر: لم يرد «والحال».

([6]) طه: 50.

([7]) في المصدر: «والجنة».

([8]) «التشمير»: الإرسال، من قولهم: شمّرت السفينة: أرسلتها. وشمّرت السهم:

أرسلته. الصحاح 2: 702، مادة «شمر».

([9]) الإنشقاق: 6.

([10]) الكافي 2: 352، باب من أذي المسلمين واحتقرهم، ح 8. الوافي 5: 734/ 2948. الجواهر السنية: 121. فيهم: «إنّ من عبادي المؤمنين …».

([11]) لم نعثر عليه بعينه في مصادرنا الحديثية.

([12]) لم نعثر عليه بعينه، ولكن في رواية: «يا داود ، تريد و اُريد ، و لا يكون إلَّا ما اُريد ، فإن سلَّمت لما اُريد أعطيتك ما تريد …». التوحيد: 337، باب المشيئة والإرادة، ح 4. الجواهر السنية: 92.

([13]) شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 20: 255/ 2.

([14]) لم نعثر عليه بعينه، ولكن روي بمضمونه في الكافي 2: 237، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح26. بحار الأنوار 66: 294 / 24.

([15]) مثنوي معنوي: 376، وفيه «دهانشان» بدل «زبانشان».

([16]) عدة الداعي: 123. وسائل الشيعة 7: 32، أبواب الدعاء، باب 4، ح 8634.

([17]) رباعيات أبي سعيد أبي الخير ـ رقم 91 ـ وفيه: (خوشست) بدل (نكوست) و(نام) بدل (ذكر).

([18]) شرح الأسماء الحسنى 1: 32.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة