الأمن في الإسلام (7)

img

كيف يتحقق الأمن الإجتماعي؟

أوّلاً: الاشتراك في محبة الحق

عندما يشترك هؤلاء في المحبوب يحصل الأمن الإجتماعي، وعندما تشترك الجماعات المؤمنة في محبة الحق وإرادة إعلاء كلمة الحق، ورفض الظلم، فسوف تتمکن من إذابة كثير من الحواجز، ویصبح هناك تقارب حقيقي.. وتقارب حاول المسلمون إيجاده من خلال المؤتمرات والكتابات والأساليب النظرية الأخرى. وقد اختلف هؤلاء في معناه، واليوم ومن خلال هذه الحركة العالمية المشتركة والتي تزداد كل يوم تفاعلاً وتقارباً أصبح من الواضح ما هو نوع التقارب الذي يمكن أن يتحقق.

ثانياً: الاهتمام بما يحدث من تأثر وتأثير بين الجماعات

إن التأثير والتأثر واضحان جداً في مجموع هذه الحركة الحاصلة بين الجماعات الإيمانية من عدة جهات، وهو ما يحقق التقارب والانسجام، وبالتالي يتحقق الأمن الاجتماعي الذي هو مقدار التحكم في تأثر الجماعات ببعضها البعض وبما يحيطها. وهو أمر لازم في عملية التمهيد لظهور الإمام الحجة، عجل الله فرجه الشريف.

والاشتراك في المعبود يؤدي إلى وحدة القلوب، وإلی التقارب الفكري والثقافي والاجتماعي، كما أن تعدد الآلهة، وكثرة التعلقات تؤدي إلى التفرق والطائفية، والتشاحن والتشتت والتنافر. وهنا نجد ولي الله يرشد الناس الى الله سبحانه وتعالى ؛ قائلاً : {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[3].

ثم إننا نجد أن القرآن يبين لنا وجود مسلكين يؤثران على المجتمعات:

المسلك الأول ينتهج منهج الإرشاد، وهو مسلك الأنبياء^ الذين يدعون الناس إلى عبودية الله سبحانه وتعالى.

 والمسلك الآخر ينتهج منهج الإغواء، وهو مسلك أولياء الطاغوت الذين يقومون بإغواء الناس بدعوتهم إلى أنفسهم. يقول الدكتور حسن عباسي: «في الآية: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} ينبغي أن نفكّ الإغواء عن الإرشاد، يعني أن هناك نوعين للقدرة الباردة: قدرة إغواء، وقدرة إرشاد، في قدرة الإغواء يُطلب منكم أن تعملوا ما يريد الآخر، لكن قدرة الإرشاد يُطلب منكم أن تعملوا ما يريد الله.

 هكذا يقول لنا الأنبياء^، يعني أنهم لا يدعون لأنفسهم. وهذه نقطة أساسية في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية على كل منا أن يجيب على هذا السؤال: هل كل ما نقوم به من أعمال هو ما يريد الآخر أن نقوم به، أو ما يريده الله؟ يعني هل نريد ما يريد الآخرون، أو نريد ما يريد الله؟ ثم نسأل المسؤولين: هل إنهم يدعون لأنفسهم، أو يدعون لله؟ فهناك دعوتان في التاريخ، دعوة بشرية مادية ودعوة إلهية.)[4]

فعلينا أن نلتفت إلى كيفية تأثيرنا وفيمن نؤثر وبمن نتأثر؛ حتى نكتشف إن كنا على منهج الغواية أو الرشاد، أولا. وفي هذا الالتفات إعانة على المشروع العام الذي نطمح إلى تحقيقه  على الأرض، هذا المشروع الذي يتسابق إليه كل المؤمنين باتخاذ كل منهم دوره، وتسخير إمكانياته للمشاركة في تحقيقه استجابة منهم للآية: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[5]. وعندما تقوى صفة الإيثار في المتسابقين، يقدِّم كل منهم كل ما يستطيع تقديمه حتى ينتصر الآخر. وأي هؤلاء  كانت مرتبته الإيمانية أرقى وقربه من الله أشدّ كان إيثاره أكثر… !!

إن من لا يستمسك عند ارتقائه بحبل الله الممدود من السماوات إلى الأرض، فإنه سوف يجعل الآخرين حبالاً له حتى يصل إلى أهدافه، وبما أن هذه الحبال ليس لديها القابلية والقدرة على أن توصل للهدف المُراد، فإن اتخاذها ـ وهي حبال وهمية ـ سوف يسقط المتمسك بها في النار والعذاب. ولذلك فقد ميّز الله سبحانه وتعالى بين حبلين: حبل من الله وحبل من الناس، قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}[6].  أي أن التمسك بحبل الناس يؤدي إلى غضب الله كما يستظهر من مجموع الروايات التي تتحدث عن حقيقة هذا الحبل أنه الأئمة^: «الأئمة حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض».

 عندما تعتمد الدول الغربية على القدرة الأرضية والثروات الطبيعية لتحقق أهدافها -أياًّ كانت تلك الأهداف- فإن هذا الاعتماد في الواقع ليس إلا وهماً وخيالاً، وهو بداية سقوط وانحدار وتسافل في الظلمات: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}.

ثالثاً : الاعتصام بحجة الله

إن حركة وليّ الله تدور مدار مشيئة الله وإرادته؛ ولذلك فإن الاعتصام والتمسك به يضع الإنسان على الصراط المستقيم، أمّا المتمسكون بحبل  أولئك المستكبرين الذين يستضعفون الآخرين؛ فمنهم من يحرق بالنار، ومنهم من يكون هو النار. وهؤلاء يتجاوزون كل الحدود الإنسانية والطبيعة، ويستمرون في الباطل والظلمات فيصبحون في متاهة مظلمة لا يتمنون فيها قبساً من نار فقط، بل يتمنون أن يصبحوا هم ناريين. وهذا ما يصلون إليه فعلاً؛ ولذلك فالنار حق، وتنبع من رحمة الله سبحانه وتعالى بهم.

   إن شدَّة عذابهم رحمة لهم؛ لأن ظلماتهم التي انغمسوا فيها باختيارهم لا يمكن رفعها إلا بشدة العذاب، ويختم أمرهم بناريتهم. وقد ذكر القرآن العزيز نموذجاً على ذلك، وهو أبو لهب: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[7] والتبّ هو الخسران العظيم، وذكر أبي لهب بكنيته؛ لتوافق كنيته حاله حيث أنه {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍٍ}، أي أن مآله إلى النارية. وتكرر التّب لأنه ضَلّ وأضلّ.

   ثم تذكر الآيات أن شعوره بالاستغناء لا يغنيه عن الغني المطلق، ولا يرضيه، بل يفسد إنسانيته، كما تفسد إنسانية كل من استمسك به مثل امرأته التي وصفها القرآن بأنها {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} وکان يقال للنمّام الذي يثير الفتنة بين الناس بأنه حامل الحطب، فكانت أم جميل زوجة أبي لهب تثير الفتن ضد رسول الله|. ويمكن القول: إن  هناك توافقاً بين ترتيب الآيات، فالآية السابقة تناولت الحديث عن مآل أبي لهب، وهذه الآية تتحدث عن مآل امرأته حيث إنها سوف تحمل حطب النار إلى زوجها ليحترق بها، ثم تصف الآية الأخيرة كيفية حملها لهذا الحطب، حيث تحمله في جيدها. والجيد هو مقدمة العنق، وهو المكان الذي تضع فيه المرأة الحلي لتتزين بها.

   وربما نجد في التعبير بـ{ فِي جِيدِهَا} دون «على جيدها» إشارة إلی أن هذا الحبل الذي تحمله هو ذاتي من ذاتياتها، وليس أمرا خارجاً عنها. ثم يوصف الحبل بأنه من مسد، والحبل الممسود هو المفتول فتلاً قوياً. وربما نجد أيضاً في ذلك إشارة إلى شدة إصرارها على اتباع الباطل، وتمسكها به مع رؤيتها للحقّ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.[8]

وفي المقابل نجد أن من يهدف إلى رضا الله، ويُؤثِر الآخرين على نفسه، ويعمل لتحقيق الأمل الموعود الذي يتحرك فيه وإليه كل المجتمع العالمي ـ باختلافهم- أنه كلما أصبح أكثر علوّاً كلما أصبح أكثر نورانية، حتى يصبح هو النور. ولذلك يحصل تسابق في الإيثار لتحقق القرب الإلهي والقرب إلى الولي؛ لأن أولياء الله هم نور الله في السماوات والأرض، ومنهم ينبع كلّ نور. إن محبة الله ووليه تغير العلاقات بين المؤمنين إلى علاقات قائمة على المحبة والفداء والإيثار.

 ____________________________

[1] ان ما ذکر أعلاه هو صرف تأمل من الکاتبه ولیس له علاقة بتفسیر الآیة.

[2] الرحمن: 19 ـ 20.

[3] سورة آل عمران.

[4] مقطع من محاضرة بعنوان الحرب الباردة.

[5] آل عمران، 133

[6] آل عمران، 112.

[7] سورة المسد.

[8] سورة النمل: 14.

الكاتب الأستاذة فاطمة اليوسف

الأستاذة فاطمة اليوسف

مواضيع متعلقة