شرح دعاء الصباح 25

img

﴿وإنْ أسلَمَتْني أناتُكَ لِقائدِ الأمَلِ وَالمُنى، فَمَنِ المُقيلُ عَثَراتي مِن كَبَواتِ الهوى؟﴾

أسلمتني»: خذلتني. «الأناة»: الحلم والوقار، كأنّها قلب «التأنّي». و«القائد»: من «القود» نقيض السوق؛ فإنّه من أمام وهذا من خلف([1]). و«قاد» الرّجل البعير واقتاده: جرّه من خَلفه. و«الأمل»: الرجاء، كالمُنية والأُمنية. و«مَنْ»: كسابقتها([2]). و«الإقالة»: الإزالة والفسخ، ومنه: إقالة البيع. وفي الحديث: «مَن أقالَ نادِماً أقالَ الله عَثرَتَهُ يَومَ القيامَةِ»([3]). و«العثرات»: الكبوات، فكلمة «مِن» بيانيّة، يقال: عثر، أي كبا. والكبوةُ: الانكبابُ على الوجه. و«الهوى»: شهوةُ النّفس الأمّارة أو اللّوامة، وهما المراد بالقائد. وباصطلاح «الحكيم» هو الوهم؛ لأنّ الرّجاء والأمل ونحوهما من مدركات الوهم.

وفي «الأناة» إشعار باستغراب؛ بناءً على أنّ له تعالى الغناءُ عن الطاعة وعدم الاستضرار بالمعصيّة، كما في الدّعاء: «اللهم إنَّ الطّاعَةَ تَسُرُّكَ، وَالمَعصيَةُ لا تَضُرُّكَ؛ فَهَبَ لي ما يَسُرُّكَ، واغفِر لي ما لا يَضُرُّكَ يا أرحَمَ الرّاحمين»([4]).

والإسناد إليها كسابقه، أي لو خلّيتني يا إلهي ونفسي الخائنة الجانية، ووهمي المؤمّلة المرجية، فمَنْ يزيل آثار زلّاتي الجمّة الكثيرة كمّاً؟ على ما هو مقتضى الجمع المضاف المفيد للعموم، والمحكمة: الرّاسخة كيفاً؛ لأنّ إمهال العظيم الصبور مديد موفور؛ فإذا استحكمت الملكات الرّذيلة، وتجوهرت العادات السيّئة صارت طبيعةً ثانية مخالفة للفطرة الاُولى الإسلاميّة. والّذاتي لا يتبدّل، والنّفس موضوع بسيط، ولا ضدّ له «خُلِقُتم لِلبَقاء لا لِلفَناء»([5])  فاستحقاق خذلانه تعالى بئس القرين، وتوفيقه نعم الرفيق المعين.

_________________________

([1]) أي أن قائد القوم يكون أمامهم، وسائقهم يكون وراءهم.

([2]) في قوله×: «فمن السالك؟»، فهي استفهامية مبتدأ، والمقيل: خبره.

([3]) مكارم الأخلاق (الطبراني): 72/60، آداب الصحبة: 88/67.

([4]) روضة الواعظين: 329 ـ 330، بحار الأنوار 91: 92/5، 93/5، 121، 97: 450.

([5]) غرر الحكم/الحكمة: 2291.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة