الأمن في الإسلام (6)

img

الأمن الاجتماعي

وهناك نوع آخر للأمن هو الأمن الاجتماعي، وهو ضروري عند حصول حالة الاضطراب الاجتماعي الذي يمکن أن يتصور في حالتين إحداهما أن ينشأ بسبب وجود جماعتين تتحركان حركة جماعية لتحقيق أهداف مختلفة ومتناقضة: إحداهما تريد للعالم أن يتحرك نحو التوحيد وإحقاق الحقّ، والأخرى تريد للعالم أن يتحرك نحو الكفر والإلحاد. والصراع بينهما يوجب الاضطراب والحالة الثانية هي التنازع بين جماعتين ترید کل منهما التلذذ بالماديات أكثر. وهذا صراع في داخل جماعة الباطل، وينشأ من تعارض المنافع بين الأفراد واستكبار النفس. لكننا لا نرى هذا الصراع داخل جماعة الموحدين الواقعيين، فلو اجتمع كل الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وأولياء الله في مكان واحد لما حصل هناك أي نوع من أنواع الاختلاف أو التنافر، حيث يشترك هؤلاء في الغاية النهائية؛ ولذلك فإن أعمالهم تكمّل بعضها البعض. فالفئة التي تصل منهم إلى هدفها، فإنها تسبب وصول الفئات الأخرى إلى الهدف أيضاً، والفئة التي تُمنع من الوصول تؤثر على حركة الفئات المؤمنة الأخرى في الوصول وهكذا.

إن منافع المؤمنين غير متضادة، بل هي تكمّل بعضها البعض؛ ولذلك لا يشعر المؤمنون بالخطر من بعضهم البعض؛ إن من يتحرك لتحقيق منافعه في الجماعة المؤمنة فإنه في الواقع يتحرك من أجل تحقيق منافع كل الجماعات المؤمنة. إننا نخسر الأمن الاجتماعي إذا تعارضت منافع الناس مع بعضها البعض، وهذا التعارض من الممكن أن يحصل بين فردين في أسرة واحده، فيشعر كل منهما بالخطر من الآخر، وقد يحصل في جماعة أو مجتمع في دولةٍ مّا أو في المجتمع العالمي، فيشعر الناس بالخطر، ويخاف بعضهم البعض[1].

   في حين أن المجتمع الإسلامي القائم على أساس التوحيد والولاية، تجمعهم هذه الأسس والأصول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ويسيرون عليها. وكلما كان أفراد المجتمع الإسلامي أقرب الى التوحيد كلما كانت علاقتهم أكثر شفافية، وبالتالي كلما أصبحوا أكثر قرباً من بعضهم، وتنشأ بينهم علاقة محبة.

   إن عباد الله متحابون، وما يجعلهم كذلك هو وحدة الهدف، الأمن ينشأ من محبة الهدف المشترك والسعي للوصول إليه، ومن الطبيعي أن يحب الإنسان كل من يسير معه في سبيل تحقيق أهدافه، وكل من يقاسمه آماله وطموحاته وهمومه في هذا السبيل.

   إن عدم الأمن ينشأ من تغريب القلوب عن بعضها البعض، وخلق حالة من الكراهية والبغض والتشاحن… البغض الذي يبدأ من المنافع، ووضع الحدود، وتصور مفهوم الحقوق بشكل لا ينسجم مع الإسلام والعقيدة، بل في الواقع لا ينسجم مع الإيمان بوحدانية الله، التي هي منشأ الخيرات، وهو المحبوب الذي ترجع إليه كل التعلقات، فسوف تتكثر عنده الرؤية، وتضطرب فيجاهد لتأمين منافعه فقط؛ فلايمكن أن تتكون علاقة حميمة بين المشركين والكفار؛ بل علاقاتهم تدور مدار منافعهم التي تعتبر منشأ محبتهم وبغضهم لبعضهم البعض.

   هذا في حين أننا نجد حالة من الاتصال بين المؤمنين والإحساس بالمسؤولية التي تتولد من محبة كل منهم للآخر، وربما هذا ما يفسر  لنا ما حدث بين المهاجرين والأنصار في صدر الإسلام عندما قدم المهاجرون إلى المدينة، فما لم تشترك الجماعات في الحركة نحو التوحيد، وما لم ترَ منفعتها في القرب من الله وعبوديته، وأنه هو المحبوب الواقعي، فلن توجد محبة واقعية بين الناس؛ وبالتالي سوف ينعدم الأمن، ولن یحلّ السّلم.

وليُعلم أنه ليس هناك من تعارض في حركة  كل العالم نحو نقطة العدل والقرب والكمال، بل إن هناك انسجاماً كاملاً يشتد مع اشتداد السير، فكل فرد  في هذه الحركة يتكامل بتكامل الآخر، ويؤثر فيه ويتأثر منه. وإن أدل دليل على إلهية الحركات الاجتماعية اليوم هو ما نشهده من انسجام وتعاضد فيما بينها، حیث إنها تكمّل بعضها البعض، وإن هذا الانسجام بين الجماعات سوف ينتج نوعاً فريداً من العلاقات قائماً على المحبة والإخلاص، وعندها سوف نحسّ باللذة بالتقرّب من الله، وسوف نلمس هذه الحقيقة في نفوسنا. إن تقربهم من الله هو تقربنا نحن أيضاً، إن المؤمن يبتهج بعناية الله بالآخرين لا لأنهم غيره، وإنما لأنه يرى نفسه منهم، وأمرهم أمره، كما حدث في انتصار ثورة مصر، وعند سقوط القذافي في ليبيا حيث ابتهجت كل الشعوب الإسلامية.

إن المجتمع السماوي هو مجتمع عالمي يتجاوز الحدود الطبيعية والجغرافية الموضوعة، لقد حملت أكثر الحركات الاجتماعية شعارات مشتركة، وتشرك في كثير من الأهداف التي ترجع بأجمعها الى هدف واحد ـ وهو إقامة العدل ـ كما إن الأساليب في كثير من الحالات هي أساليب مشتركة أيضاً، كل هذا يدلّ على أن هناك انسجاماً بين هذه الحركات والجماعات لم يسعَ أي منها لإيجاده، ولم تقم مؤتمرات بين من يدير هذه الحركات الشعبية ليوجدوا هذا الانسجام، ويخلقوا المحبة في نفوس الناس.

 إن الانسجام الموجود، والمشاعر المتلاحمة بين أفراد الجماعات المطالبة بالحق تدل على وجود منظم يدير قلوب الناس وأفكارها، ويحركهم بحيث يقتربون من بعضهم البعض، ويتوحدون في الرؤية والأساليب. إن الشیعة تعتقد أن تدبير القلوب والأفكار بيد ولي الله الأعظم ـ عجل الله فرجه الشريف ـ الذي يرشد الناس الى عبودية الله.

يتبع…

_______________________

[1] مأخوذة من محاضرة للسيد مير باقري بعنوان الأمن الاجتماعي.

الكاتب الأستاذة فاطمة اليوسف

الأستاذة فاطمة اليوسف

مواضيع متعلقة