شرح دعاء الصباح 22

img

﴿وَألْبِسْني اللهمَّ مِن أفضَلِ خِلَعِ الهِدايَةِ وَالصَّلاح﴾

«ألْبِسْني» استعارة تبعيّة. و«الخِلَع»: جمع الخلعة ترشيحٌ. و«الهداية» قد تجيء بمعنى الإيصال إلى المطلوب، نحو قوله تعالى: ﴿إنَّك لا تَهدي مَن أحبَبتَ([1])، وقد يجيء بمعنى إراءة الطريق، نحو قوله تعالى: ﴿وَهَدَيناهُ النّجديِن([2]). والظاهر أنّها حقيقةٌ في الإراءة، مجازٌ في الإيصال، والاشتراك خلاف الأصل.

﴿واغرِسِ اللهمَّ لِعظَمَتِكَ في شِرْبِ جَناني يَنابيع الخُشُوعِ﴾

«الغرس»: إنباتُ الشجر في الأرض. و«الشرب»: المَوردُ، ومَجرى المياه، ومنه ما يقال في الفقه: شرط الشفعةِ الشركةُ في الشِرب، والمَجاز. و«الجَنان»: القلب. و«الينابيع»: جمع الينبوع، وهو العين. و«الخشوع»: الخضوع. وقد يفرَّق بينهما بأنّ الخضوعَ يستعمل في البدن والخشوعَ في الصّوت والبصر نحو: ﴿وَخَشَعَتِ الأصْواتُ لَلرّحَمنِ ([3]).

ولعلّك تقول: الغرس يناسب الشجر، مثل أن يقال: شجرات الخشوع.

قلنا: ليس كذلك:

أمّا أوّلاً، فلأنّ «اغرسْ» استعارة مطلقة، لا ترشحيّة، ولا مجرّدة.

وأمّا ثانياً، فيمكن أن يكون «اغرسْ» مشتقّاً اشتقاقاً جعليّاً كـ«استحجر» و«استونق» ونحوهما، من «الغرس» بمعنى العين. وفي القاموس: «وبئر غرس بالمدينة، ومنه حديث: «غرسٌ مِن عُيُونِ الجَنَّةِ، وَغسلَ| مِنها…»([4])…»([5]).

وبعدما كتبت ذلك رأيتُ نسخة صحيحةً فيها بدل «اغرس»: «اغرز»، وهي إن كانت بتقديم الرّاء المهملة على المعجمة، كانت من «غرزت الشيء بالإبرة ونحوها»، وإن كانت بتقديم المعجمة على المهملة، كانت من باب الإفعال. والغزارة: الكثرة، ومنه قوله: «الشّيء يَعِزُّ حيثٌ ينَدُرُ، وَالعِلمُ يَعِزُّ حَيثُ يغْزرُ» وهذا أصحّ. و«عظم» الشيء، أصله: كبر عظمه، ثمّ استعير لكلّ كبير عيناً كان أو معنىً، مجرّداً كان أو مادّياً؛ فقوله: «لعظمتك» متعلّق بالخشوع.

تأويلٌ جَنانيّ لِخُشُوع سُبحانيّ

أعلى مراتب خشوع الجنان الّذي هو عرش الرّحمن: فناء العرش في ذي العرش؛ فإنّ من العروش القلبيّة ما ينزل ويظهر فيه ذو العرش بحسبه: ﴿أنزَلَ مِنَ السَّماء ماءَ فَسالَت أودِيَةٌ بِقَدَرِها([6]). ومنها ما هو للطافته وهيولويّته في جنب صورة صفاته الجماليّة تصوّر بصورة ذي العرش، ولا حكم له في نفسه، وليس لذي العرش صورة إلّا صفاته الجماليّة والجلاليّة، وأرباب القلوب قد اُمروا بقوله|: «تَخَلّقُوا بِأخلاقِ الله»([7]).

 _____________________________

([1]) القصص: 56.

([2]) البلد: 10.

([3]) طه: 108.

([4]) مرآة العقول 13: 322، بحار الأنوار 78: 305. شرح اُصول الكافي 6: 145، جمع الجوامع (الجامع الكبير)/باب الباء الموقدة، ح 2، جامع الأحاديث/باب الباء الموحدة، ح 10281، وليس في الأخيرين قوله: «وغسل‘ منها».

([5]) القاموس المحيط 2: 234 ـ غرس.

([6]) الرعد: 17.

([7]) بحار الأنوار 58: 129. شرح أُصول الكافي 9: 372.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة