الأمن في الإسلام (4)

img

أنواع الأمن

الأمن من الأمور الفطرية التي ترجع إلى العدل والتوحيد، إن الأمور الفطرية لا تقع في عرض فطرة التوحيد، بل في طولها وفي طريقها، أي كلما اشتدت عقيدة الإنسان بالتوحيد، وتخلّص من الشوائب التي تعلق بقلبه وعقله الذين يجمعهما القرآن الكريم في كلمة {الفؤاد}، كلما شعر بالأمن أكثر. يقول الدكتور حسن عباسي: «يُتصرف في القلب بالحب والبغض؛ فإن من تحب يُسخّر قلبك إذا أحببت غذاء.. فكرة.. لباس.. فإنها تسخّر قلبك، أيضاً إذا كرهت وتنفرت من شيء فإنك تتبرأ منه؛ ولذلك جاء في آخر فروع الدين التولي والتبري، يقوم الدين على التولي والتبري، وهما قائمان على الحب والبغض، أما التصرف في العقل فيرجع إلى الشك واليقين. إن ساحة الإنسان الوجودية التي يمكن التصرف فيها تُمثل هذه الأبعاد الأربعة الحب والبغض والشك واليقين».[1]

ويمكن التصرف بالإنسان بالتحكم في هذه الساحات الأربع، وهذه وظيفة الولي. معنى أن يستكمل الإنسان إنسانيته: أن يصل إلى اليقين العلمي والإخلاص القلبي وهو بحاجة في ذلك الى التولي بأولياء الله، كما أن تبريه من أولياء الطاغوت يكون وفقاً لتولّيه لولي الله، فهو من يعيّن شواخص الطاغوت.

ثم يقول الدكتور حسن عباسي: «إن مسألة الحب والبغض ترجع إلى الإرضاء في حين أن مسألة الشك واليقين ترجع إلى الإغناء، مثلاً عندما يحقق الفريق الفلاني هدفاً تجد جميع من في البيت يقفزون من أماكنهم فرحين، فهؤلاء يعيشون حالة إرضاء مؤقت، لكن من يعيش نشوة السعادة عندما يتابع بحثاً علمياً فينتصر فيه أحد الباحثين على البقية، فهنا يصل المتابع إلى حالة إغناء، وهذا الإغناء يتميز بالبقاء والاستمرارية إننا اليوم في مجتمعنا نفتقد إلى هاتين الحلقتين ـ أي إلى الإغناء والإرضاء ـ ولقد اهتم الغرب بهاتين الحلقتين، حيث أوجدوا شركات ومنظمات ومؤسسات تمثل شركة هوليود الخط الأول فيها بالإضافة إلى القنوات الفضائية، والموسيقى الغربية في حين أننا في هذا الجانب في نهاية الضعف»[2].

لقد استبدلت حاجات الإنسان بحاجات آنيّة ومقطعيّة؛ ولذلك تحصل حالات من الاضطراب كلما انتهت هذه التعلقات المقطعيّة، فيبحث من جديد عما ينجيه من الشعور بالقلق والاضطراب. وعندما يغفل الإنسان عن مقومات شخصيته الإنسانيّة المتمثلة في اليقين والمحبة فسوف تسري ولاية أولياء الباطل إلى باطنه، وسوف يتعلق بها دون أن يشعر.

كما أن المنظومة المعرفية في الانسان تبتني على اليقين والشك، وتبتني منظومة ميوله على المحبة والبغض. إذا اتضح ذلك فإننا سوف ندرك أهمية ولي الله×؛ حيث إن كل مكوّنة من مكوّنات كلا المنظومتين لابد أن تتنزل بعين ولي الله، وتصنع بيديه حتى تستقر في الموضع الذي يلائمها؛ وبذلك يتحقق العدل، والذي يتفرع عنه الأمن والسّلم. وعلى ذلك فقد ورد في الدعاء: «اللهم إنا نسألك الأمان». ربما يقصد بالأمان: ظهور اللإمام الحجة#، وهذا ما ينسجم مع ألوهية الله سبحانه وتعالى وعبوديتنا؛ فعند ظهوره تمتلئ الأرض عدلاً وقسطاً، فتظهر أرقى مراتب الأمان.

الأمن الروحي

من أنواع الأمن التي يحتاج الإنسان إلى تأمينها هي الأمن الروحي؛ فالميل إلى الأمن من شؤون الميل إلى العبودية والتوحيد: «كلمة لا اله الا الله حصني»؛ ليصل الإنسان إلى أوج: «إنا لله وإنا إليه راجعون».

عندما يغفل الانسان عن مبدئه ومنتهاه، ينشغل في وسط الطريق بالوسائط التي جعلها الله إليه لتعينه على المسير، في حين أنه بانشغاله بها تصبح بالتدريج هي الأصل، ويتعامل مع الوسائط، وكأنها هي المنتهى. إنه بذلك كمن يبني البيوت على جسر العبور، ثم تأتي الرحمة الإلهية، وتحطّم تلك المباني؛ حتى يتمكن الإنسان من العبور بيسر وسلام. إن الإنسان إذا کان صاحب بصيرة فسوف يلتفت الى أن في تحطيم هذه المباني عَوناً له، أما الغافل فتراه يصرّ على الشرك، ويبحث عن وسائط أخرى ليبني بها مبانيٍَ جديدة!! في حين أن كل الإمكانات من حواسّ ظاهرية أو باطنبية، والإمكانات الكونية كلها خلقت لتصرف في التوحيد، وكلها سبل لله، فلا ينبغي التوقف فيها.

  إن إدراك هذه الحقيقة بأحد طريقين[3]: إما بالشكر، أو بالبلاء. وفي كلا الطريقين يحتاج العبد إلى الصبر، ومن يصل إلى مقام الصبر {هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ}.

يتبع…

____________________

[1] مقطع من محاضره بعنوان (لمن تنبض القلوب؟) والتي ذكرت ضمن مجموعة من الأبحاث المتعلقة ببحث (الحرب الباردة).

[2] نفس المصدر السابق.

[3] وقد يشترك الطريقان فيصبح الإنسان شاكرا على البلاء وهو أسمى من طريق الشكر وطريق البلاء كلا على حيث إن الصبر عليهما يوصل الإنسان إلى مقام الشكر على البلاء و هو في الواقع نتيجة الدخول في مقام السّلم والوصول إلى التسليم ، أما طريق الدخول الى الأمن – الذي  يعتبر مقدمة لتحقق السلم والتسليم التام – فيكفي فيه أحد طريقين: إما  الشكر أو البلاء. وسيأتي تفصيل ذلك في القسم الأول من الجزء الثاني للبحث.

الكاتب الأستاذة فاطمة اليوسف

الأستاذة فاطمة اليوسف

مواضيع متعلقة