الأمن في الإسلام (3)

img

مبدأ الإحساس بالأمن

کیف یصل الإنسان الی الإحساس بالأمن الروحي؟ وکیف یتزاید بشکل مستمر؟ وکیف یحقق الأمن الاجتماعي ثم الأمن التکویني بحیث لا یشعر بأي تهدید؟ وهنا نصل بالإيمان بعبودية الله وحده الی مستوى من الأمن بحیث لا نشعر بأي تهدید أو خطر، ویزداد هذا الشعور مع ازدیاد الإيمان. إن الأخطار التي من الممكن أن يواجهها الإنسان هي إما أخطار تکوینیة وتشمل: الخوف من السيول والزلازل والمرض، أو اجتماعیة وتشمل: الأخطار السياسية والاقتصادية والثقافية. ونسأل هنا: لماذا یخاف الإنسان من السیول والزلازل، والمرض والموت؟

والجواب هو:

أوّلاً: أن مبدأ الخوف هو تعلقات الإنسان، فإذا لم یتعلق الإنسان بشيء في باطنه، فإنه لن یشعر بالخطر، أو الخوف من أي شيء. ثم إن هذا التعلق يرجع في الواقع إلى المحبة والبغض! فالانسان يتعلق بما يحب ويخاف من فقد هذا المتعلّق أو أنه ينفر مما يكره، فيشعر بالخطر  عند اقتراب متعلَّق الخوف منه. ثم إن كلاًًّ من المحبة والبغض يرجعان إلى التولي والتبرّي.

ونحن عندما نتأمل في حقيقة الإنسان ندرك وجود منظومة من الميول والتعلقات عنده هي شبيهة بالمنظومة المعرفية في طريقة تركيبها والترابط القائم بين مكوّناتها، لكنها تختلف معها في أصل المكوّنات[1]، فالمكوّنات هنا هي عبارة عن ميول الانسان، وهذه الميول مترابطة فُطر الإنسان عليها، وهي تدور في فلك واحد يمكن أن نعبّر عنه بفلك فاطمة ـ سلام الله عليها ـ وربما يشير الى هذا المعنى الحديث القدسي خطاباً للنبي|: «لولاك لمّا خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما»، وقال النبي| في فاطمة (سلام الله عليها): «يرضی الله لرضاها ويغضب لغضبها»، فما لم تصل هذه الميول إلى الرضا والإرضاء فإنها لن تدخل حصن ولاية أمير المؤمنين×، وما لم تدخل حصن الولاية فإنها لن تدرك حُسن النبوة والرسالة أيضاً.

وربما يمكن إدراك هذا المعنى بالتأمل في علاقة النبي| بفاطمة (سلام الله عليها) خاصة في التعبير عنها بـ«اُم أبيها». فمبدأ إرضاء الميول التكوينية في الإنسان هو دورانها في فلك فاطمة ـ سلام الله عليها ـ ولا يتحقق هذا الدوران باتباع الأحكام التشريعية التعبدية المحضة فقط، بل يحتاج إلى إدراك ولو مرتبة من مراتب هذا المحور الذي جُعل محور الرضا والغضب الإلهيين؛ ولذلك نقل عن الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف تأسيه بفاطمة، سلام الله عليها.

ثانیاً: كما أن مبدأ الإحساس بالخطر هو كيفية تصورنا ميولنا وتفسيرها على أنها ميول محدودة بهذه الدنيا؛ ولذلك نحن نخاف من فقد ما يرضي ميولنا في حين أننا لو أدركنا أن هذه الميول ترجع في مجموعها، وبكل مراتبها إلى الفطرة، وأننا مفطورون على توحيد الله سبحانه، ومن لوازم الفطرة البقاء والاستكمال. كما أن تحول الميول من حالٍ إلى حال في فلك فاطمة÷ لا يفقدها الحال السابق، وإنما ينقلها إلى حالٍ أوسع وألطف منه. مثلاً كثير منا يخاف من الموت، في حين أننا إن تأملنا في حقيقة الموت فإننا سوف نعشق الموت ونطلبه؛ لأن الموت يرفع عنا حجاب المحدودية. إن بين الناس من يشتاق للموت وهم يدرکون حقيقة الموت، فلماذا لا يخافون؟ «لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً الى الثواب، وخوفاً من العقاب» لماذا؟ لأن هناك شوقاً وخوفاً أرقى من التشبث بالتعلقات والعلاقات الأرضية، وهو الشوق إلى الجنة والخوف من النار.

إن الموت هو طريق النجاة من المخاطر التي تهدد إیمان الإنسان؛ لأن المكان الوحيد الذي ننفصل فيه عن أهل البيت هو في هذه الدنيا، إذا خرجنا منها مؤمنين فلن يهددنا شيء. فالمؤمن إنما يخاف من الابتعاد عن مقام الرضوان الالهي، وعندما یشتدّ خوف الإنسان فإنه يريد الخروج سريعاً بإيمانه إلى حيث الأمان «يستأنسون بالموت ـ بالمنيّة – كاستئناس الطفل بمحالب أمه».

هكذا كان أصحاب سيد الشهداء× فعندما سألت زينب الكبرى÷  أخاها الحسين×: هل امتحنت أصحابك؟ كان جوابه أنهم «يستأنسون بالموت…».

ونجد من بین هؤلاء مثلاً: سعید بن عبد الله  الذي قال للإمام الحسين×: ـ عندما اشتدّ حصار الأعداء ظهر عاشوراء ـ : إنني لا أستطيع الاحتمال أكثر يابن رسول الله، فائذن لي بالبراز؛ لأنال الشهادة. وبالفعل جعل من نفسه درعاً لسيد الشهداء× أثناء إقامة الصلاة، فنال بذلك وسام الشهادة، وهو في حصن ولي زمانه×.

ثالثاً: أن الإحساس بالأمن لا يمكن أن يتحقق في الواقع إلا بقبول ولاية ولي العصر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ حيث إن إدراك الإنسان ضعفَه ونقصَه وحاجتَه إلى من يعتمد عليه، ويأخذ بيده، يجعله غير قادر على مواجهة أي نوع من أنواع الأخطار، فعندما يقع حدث مّا، ويصعب علی الإنسان تحمله، فإنه قد يفرّ أو يتراجع لولا وجود ولي الله×؛ يقول الإمام الحسین×: «صبراً بني الكرام، ما الموت إلا قنطرة تعبر بكم من البؤس والضراء الى النعيم الأبدي». وقول أمير المؤمنين×: «كنا إِذا احْمَرَّ البَأْس اتَّقينا برسول الله|». أي إذا اشتدت الحرب استقبلنا العدو برسول الله|، وجعلناه لنا وقاية.

إذن محور حب الإنسان وبغضه يحدد نوعية عمله وردود أفعاله، فأحياناً يعتقد أنه «بيدك لابيد غيرك زيادتي ونقصي، ونفعي وضري؛ إن حرمتني فمن ذا الذي يرزقني؟ وإن خذلتني فمن ذا الذي يرفعني؟» من يرى كل شيء لله، وبيد الله فلماذا يخاف الآخرين؟ ولماذا يخاف الزلازل؟ ولماذا يخاف الموت؟! فطالما أن النفع والضرر بيد الله وحده، فلا معنى لهذه المخاوف؛ حيث يبلغ التوحيد الأفعالي للإنسان أعلى مستوياته، فلا يرى فاعلاً غير الله. والثمرة المترتبة على ذلك أنه لا يخاف غير الله، ولا يعتمد إلاّ على الله، إن هذا الخوف يوصل الإنسان إلى الأمن. وربما يکون معنى «يا أمان الخائفين» هو ما ذكر؛ ثم يرتقي أكثر فيصبح أمله أكبر من الدنيا ومافيها عندما يأمل في نيل رضا الله {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}.

_______________________

[1] أشار إلى هذا المعنى الأستاذ السيد مير باقري في كتاب العقل العملي والحسن والقبح.

الكاتب الأستاذة فاطمة اليوسف

الأستاذة فاطمة اليوسف

مواضيع متعلقة