شرح دعاء كميل (16)

img

﴿وبِنُورِ وَجْهِكَ الّذي أَضَاءَ لَهُ كُلُّ شَيءٍ﴾

 أي: بضياء فيضك المقدّس الذي استضاء به جميع الأشياء، واستنار به كلّ الموجودات.

[بيان الفرق بين النور و الضّياء]

قد فرّق بين النور والضياء بأنّ الضّياء: ما كان من ذات الشيء كالشمس، والنور: ما كان مكتسباً من غيره كما في القمر؛ ولذا قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا([1]).

وفيما نحن فيه قد علمت مراراً أنّ وجهه تعالى كالمعنى الحرفي، داخل في صقع الذات، ليس له استقلال في نفسه، بل إضائته وإن كان بذاته، ولكن لا يكون لذاته، بل لعلّته التي هي ذات الله تعالى، ولهذا قال السّائل: ﴿بنور وجهك﴾ ولم يقل: بضياء وجهك. وإن أطلق عليه لفظ «الضياء» و«الإضاءة»ـ كما قلنا في شرحه ـ فباعتبار أنّه عين الوجود كسائر الصفات، لا مكتسبة.

ولكن قوام الضياء والنور في الوجه لمّا كان بذات الله العليا؛ لأنّه مقوّم الوجود وقيّومه، فكأنّه مكتسب ضوؤه من ذاته تعالى، والتفاوت بين نوري الوجه والذّات بالشدة والضعف، كما قال×: «توحيده تعالى تمييزه عن خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة»([2])،أي بينونة ثابتة في صفة الشدة والضعف.

وفي الحديث: «إنّ لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور، وسبعين ألف حجاب من ظلمة، لو كشفها لأحرقت سُبُحات وجهه كلَّ ما انتهى إليه بصره»([3]).

المراد بـ«سبحات وجهه» تعالى: إشراقاته وأنواره كما في القاموس، قال: «سبحات وجه الله: إشراقاته»([4]). وهي الأنوار القاهرة التي إمّا متكافئة من الطبقة العرضيّة، وإمّا مترتّبة من الطبقة الطوليّة.

والحجب التي بينها وبين عباده: المنشآت والمخترعات والمكوّنات، ونوريّتها بالنسبة إلى جهاتها الربانيّة، وظلمتها بالنسبة إلى جهاتها النفسية.

وإطلاق عدد السبعين عليها إشارة إلى كثرتها، كما أطلق على الأيام الربوبية تارةً: ﴿أَلْفَ سَنَةٍ([5])، وتارةً: ﴿خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ([6])،إشارةًإلى سعة تلك الأيام وطولها.

ويمكن أن يُراد بـ«السبحات» الأنوار الذّاتية، فحينئذٍ الحجب تكون أنواره الفعليّة بجملتها ونوريّتها وظلمتها، على قياس ما مرّ.

وقوله: ﴿أضاء﴾ من الإضاءة، وهو هنا لازم، وفاعله قوله: ﴿كُلّ شَيءٍ﴾؛ إذ باب «الإفعال» قد يجيء لازماً، واللّام في قوله: ﴿له﴾ للتّعليل، والضّمير راجع إلى النور المضاف إلى الوجه.

ويحتمل أن يكون متعدّياً، وفاعله ضمير مستتر راجع إلى مرجع ضمير الخطاب، وهو الله تعالى، من باب الانصراف من الخطاب إلى الغيبة، والجملة الصّلة مشتملة على ضمير عائد إلى الموصول، وهو الهاء في ﴿له﴾. وحينئذٍ قوله: ﴿كلُّ شيءٍ﴾ كان مفعولاً به، ولكن الأوّل أقوم.

و﴿اَضاءَ﴾ بمعنى: استضاء.

 _____________________

([1]) يونس: 5.

([2]) الاحتجاج (للطبرسي) 1: 299. بحار الأنوار 4: 253/ 7.

([3]) الوافي 5: 614/ ذيل الحديث 2700. بحار الأنوار 73: 31.

([4]) القاموس المحيط 1: 226، مادة «سبح»، وفيه: «أنواره» بدل «إشراقاته».

([5]) البقرة: 96.

([6]) المعارج: 4.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة