الأمن في الإسلام (2)

img

ولاية الإمام عليه السلام هي السبيل إلى تحقق الأمن

 ذكرنا أن عبودية الله هي حق مقوِّم لكل الحقوق، كما أنّ ولایة المعصومين^ هي عین العبادة، وإن العبادة هي موضوع ولایتهم وهدایتهم، ويؤيده ما جاء في الحديث القدسي: «ولایة علي ابن أبي طالب حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي» أي أن محیط ولایة الإمام ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو الأمن.

وإذا كان دور الوليّ هو إرشادنا إلى نحو القرب من الله، المُلازم للبهجة والأمن والرفاهية فما هو دورنا؟ إن دورنا یکمن في القبول والتولي. ولا یحق لأحد أن یحرمنا من حق أعطاناه الله، وهو العبادة. لا یحق لأحد أن یحرم المجتمع من ولایة وليّ الله، وأکبر ظلم وفساد تعرضت له الإنسانیة هو إغلاق طریق تحقق القرب من الله. إن الفساد المذكور في الآية: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} کما جاء في التفسير: الفساد الذي هو ضدّ الصّلاح، وهو في كلّ شي‏ء ألاّ يكون على ما تقتضيه طبيعته، أو أن يكون خارجاً عمّا تقتضيه طبيعته. ويستعمل الفساد في أخذ المال ظلماً، وفي الجدب. والمراد بظهور الفساد: كثرته، بحيث لم يعد مخفيّاً، فتظهر غلبته على الصّلاح، أو على العدل أو على الرّخاء[1].

 وجاء في الروايات أنه هو منع ولایة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×؛ لأن الولایة هي طریق تحقق العدل والرخاء. لقد أغلق أولياء الطاغوت طریق العدل، وذلك یعني إغلاق طریق التوحید والعبادة. إن العدل أیضا له مراتب ودرجات کما هو التوحید والولایة، فالعالم یتذوق بالتدریج حلاوة التوحید والعدالة؛ وذلك لاستحالة التغير الدفعي في العالم، بل لابد من الدخول فی الدنيا، ثم عالم البرزخ، ثم الآخرة. کما أن ولایة الباطل تشتدّ بالتدریج أیضاً، ونقطة أَوجها تتمثل في امتلاء العالم بالظلم والجور.

إن ما يجعل العالم یخرج عن الاعتدال هو الاستکبار علی الله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} لذلك الفساد ويمکن أن یقال هنا بأنه أحداث السقیفة، كما نقل عن أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمّد عن عليّ بن النّعمان عن ابن ميسر عن أبي جعفر× قال: قلت: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}. قال: «ذلك ـواللَّه- يوم قالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير».

وفي روضة الكافي: محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن عليّ بن النّعمان عن ابن مسكان عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر× في هذه الآية. قال: «ذاك- واللَّه – حين قالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير».[2]

أمّا الآیة: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} فالمراد: أصلحها الله بوجود رسول الله|[3]، فلا تفسدوها بمنع ولایة أمير المؤمنين×.

  فالحرکة العالمیة للباطل وإن کانت تدریجیة إلا إن النقطة النهائیة هي نقطة امتلاء العالم من العدل، أي إن هذا الجور غیر مخلّد: {أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} حتى وإن كان له مظهر خارجي، لکنه لا یبقی. {أَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}. إن ما یبقی هو ولایة الحق؛ حیث إن فیها کل الخیرات. فالعالم يتحرك بالعدل والصلاح، والفساد العالمي لیس خارجا عن قدرة الله وإرادته، بل هو مقتضی العدل الإلهي؛ فمن عدل الله أن یجعل الإنسان مختاراً، ویمده بالعون: {نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ}، ویجازیه بعدله أیضاً. وهکذا فإن جهنم حق، وعذاب أهل الباطل، حق وکلها من شؤون ولایة الله وولایة أمير المؤمنين× فهو (قسیم الجنة والنار)، لكن مع تکثر هذا الفساد، إلا أنه لا يصل إلی حد یطغی معه علی العدل، بل هو مقتضی العدل.

ثم إنه لولا  العدل في الإمداد الالهي لما وجد سوء الاختيار،  فإمداد الله لجبهة إبلیس هو في مسیر تحقق العدل والصلاح،ويصب في صالح ولي الله والمؤمنین .

إن العدل مطلب فطري للإنسان – یطمئنّ الإنسان بتحقیقه، لکنه لا حدّ له؛ کلما استقر في مرتبة من مراتبه، وشعر بالأمان والأنس فیها، فإنه بعد حينٍ من  الاستقرار سوف یطلب مرتبة أعلی منها، وهکذا.

إن من الممكن أن يخرج الانسان عن حدّ الاعتدال؛ سواء في سلوكه، أو في إدراكه أيضاً، فیری الجور عدلاً، ثم ينادي أولياء الطاغوت الذين بدّلوا كلمات الله بالباطل تحت عنوان الحق، ويدعون إلى الشرك تحت عنوان التوحيد؛ فيظهر الاضطراب في العالم؛ بسبب عدم انسجام هذه الدعوة مع التكوين، فضلاً عن عدم انسجام القوانين الإلهيّه مع القوانين الوضعيّة. فالأمن إذن هو فرع من فروع العدل، والعدل هو موضوع ولاية الله، وفي المقابل إن الاضطراب هو فرع من فروع الظلم، والظلم موضوع ولاية الطاغوت.

الحاجة إلى الأمن من الأمور الفطرية

تبين حتى الآن أن الأمن من  لوازم العدل،  ولا يقع العدل في عرض عبودية الله سبحانه وتعالى، بل إنه مرتبة من المراتب اللاحقة ، فكلما تعمق الانسان في عبودية الله سبحانه وتعالى فإنه يصبح أكثر اعتدالاً، كما أن الواسطة بين اعتدال الإنسان وعبوديته هي تولي أولياء الله، والتبرّؤ من أولياء الطاغوت. وكلما كان الانسان أكثر قرباً من أولياء الله كلما اتسع حضوره في حصن الأمن.

إن كل إنسان يطلب الأمن؛ لأن الأمن من لوازم العدل، والعدل فرع عبودية الله، والعبودية هي موضوع الخلقة والهدف من الخلق. إذن الإنسان مخلوق يطلب الأمن بفطرته التي فطره الله عليها؛ لذلك نجد استياء عامّاً من الاضطراب، بل حتی جبهة الباطل نجدها تدّعي أنها ترید دفع الخطر عن نفسها، وحفظ الأمن.

____________________________

[1] گنابادی، سلطان محمد، تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة، ج3، ص222.

[2] قمي، محمد بن محمد رضا، كنز الدقائق ، ج10، ص213.

[3] ذكر في التفسير المظهري، ج7،ص238: (قال قتادة امتلأت الأرض ظلما وضلالة قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلمّا بعث رجع راجعون من الناس)

الكاتب الأستاذة فاطمة اليوسف

الأستاذة فاطمة اليوسف

مواضيع متعلقة