شرح دعاء كميل (15)

img

﴿وَبِعِلْمِكَ الَّذِي اَحَاطَ بِكُلِّ شَيء﴾

المراد: علمه الذاتي الذي أحاط بعلمه الفعلي، وهو أحاط بجميع الأشياء، أحاط بكلّ شيء علماً([1]) وقدرةً، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة([2])، ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء([3]) ومن يشاء من عباده.

[تحقيق معنى العلم و أنّ أيّ قسمٍ منه لائق به تعالى]

العلم: ما به ينكشف الشّيء لدى العالم، فهو: إمّا بحصول صورة الشّيء في الذّهن، أو بحضور ذلك الشّيء لدى المجرّد. وبتقسيم آخر: العلم فعلّى و انفعاليّ.

والعلم اللّائق بجنابه تعالى هو العلم الفعلي الحضوري، الذي هو نحو وجود كلّ شيء، وإحاطته محاطيّة وجودات الأشياء وحضورها لديه تعالى؛ لانّه لمّا كان تعالى بسيط الحقيقة، محض الوجود وصرفه ـ وصرف الشيء واجد لما هو من سنخ ذلك الشيء، و مجرّد عمّا هو من أجانبه و أباعده، و بعيد الوجود لا يكون إلّا ما هو من سنخ العدم ـ كان كلّ وجود حاضراً له أشدّ من حضوره لنفسه؛ إذ كما قلنا: نسبة الشيء إلى فاعله بالوجوب، وإلى قابله بالامكان.

ولا نعني بنفس الأشياء وقابلها إلّا الماهيّات التي هي قابلة للوجودات الخاصّة، فكما لا يشذّ عن حيطة وجوده تعالى وجودٌ، كذلك لا يعزب عن حيطة علمه مثقال ذرّة.

قال الحكماء([4])إنّ الله تعالى ظاهر بذاته لذاته؛ لكون ذاته بريئاً من جميع الحيثيّات، ومجرّداً عن كلّ الأحياز والجهات والأوقات، وكلّ مجرّد عالم بذاته، وذاته علّةٌ لجميع ما سواه، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول.

قال المعلّم الثاني([5]): الأوّل تعالى هو الغنيّ المغني الّذي ينال الكلّ من ذاته.

فكما أنّ بوجود واحد مُظهر لجميع الموجودات بنحو البساطة، كذلك بعلم واحد يعلم جميع المعلومات، فكأنّ ذاته تعالى كالصورة العلمية التي بها ينكشف ذو الصورة الخاصّة، إلّا أنّ ذاته تعالى بذاته ما به ينكشف جميع الأشياء، لا بصورة حاصلة زائدة.

وهاهنا كلام ينبغي أن يذكر، وهو قول المتكلّمين([6]): إنّ العلم أعمّ من القدرة؛ لتعلّقه بالممتنعات دون القدرة؛ لأنّ المقدور لا بدّ أن يكون ممكناً. ومعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ([7]أي كلّ شيء ممكن مستقيم قدير.

أقول: قال الحكماء([8]): لا وجه لقولهم هذا؛ إذ الممتنع من حيث حقيقته التي هي عين اللا شيئيّة كما أنّه ليس مقدوراً كذلك ليس معلوماً، كيف والمعدوم المطلق لا خبر عنه، ومن حيث وجوده في نشأة الأذهان عالية كانت أو سافلة كما هو معلوم كذلك هو مقدور.

فإن قيل: علمه تعالى يتعلّق بذاته، و ذاته معلومة له تعالى، بخلاف قدرته، فكيف الاتحاد للعلم والقدرة؟

قلنا: تعلّق العلم والعالميّة بذاته تعالى ـ كما قالوا ـ معناه: أنّ ذاته عين العلم، لا أنّ ذاته شيء وعلمه بذاته شيء آخر، فكذلك تعلّق القدرة والقادريّة معناه: أنّه عين القدرة، فالمساوات والاتحاد محقّقة بين مفهومي العلم والقدرة من حيث المصداق والوجود، وكلامنا ليس في اتحاد مفهومي المعلوم والمقدور. فثبت أنّ كلّ ما هو معلوم لله تعالى بلغت إليه قدرته.

ثمّ إنه ليت شعري بأيّ لسان أصف محاسن العلم ومحامده، وفي أيّ بيان أذكر شرافته وإنافته([9]): العلم نِعم القائد في طريق المشاهدة، ونِعم الدليل في سبيل العيان، ولذا قال‘: «اطلبوا العلم من المهد إلى اللّحد»([10])، وقال: «اطلبوا العلم ولو بالصّين»([11])، وقال: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة»([12]).

العلم ثم العلم حبّذا رصد
ولتبتغوا ولو بسفك المهج
وحق علم لهو التّوحيد

فلتطلبوا من مهدكم إلى اللّحد
ولتفصحوا ولو بخوض اللّجج
وحق قبلة هوُ المجيد([13])

قال المولوي:

خاتم ملك سليمان است علم
آدمي را زين هنر بيچاره گشت

جمله عالم صورت و جان است علم
خلق درياها و خلق كوه و دشت([14])

 ____________________

([1]) ﴿أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، الطلاق: 12.

([2]) ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾، يونس: 61.

([3]) ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾، البقرة: 255.

([4]) انظر: شرح الأسماء الحسنى (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 17.

([5]) انظر: فصوص الحكم (للفارابي): 59، فص 11.

([6]) الفتوحات المكية 1: 293.

([7]) البقرة: 20.

([8]) انظر: شرح الأسماء الحسنى 1: 208.

([9]) أناف على شيء، أي: أشرف. الصحاح 4: 1437، مادة «نيف».

([10]) انظر: الوا في 1: 126، وفيه: «وقيل: وقت الطلب من المهد إلى اللحد».

([11]) روضة الواعظين: 11. عوالي اللئالي 4: 70/ 37. وسا ئل الشيعة 27: 27، أبواب صفات القاضي، باب 4، ح 33119.

([12]) عوالي اللئالي 4: 70/ 36. بحار الأنوار 1: 177/ 54. وفي الكافي: «طلب العلم

فريضة على كل مسلم، ألا وإنّ الله يحبّ بغاة العلم»، الكافي 1: 31، باب «فرض العلم»، ح 5.

([13]) شرح نبراس الهدى (حاج ملا هادي السبزواري): 155 ـ 156.

([14]) مثنوي معنوي: 44.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة