شرح دعاء كميل (14)

img

والأركان الأربعة لكلّ واحد من هذه الأسماء عبارة عن الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة المعنويّات، أعني: حرارة العشق والابتهاج، وبرودة الطمأنينة والإيقان، ورطوبة القبول والإذعان أو الإحاطة والسّريان، ويبوسة التثبّت والاستقامة عند الملك المنّان، نظير ما قال بعض أهل الذوق كجابر بن حيّان: إنّ السّموات وما فيها من العناصر الأربعة([1])، وحمل عليه قول أمير المؤمنين× في خطبة المبتدئة المذكورة في نهج البلاغة، والصّواب: الحمل على ما ذكرنا.

والغرض كلّ الغرض منه: تطبيق العالمين الظّاهر والباطن، بجعل ذلك الأسم كالنّير، والإثنى عشر ركناً بروجه، والثلاثين اسماً درجات كلّ برج، حتّى تتمّ ثلاثمائة وستّون درجة، وهي تعيّنات الأسماء الّتي انطوت فيها، وهي مظهرها، فيكون بعدد درجات دورة فلك الظّاهر([2])».

ثمّ قال+: «أو نقول: المراد بذلك الاسم: الغوث الأعظم، الذي هو خاتم كتاب الوجود، كما أنّ المعنى الأول الذي هو فاتحته روحانيّته، وهو ختم الكلّ والاسم الأعظم، وقال خلفائه: «نحن الأسماء الحسنى»([3])، فجعله أربعة أجزاء ثلاثة منها ظاهرة، هي العقل والقلب والنفس، وواحد مستور، هو أصلها المحفوظ الذي لا يعلمها إلّا الله.

وهذه الثلاثة هي المشار اليها بقوله تعالى: ﴿حم * عسق([4]) أي حقّ لا باطل، «محمّد» الذي هو العقل والنّفس والقلب، أو ﴿حم﴾ أيالتسعة و التسعون من الأسماء، هو العقلو النفس و القلب من الإنسان الكامل، أو الثّمانية والأربعون من الصّور الّتي هي مجالي شمس الحقيقة، هي العقل والنّفس والقلب، ثمّ الأركان  الإثنى عشر والدّرجات الثّلاثمائة والستّون كما سبق.

وكان بروج نوره الواحد التي هي خلفاؤه في هذا العالم أيضاً إثنى عشر، كلّ واحد منها مظهر ثلاثين اسماً باعتبار من الأسماء المحيطة.

ثمّ المقصود من ذكر الأسماء: إمّا تعداد على سبيل التّمثيل فلا كلام، وإمّا تعيين ثلاثين، فيكون بعضها من الأسماء المركّبة، كـ«الرّحمن الرّحيم» و«العلى العظيم» مثلاً، فإن «العليّ» ـ مثلاً ـ مفرداً اسم من أسمائه وله خاصيّة على حدة، وكذا لـ«العظيم»، ومركباً اسم وله خاصيّة اُخرى، ومن المركّبة: «البارئ المنشئ». فلا تكرار من النّاسخ، كما زعمه الشّارح المذكور»([5]) انتهى كلامه الشّريف.

الأركان: جمع «ركن»، وهو جانب الشّيء.

قول السّائل: ﴿مَلَأَتْ أَرْكانَ كلِّ شَيْء﴾ أي أطرافه وجوانبه.

ثم اعلم أنّه كما قال العرفاء الشّامخون: «إنّ كلّ نوع من الأنواع تحت اسم من أسماء الله تعالى، وذلك النّوع مظهر ذلك الاسم، كما أنّ الإنسان مظهر الاسم «الله»، والملك مظهر «السّبوح» و «القدوس»، والفلك مظهر الاسم «الرفيع  الدّائم»، والحيوان مظهر «السّميع» و«البصير»، والأرض مظهر «الخافض»، والهواء مظهر «المروّح»، والماء مظهر «المحيي»، والنّار مظهر «القهّار»،  وهكذا.

وعلمت ممّا سبق أنّ «الاسم» عبارة عن المسمّى مأخوذاً بتعيّن من التّعينات الكماليّة، فكما أنّ ماء الحياة الذي هو الوجود المطلق سارية في جميع الأودية، ونفذت في أعماق الأشياء، كذلك توابع الوجود التي تدور رحاها على قطب الوجود سارية في جميع الموجودات، ولكن في كلٍّ بحسبه وقدره، على ما اقتضته الحكمة الإلهيّة.

ثم إنّ من الموجودات ما له أربعة أركان:

منها: أركان عرش علم الله تعالى من العناية، والقلم، والقضاء، والقدر. وأركان عرشه العيني من الركن الأبيض، والركن الأصفر، والأخضر، والأحمر.

ومنها: أركان عرش قلوب المؤمنين من العقل بالقوّة، والعقل بالملكة، والعقل بالفعل، والعقل المستفاد.

ومنهاأركان علم الإنسان من التعقّل، والتوهمّ، والتخيّل، والتحسّس. وأركان بدنه من الماء والتراب والهواء والنار، هذه بسائطه، أو مركّباته من الدم والبلغم والصفراء والسوداء.

وأركان بيت الله المعنوي أيضاً، التي هي: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، ويقال لها: حملة العرش.

وأركان بيته الظاهري من الركن اليماني، والحجازي، والشامي، والعراقي، وغيرها ممّا لا نطيل الكلام بذكرها، فجميعها مالية([6]) من صفاته واسمائه تعالى كما قيل:

اجزاي وجود من همه دوست گرفت               نامى است زمن برمن وباقى همه اوست

_______________________

([1]) انظر مستدركات أعيان الشيعة 6: 100.

([2]) في المصدر: «الفلك الظاهر».

([3]) بحار الأنوار 25: 5/ 7.

([4]) الشورى: 1 و 2.

([5]) شرح الأسماء 1: 267 ـ 270.

([6]) كذا في المخطوط، ولعل الأنسب: «مالئة»، وهو من «ملأ»، انظر: لسان العرب 1: 159، مادة «ملأ».

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة