شرح دعاء كميل (12)

img

[تحقيق الحق في الاسم]

والتحقيق الأحقّ بالذكر في تبيين هذا المقام ما حقّقه الحكماء والعرفاء، فإنّ الاسم عندهم هو حقيقة الوجود ملحوظة بتعيّن من التعيّنات الكماليّة من صفاته تعالى،أو باعتبار تجلّ خاصّ من التجليّات الإلهيّة.

فالوجود الحقيقيّ مأخوذاً بتعيّن كونه ما به الانكشاف لذاته ولغيره الاسم «العليم»، وبتعيّن كونه خيراً محضاً وعشقاً خالصاً الاسم «المريد».

وملحوظاً بتعيّن الظاهر بالذات والمظهرية للغير الاسم «النّور»، وبتعيّن الفياضيّة الذّاتية للنّورية عن علم ومشيّة الاسم «القدير».

وبتعيّن الدراكيّة الفعّالية الاسم «الحيّ»، وبتعيّن الإعراب عمّا في الضمير المكنون الغيبي الاسم «المتكّلم»، وهكذا.

وكذا مأخوذاً بتجلّ خاصّ على ماهيّة خاصّة، بحيث يكون كالحصّة الّتي هي الكلّي المضاف إلى خصوصيّة، يكون الإضافة بما هي إضافة ـ وعلى سبيل التّقييد لا على سبيل كونها قيداً ـ داخلة، والمضاف إليه خارجاً، لكن هذه بحسب المفهوم، والتّجلي بحَسَب الوجود اسم خاصّ.

[نقل كلام المحقق السبزواري]

وعند هذا قال صدر المتألّهين السّبزواري +: «فنفس الوجود الذي لم يلحظ مَعَه تعيّنٌ مّا، بل بنحو اللّا تعيّن البحت([1]) هو المسمّى، والوجود بشرط التعيّن هو الاسم، ونفس التعيّن هو الصفة، والمأخوذ بجميع التعيّنات الكماليّة اللائقة به المستتبعة للوازمها من الأعيان الثابتة الموجودة بوجود الأسماء ـ كالأسماء بوجود المسمّى ـ هو مقام الأسماء والصّفات، الذي يقال له في عرف العرفاء: المرتبة الواحديّة، كما يقال للموجود الذي هو اللّا تعيّن البحت: المرتبة الأحديّة.

والمراد من «اللّا تعيّن»: عدم ملاحظة التّعين الوصفي، وأمّا بحَسَب الهويّة والوجود فهو عين التشخّص والتعيّن والمتشخّص بذاته والمتعيّن بنفسه، وهذه الألفاظ ومفاهيمها مثل الحيّ العليم المريد القدير وغيرها، أسماء الأسماء»([2]) انتهى كلامه رفع مقامه.

قوله تعالى: ﴿وَلِله الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا([3]) قيل: هي «الله، الرّحمن، الرّحيم، الملك، القدّوس، الخالق، البارئ، المصوّر»، إلى تمام ثلاث مائة وستّين اسماً، كما في المجمع([4]).

وفيه أيضاً: «قال الشّيخ أبو علي&: «﴿وَلِله الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ التي هي أحسن الأسماء؛ لأنّها تتضمّن معاني حسنة، بعضها يرجع إلى صفات ذاته كالعالم والقادر والحي والإله، وبعضها يرجع إلى صفات فعله كالخالق والرازق والبارئ والمصوّر، وبعضها يفيد التمجيد والتقديس كالقدّوس والغنيّ والواحد»([5])»([6]) انتهى.

وعن الصّادق×: «إنّ الله تعالى خلق اسماً بالحروف غير متصوّت، وباللفظ غير مُنطَق، وبالشخص غير مُجسَّد، وبالتشبيه غير موصوف، وباللون غير مصبوغ، منفيّ عنه الأقطار، مُبعَّد عنه الحدود، محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم، مستتر غير مستور، فجعله كلمةً تامّةً على أربعة أجزاء معاً، ليس شيء منها قبل الآخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها، وحجب واحداً منها، وهو الاسم المكنون المخزون، وهذه الأسماء الّتي ظهرت، فالظّاهر هو الله تبارك وتعالى، وسخّر لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان، فذلك اثنا عشر ركناً، ثم خلق لكلّ ركن منها ثلثين اسماً فعلاً منسوباً إليها، فهو الرّحمن، الرّحيم، الملك، القدّوس، الخالق، البارئ، المصوّر، الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم، العليم، الخبير، السّميع، البصير، الحكيم، العزيز، الجبّار، المتكبّر، العليّ، العظيم، المقتدر، القادر، السّلام، المؤمن، المهيمن، البارئ، المنشئ، البدئ([7])، الرفيع، الجليل، الكريم، الرزّاق، المحيي، المميت، الباعث، الوارث.

فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى، حتى تتمّ ثلاثمائة وستّون اسماً، فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة، و هذه الأسماء الثلاثة أركان، وحَجَبَ الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة، وذلك قول الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى([8])»([9]).

[نقل كلام المحقق السبزواري في شرح الحديث المذكور]

أقول: قد ذكر هذا الحديث الشّريف صدر المتألّهين+ مشروحاً في شرح الأسماء، عند شرح الإسم الشّريف: «يا مَنْ جَعَلَ في السَّماءِ بُروجاً»([10])، ونقل كلام الفاضل المازندراني الشارح لأصول الكافي ـ عليه الرّحمة ـ وزيّف بعض ما قال في شرح هذا الحديث. فالأولى والأنسب أن ننقل كلامه الشريف، وما حقّقه وما زيّف من كلام الشارح، توشيحاً لهذا الشر،ح ولا بأس بالإطالة والإطناب؛إذ المقام مقام التفصيل والفحص في تحقيق أسمائه تعالى جليل جميل.

فقال+: «قوله×: «إنّ الله تبارك وتعالى خلق اسماً»، قال الفاضل المازندراني الشارح لأصول الكافي&: قيل: هو «الله»، وقيل: هو اسم دالّ على صفات ذاته جميعاً.وكأنّ هذا القائل وافق الأوّل؛ لأنّ الاسم الدّال على صفاته جميعاً هو «الله» عند المحقّقين، ويرد عليهما أن «الله» من توابع هذا الاسم المخلوق أولاً، كما يدلّ عليه هذا الحديث.

ويحتمل أن يُراد بهذا الاسم اسم دالّ على مجردّ ذاته تعالى، من غير ملاحظة صفة من الصّفات مَعَه، وكانّه هو.ويؤيّده ما ذكره بعض المحقّقين من الصوفيّة من أنّ «هو»أشرف أسمائه تعالى، وأنّ «يا هو»أشرف الأذكار؛ لأنّ «هو»إشارة إلى ذاته من حيث هو هو، وغيره من الأسماء يعتبر مَعَه صفات ومفهومات قد تكون حجباً بينه وبين العبد.

وأيضاً إذا قلت:«هو الله الرّحمن الرّحيم الغفور الحليم»، كان «هو» بمنزلة الذّات، وغيره من الأسماء بمنزلة الصفات، والذّات أشرف من الصفات، فهو أشرف الأسماء.

ويحتمل أن يُراد به «العليّ العظيم»؛ لدلالة الحديث الآتي عليه، حيث قال×: «فأوّل ما اختار لنفسه العليّ العظيم»، إلّا أنّ ذكره في أسماء الأركان ينافي هذا الاحتمال ولا يستقيم إلّا بتكلّف، وهو أنّ مزج الأصل بالفرع للإشعار بالأرتباط وبكمال الملائمة بينهما([11])، انتهى».

قال+: «وفيه مؤاخذة؛ لأنه ينبغي أن يقال: ذلك الاسم مجموع: «هو الله الرّحمن الرّحيم»، أو مجموع: «هو الله العلّي العظيم»، لا أنه «هو» وحده مثلاً؛ لقوله×: «فجعله» إلى آخره.

يتبع…

____________________________

([1]) قال الخليل: «والبَحْتُ : الشيء الخالص معهما»، العين 3: 195، مادة «ب ح ت». وقال الجوهري: «البَحْتُ : الصرف »، الصحاح 1: 243،مادة «بحت».

([2]) شرح الأسماء الحسنى 1: 215.

([3]) الأعراف: 180.

([4]) مجمع البحرين 1: 223.

([5]) تفسير جوامع الجامع 1: 724.

([6])مجمع البحرين 1: 223 ـ 224.

([7]) في الكافي: «البديع».

([8]) الإسراء: 110.

([9]) الكافي 1: 112/ 1.

([10]) المصباح (للكفعمي): 258.

([11]) شرح أصول الكافي (للمازندراني) 3: 283 ـ 284.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة