شرح دعاء الصباح 20 ـ القسم الأول

img

﴿وَعَلى الهِ الطّاهِرِينَ الأخيارِ، المُصطَفَينَ الأبرارِ﴾

(آل) الرّجل: أهلُه وأقاربُهُ، خُصّ استعماله بذوي الأشراف. وآلُ النبيّ الختمي| عترتُه الطاهرة، أهلُ بيت العصمة. وفي القاموُس: «آل الله ورسوله أولياؤُه»([1]) انتهى. وكلٌّ من صحّت نسبته الباطنيّة إلى باطنه وهو عقل الكلّ، فهو من آله باطناً، ومن هنا ورد: «سَلمانُ مِنّا أهل البَيْتِ»([2]). و«الطّاهرين» إلى آخره، إشارةٌ إلى عصمتهم^.

ولمّا اشتهر عند الإماميّة أنّ مخالفيهم لا يقولون بعصمة الأنبياء وغيرهم، وربّما يتوهّم أنّهم يقولُون بصدور الخطأ عنهم ـ أيّ خطأ كان، وعلى أيّة حالة كانوا، والحال أنّهم قالوا بوجوب العصمة فيما يتعلّق بالاعتقاد والتبليغ والفتوى، وأمّا فيما يتعلّق بأفعالهم وأحوالهم ففيه اختلافهم، وفيه أيضاً تفصيلٌ بحسب الصّغيرة والكبيرة، وبحسب قبليّة البعثة وبعديّتها، وبحسب السّهو والعمد ـ فلابدّ من تفصيل بأنّ العصمة؛ ماهي؟ وفيمن هي؟ وفي كم هي؟ ومتى هي؟ وعمّ هي؟  وولم هي؟([3])

أمّا الأوَّلُ: فهي كيفيّةٌ روحانيّة يمتنع بها صدور الخطأ عن صاحبها؛ لعلمه بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات، فلا ينافي إمكانه الذّاتي.

وأمّا الثّاني: فهي في الملائكة والأنبياء والأوصياء الاثني عشر. والمتكلّمون الّذين قالوا: إنّ الملائكة أجسام لطيفة يقدرون على أفعال شاقّة، يتشكّلون بأشكال مختلفة سوى الكلب والخنزير، وفيهم دواعي الشهوة والغضب، يجوّزون عليهم الشهوة والغضب والمعصية، فقد اختلفوا في عصمتهم. والآيات الكثيرة الواردة في مدحهم مثل قوله تعالى: ﴿عِبادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسبِقونَهُ بالقَولِ وَهُم بِأمرِهِ يَعمَلُوُنَ﴾ إلى قوله: ﴿وَهُم مِن خَشيَتِهِ مُشفِقُونَ([4])، وقوله تعالى: ﴿يَخافُونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم وَيفْعَلُونَ ما يُؤمَروُنَ([5])، وقوله تعالى: ﴿لا يَستَكبِرُونَ عَن عِبادَتِهِ وَلا يَستحسِروُنَ * يُسَبِّحُونَ اللَيلَ وَالنّهارِ لا يَفَتُرُونَ([6]). وكذا السُّنَّة دالّةٌ على عصمتهم.

وعمدة شُبَه المُخالفين اثنتان:

إحداهما: الاستثناء في قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَوُا إلّا إبلِيس([7]). والجوابُ: أنّه مبنيّ على التغليب، أو الاستثناء منقطع([8]).

وثانيتهما: قصّة هاروت وماروت المذكورة في القرآن، وهي مؤوّلة([9]).

وعند الحكماء القائلين بتجردّهم لا ريب في عصمتهم، وأمّا الأوصياء الاثنا عشر، فمن ضروريّات مذهب الإماميّة الاثني عشريّة وجوبُ عصمتهم على الوجه الّذي سيأتي.

وأمّا الثّالِثُ: فجميع الأُمة متفقون على وجوب عصمة الأنبياء^ فيما يتعلّق بالاعتقاد وأنّهم معصومون عن الكفر، إلّا الخوارج (خذلهم الله) فإنّ صدور الذّنب عندهم كفرٌ ويجوّزون صدور الذّنب عن الأنبياء^. وأمّا الكفر من حيث الاعتقاد الباطل، فالظاهر أنّهم أيضاً لم يقولوا به. وأيضاً لا خلاف بين الأُمّة في وجوب عصمتهم فيما يتعلّق بالتبليغ وعدم جواز الخطأ فيه؛ لا عمداً، ولا سهواً وإلّا لم يبقَ الاعتماد على شيء من الشرائع.

ولا خلاف أيضاً بينهم في وجوب عصمتهم عن الخطأ فيما يتعلّق بالفتوى عمداً، وفي السّهو خلاف ما. نعم، اختلاف الأُمّة ـ كما أشرنا إليه ـ في مقام رابع، وهو ما يتعلّق بأفعالم وأحوالهم، فجوّز الحشويّة تَعمد الصّغيرة والكبيرة عليهم. وأكثر المعتزلة تعمدّ الصغيرة بشرط ألّا تكون خسيسة كسرقة اللّقمة، وتطفيف الحبّة. والحنابلةُ صدور الذنب على سبيل الخطأ في التأويل([10]). وجماعة صدور الذنب مطلقاً، لكن سهواً لا عمداً، وأنّهم يعاقبون عليه؛ لأنّ علومهم أكمل، فكان الواجب عليهم التحفظّ والمراقبة. وجمهُور الأشاعرة صدور الصغيرة سهواً لا عمداً، لا الكبيرة. وإمام الحرمين من الأشاعرة، وأبو هاشم من المعتزلة: صدور الصغيرة ولو عمداً. والحقّ غير ذلك كلّه، وهو مذهب الإماميّة كما يأتي.

وأمّا الرّابع: فعند أكثر الأشاعرة وجمٌّ غفيرٌ من المعتزلة العصمة مخصوصةٌ بزمان البعثة ولا يجب قبلها.

وأمّا الخامِسُ: أي العصمة عن الكبيرة أو الصّغيرة ـ عمدهما وسهوهما ـ فقد سمعتَ تفصيل أقوالهم. والحَقُّ عندنا ـ معاشرَ الإماميّة ـ وجوب العصمة في الملائكة والأنبياء والأوصياء (سلام الله عليهم اجمعين) في تمام العمر مطلقاً، سواء كان فيما يتعلّق بالاعتقاد، أو فيما يتعلّق بالتبليغ، أو فيما يتعلّق بالفتوى، أو فيما يتعلّق بالأحوال والأفعال صغائر كانت أو كبائر، ولا يجوز السّهو والنسيان عليهم.

وأمّا السّادِسُ ـ أي الدليل عليه ـ فهو أنّه قد تقرّر عند المحقّقين من أهل الكلام صحّة الوجُوب على الله كالوجوب من الله، وأنّ «اللُّطف» على الله واجب، ومن هنا وجب على الله بعث النّبي ونصب الإمام. ولا شكّ أنّ العصمة على الوجه المذكور أدْخلُ في اللّطف، وأدْعى وأجْلبُ في الاتّباع، وأبعد من تنفّر الطباع؛ ولهذا يجب تنزّههم عن العيوب والنّقائص الخُلُقيّة كالخلقيّة، فإنّه أيضاً في اللّطف أدخل، والطّباع له أقبل، فلا يجوز على الحكيم الإخلال به.

ثمّ إنّ العصمة على الوجه المقرّر عند الإماميّة من الممكنات الوقوعيّة، ولا سيّما أنّه قد تقرّر في المعقول أنّ اُصول المعجزات والكرامات بكمال القوى الثلاث النفسانيّة وقوتها وشرفها: القوّة المدركة للكليّات، والقوّة المدركة للجزئيّات، والقوة العمّالة؛ فيعلم جميع العلوم أو أكثرها بتأييد الله تعالى لا بتعلّم بشري، ويرى ملائكة الله، ويسمع كلام الله، ويطيعه مادّة الكائنات بإذن الله، ولكمالها([11]) وقوّتها وشرفها عَرضٌ عريض، ومنها يتفاوت درجات الكلّ: ﴿تِلك الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُم عَلى بَعْض([12]).

يتبع…

__________________________

([1]) القاموس المحيط 3: 53 ـ آل، نقلاً عن العين.

([2]) المحاسن 1: 143. الناصريات: 329.

([3]) الترقيم أولاً وثانياً و… من المصحّح.

([4]) الأنبياء: 26 ـ 28.

([5]) النحل: 5.

([6]) الانبياء: 19 ـ 20.

([7]) البقرة: 34.

([8]) أي أن المستثنى من غير جنس المستثنى منه.

([9]) القصّة بتفصيلها وتأويلها مذكورةٌ في الصّافي للعلاّمة الكاشي+ في ذيل تفسير آية: ﴿مَا أُنْزِلَ عَلَى الملَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ…﴾ في سورة البقرة، منه.

([10]) مثل ما قيل: إنّ «آدم»× حمل قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ﴾، على الشجرة الشخصيّة، لا النوعيّة. منه.

([11]) الأقسام تسعة بالإجمال؛ لأنّ القوى بالإجمال ثلاث، ولكلّ كمال وقوّة شدّة وتماميّة وشرف؛ فهذه تسعة. منه.

([12]) البقرة: 253.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة