شرح دعاء الصباح 19

img

﴿وَالثّابِتِ القَدَمِ على زَحاليفِها فِي الزَّمَن الأَوّل﴾

«الزّحاليف»: جمع الزّحلوفة، وهي مكان منحدر مملس. وفي مجمع البحرين ـ بعد ذكر معناها قال ـ: و«منه في وصف النبيّ|: الثابِت القدمِ على زحاليِفها في الزّمَنِ الأوّلِ، أي قبل النبوّة. والضّمير للدّنيا وإن لم يجرِ لها ذكرٌ؛ لمعلوميّتها. وفي الكلام استعارة»([1]) انتهى.

أقُول: الأظهر أن يرجع الضمير إلى «القدم»، كما يقال: «مَزالّ الأقدام». وقد قيل: كلّما كان من الأعضاء زوجين ففيه تأنيث. ولَيْتَ شِعري كيف لم يتفطّن له مع ظهوره؟

وكلمة «في» متعلّقة بـ«زحاليفها»، أي هو| ثابت القدم في المزالّ الّتي كانت في أوائل الإسلام في إعلان كلمة الله، وإحياء دينه؛ إذ لم ينضج بعد، وإلّا فثبات قدمه في تحمّل أعباء النبوّة كما أمره ربّه بقوله: ﴿فاستَقِمْ كَما اُمِرتَ([2]) ليس موقّتاً، قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ الله الَّذينَ امَنُوا بالقَولِ الثابِتِ في الحَيوةِ الدُّنيا وَفي الآخِرَةِ﴾([3]). «اللهمَّ يا مُقَلّبَ القُلُوبِ وَالأبصارِ، صَلّ عَلى مُحمَّد وَآلِهِ الأطهار، وثَبَّتْ قلبي عَلى دينِكَ ودينِ نبيّك، ولا تُزِغْ قَلبي بَعدَ إذْ هَدَيْتَني، وَهَبْ لِي مِن لَدُنك رَحْمَةً إنّك انَتَ الوهّابُ».

أو متعلّقةٌ([4]) «بالثّابت» وذلك بوجهين:

أحدهما: أن يكون من باب القياس الأَولوي؛ فإنّه| إذا كان ثابت القدم في بَدْو الإسلام، كان كذلك بعده وحين نضجه بطريق أَولى، كدلالة قوله تعالى: ﴿لا تَقُلْ لَهُما اُفٍّ﴾([5])، على مثل: «لا تَضْرِبْهُما»([6]).

وثانيهما: أن يكون المراد بالزّمن الأوّل: معهد الأزل يوم «أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ» وهو أوّل من أقرّ؛ فالمعنى: أنّ ثبات قدمه| على الزّحاليف منذ عهد الأزل، وقد طبق الآخر على الأوّل، فظهر فيما لا يزال ما قضى في الأزل، وبرز في العين والكون ما كمن في العلم والثبوت.

تَلَوِيحٌ لَوحيٌّ وَتَعلِيمٌ قَلَميٌّ لتأويلِ ثَباتِ قَدَم خاتَميّ

كما كان| ثابت القدم في الزّحاليف العمليّة، كان ثابت قدم الذهن في الزحاليف العلميّة؛ إذ قبلته بين المشرق والمغرب([7])، وشجرةُ زيتونة وجوده المبارك لا شرقيّة ولا غربيّة. فجمع بين الوحدة والكثرة بحيث لا يصيبك حرّ نار الوحدة، ولا برد زمهرير الكثرة، ولا تشريك التركيب. وجمع بين التّنزيه والتّشبيه بحيث لا يقربك أنوثَة التّشبيه، ولا ذُكُورة التّنزيه، ولا خُنُوثة التركيب، بل على وجه يعرفه الرّاسخون في العلم. وتأويلُ الزّمن الأوّل حينئذٍ؛ إمّا النشأة العلميّة([8]) السّابقة سبقاً سرمديّاً أو دهريّاً، وإمّا زمان قبل البعثة بأن يكون من باب مفهوم الموافقة. وسيأتي أنّ المحقّقين من الإماميّة يقولون بعصمته| علماً وعملاً قبل البعثة وبعدها.

ثمّ إنّ «الثابت القدم» و«النّاصع الحسب» من صنعة «المماثلة» كقوله تعالى: ﴿الكِتابَ المُستَبينَ * وَهَدَيناهُما الصِّراطَ المُستَقيمَ﴾([9]).

__________________________

([1]) مجمع البحرين 3: 251 ـ زحلف.

([2]) هود: 112.

([3]) إبراهيم: 27.

([4]) أي الحرف «في» في قوله×: «في الزمن الأول».

([5]) الإسراء: 23.

([6]) فإنّ لكلّ شيء زماناً، أو يجري مجراه؛ فالجاري مجراه في الحق تعالى وصفاته وأفعاله هو السّرمد، وفي المفارقات النّوريّة هو الدّهر بمراتبه، وفي الأشياء المتحرّكة هو الزّمان، وفي الآنيّات ظرف الزّمان. فالسّرمد كروح الرّوح، والدّهر كالرّوح، والزّمان كالجسد. فنسبة الأوعية وما يجري مجراها نسبة ذويها. منه.

([7]) أي مشرق الوحدة ومغرب الكثرة بخلاف اليهود؛ إذ قبلتهم المغرب، والنصارى؛ إذ قبلتهم المشرق؛ ولذلك غلب على أُولئك مراعاة كثرة الآداب والأحكام، وعلى هؤلاء الوحدة والخلوة والرّهبانيّة. منه.

([8]) من العناية والقلم واللّوح المحفوظ، ولوح المحو والإثبات. فكلّ شيء كان أولاً في العلم، وجاء منه إلى العين كما قيل:

اى گشاده در خزانه جود
سالها با تو بودم آسوده
خواستى آورى به عين از علم
ما شديم آينه جمال تو را
  يافته كائنات از تو وجود
فارغ از غصّه هاى بود ونبود
تا هويدا شوى به غيب وشهود
هر كه در ما جمال ديد آسود

منه.

([9]) الصافات: 117 ـ  118.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة