شرح دعاء كميل (8)

img

﴿وَبِعَظَمِتِكَ الّتي مَلَأَتْ كُلَّ شَيءٍ﴾

[ أفعال الله الحسيّة و فيه ذكر بيان معاني العرش ]

العظمة: الكبرياء، والتعظيم: التبجيل والتوقير، وعظمة الفاعل يظهر بعظمة فعله، ومن جملة أفعاله «الفلك الأقصى» الذي هو عرش الله تعالى، إذ للعرش اطلاقات أربع:

قد يطلق العرش ويراد به علمه المحيط.

و قد يطلق و يراد به الفيض المقدّس.

و قد يطلق و يراد به عالم العقل.

وقد يطلق ويراد به الفلك الأطلس.

ولمّا كان هو من حيث الكميّة والكيفيّة أعظم الأجسام، وصفه تعالى بالعظمة في كلامه المجيد، وقال: ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ([1]). وخصّه بالذكر؛ إذ جميع الأجسام مشمولة، وهو محيط بجميعها.

ومن جملة الأجسام: الفلك الثامن الذي يسمّى بـ«الكرسي»، ويشتمل على كرات وأجرام منيرة وكواكب مضيئة.

[مقدار عظم الكواكب الثّابتة و السيّارة]

وقد حُدّد في علم الهيئة أنّ أعظم الثوابت المرصُودة مقدار جرمه مأتان واثنان وعشرون مثل مقدار جرم الأرض، وأصغرها مقدار جرمه ثلاثة وعشرون مثل مقدار جرم الأرض، وأنّ مقدار جرم زحل من الكواكب السيّارة  اثنان وثمانون مثل مقدار جرم الأرض، ومقدار جرم المشتري مأة وثمانون مثل مقدار جرم الأرض، وأنّ مقدار المرّيخ ثلاثة أمثال مقدار الأرض، ومقدار جرم الشمس ثلاثمأة وستة وعشرون مثل مقدار الأرض.

وهكذا سائر الثوابت والسيّارات التي قد حُدّدت مقاديرها، ولا يعلم عددها إلّا هو، وكذا طبقات الأرض، من الطينيّة و الصرفة، والطبقة التي صارت مسكن المواليد الثّلاثة.

[أفعال الله المعنويّة]

وسائر المركّبات كلّها فعل، إما من أفاعيله ـ سبحانه ـ الحسيّة، وإمّا أفعاله المعنويّة من العقول والنفوس، والصور البرزخية التي لا يعلم حسابها إلّا الله تعالى. بل من جملة أفعاله الحسية والمعنوية معاً خلقة الإنسان الذي هو جالسٌ بين الحدّين، وجامع للحُسنيين، وواسطة بين الأقليمين، الذي فؤاده بيت يتراءى فيه جميع أفعاله تعالى، من السماء والسماوي، والأرض والأرضي، بل كلّ إنسان مع ما في قلبه في قلب الأناسي الاُخر.

وبالجملة: فبهذه يظهر عظمة الله تعالى، والوجود المنبسط الذي قد مرّ أنّه صنع الله وفعله، طبّق وملأ تجاويف الأشياء، وهو كخيط ينظم شتاتها، وجامع([2]) متفرّقاتها، بحيث لا يعزب عن حيطته شيء. وقد مرّ أنّه في العقل عقل، وفي النفس نفس، وفي الجوهر جوهر، وفي العرض عرض، وبذاته لا شيء منها.

ليس الوجود جوهراً ولا عرض                عند اعتبار ذاته بل بالعرض([3])

 يتبع…

_______________________

([1]) النمل: 26.

([2]) في هامش المخطوط: «يجمع ظ».

([3]) شرح المنظومة (للسبزواري) 2: 172.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة