شرح دعاء كميل (٦)

img

﴿وَبِجَبَروتِكَ الّتِي غَلبَتَ بِهَا كُلَّ شَيء﴾

[وجه تسمية عالم العقول بالجبروت]

جبروت: فَعَلُوت، من الجبر، وهو تعالى جبّار؛ لأنّه يجبر نقائص الممكنات بإفاضة الخيرات عليها، ويكسو العناصر صور المركبّات، فيجبر نقصانها. وخصّ استعمالها بعالم العقول، طوليّة كانت أو عرضيّة، صعوديّة كانت أو نزوليّة.

[وجه تسمية عالم الأسماء و الصفات باللّاهوت]

كما أنّه خصّ استعمال «اللّاهوت» بعالم الأسماء والصّفات، أي عالم الواحديّة، وهو المسمّى في لسان الشرع الأنور بـ«الأفق الأعلى» و«الأفق المبين»، وهو مقام: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾([44]). وهو منتهى سير السالكين العارفين، وكان مقام نبيّنا محمّد‘ ،وإلى ذلك المقام أشار جبرئيل بقوله: «لو دنوت أنملة لاحترقت»([45])، كما قيل:

احمد ار بگشايد آن پر جليل  تا ابد مدهوش ماندجبرئيل([46])

[وجه تسمية عالم المثال بالملكوت]

وخصّ  استعمال «الملكوت» بعالم الباطن من عالم المثال الأعلى والأسفل، أي عالم النفوس مطلقاً وعالم الصور الصرفة، وبإصطلاح حكماء الإشراق([47]): عالم المُثل المعلّقة.

[وجه تسمية عالم الأجسام بالنّاسوت]

وخصّ استعمال «الناسوت» بعالم الطبائع، أي عالم الجسم والجسماني، وبعبارة اُخرى: عالم الزمان والزمانيّات.

كما أنّ «الملكوت» يطلق على عالم الدّهور أيضاً، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾([48]).

فليعلم أنّ أوّل ما صَدَر من الحقّ الحقيقي هو العقل الأوّل، والممكن الأشرف الأجلّ، كما قال‘: «أوّل ما خلق الله تعالى العقل»([49])، وبرواية اُخرى: «أوّل ما خلق الله نورى»([50])، و«روحى»([51]). وهو المسمّى في الكتاب الإلهي والفرقان السّماوي بـ«اُمّ الكتاب» كقوله تعالى: ﴿وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾([52])، و بـ«القلم» كقوله: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾([53]).

فهو لاشتما له على جميع الحقائق؛ لكونه بسيط الحقيقة، جامعاً لكمالات ما دونه بنحو اللّف والجمع، سُمّى بـ«اُمّ الكتاب»؛ إذ الاُمّ بمعنى الأصل، فهو أصل جميع الكتب ومنبعها، وكتابيّته باعتبار ماهيّته.

كما أنّ عالم العقول بهذا الاعتبار سُمّى بـ«الأرض البيضاء»، كقوله×: «إنّ لله أرضا بيضاء مشحونة خلقاً، يعبدون الله ويسبّحونه ويهلّلونه، ولا يعلمون أنّ الله خلق آدم ولا إبليس»([54])؛ وذلك لأنّ الوجود المنبسط والرحمة الواسعة تختلف أسماؤه باعتبارات شتّى [في] نفس الأمريّة، فإنّه مضافاً إلى الله تعالى إيجاده وصنعه كما مرّ، ومضافاً إلى الماهيّة وجودها، ومن حيث إنّه كالقلم بين أصابع الرّحمن يكتب على صفحات القوابل: «قلم»، ومن حيث المثبت في الألواح العالية من اللوح المحفوظ ولوح القدر «كتابة» كما قيل:

به نزد آنكه جانش در تجلّی است
عرض اعراب وجوهر چون حروف است

ازو هر عالمي چون سوره اي خاص همه عالم کتاب حق تعالی است
مراتب همچو آياتُ وقوف است
يکی زان فاتحه و آن ديگر اخلاص([55])

ومن حيث كونه علّة مؤدّية لوجود المقضي: «قضاء»، و من حيث إنّه يعيّن شكل المقضي و يقدّر مقداره: «قدر».

وبالجملة: من حيث إنه كلمة «كن» الوجوديّة: ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾([56]).

ثمّ صدر بتوسّطه العقل الثّاني، ثمّ الثالث، إلى العاشر، وهو المسّمى عند الحكماء([57]) بـ«العقل الفعّال»، وعند العرفاء([58]) بـ«روح القدس»، وفي لسان الشّرع الأطهر بـ«جبرئيل».

وهذا التّرتب العلّي بين العقول العشرة على طريقة حكماء المشّائين([59])، وأمّا على مذهب الإشراقييّن([60]) لا ترتّب بينها، بل هي عندهم متكافئة، ولا نهاية لها.

والعرفاء يسمّون العقول: أرباب الأنواع، فالجبروت اسم لذلك العالم جملة.

فقد عُلم ـ بما ذكر ـ أنّ وجود العقول غالب ومقدّم على كلّ شيء؛ لأنّه أصل في التحقّق والجعل، فهو غالب على جميع الماهيّات، وقاهر عليها بالحقّ بعد الحقّ، فهو تعالى إذا كان بجبروته ـ الّتي هي عالم من عوالمه ـ قاهراً على الأشياء، فمقهوريّة الكلّ تحت نور ذاته ظاهرة لا خفاء فيها ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾([61]).

الهوامش

([44]) النجم: 9.

([45]) مناقب آل أبي طالب 1: 155. بحار الأنوار 18: 382/ 86.

([46]) انظر: شرح مثنوي (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 431.

([47]) رسائل شيخ إشراق 2: 230.

([48]) الأنعام: 75.

([49]) عوالي اللئالي 4: 99/ 141. بحار الأنوار 1: 97/ 8.

([50]) عوالي اللئالي 4: 99/ 140. بحار الأنوار 1: 97/ 7.

([51]) شرح أصول الكافي 12: 12. بحار الأنوار 54: 309.

([52]) الرعد: 39.

([53]) القلم: 1.

([54]) عوالي اللئالي 4: 100/ 144. مختصر بصائر الدرجات: 12. باختلاف فيهما.

([55]) انظر: شرح الأسماء الحسنى (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 150 ـ 151.

([56]) إبراهيم: 24.

([57]) انظر: شرح الأسماء الحسنى (حاج ملا هادي السبزواري) 2: 34.

([58]) الإنسان الكامل 2: 8.***

([59]) انظر: كتاب المشارع والمطارحات (ضمن مجموعة مصنفات شيخ الإشراق) 2: 450.***

([60]) انظر: كتاب حكمة الإشراق (ضمن مجموعة مصنفات شيخ الإشراق) 1: 139 ـ 140.***

([61]) الأنعام: 18.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة