شرح دعاء كميل (٤)

img

﴿وبقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيء﴾

المراد بالقوّة: القدرة، لا استعداد الشيء، كالتي هي قسط الهيولى من مطلق الكمال، كما عرفت بأنّها جوهر بالقوّة المحضة، جنسها مضمّن في فصلها، وفصلها مضمّن في جنسها.
[القوى العشرة الظاهرة و الباطنة]
ولا من سنخ القوى العشر التي أودعها الله تعالى في الإنسان، سبعة منها مدركة للجزئيات، وهي: الواهمة المدركة للمعاني، والحسّ المشترك، والباصرة، والسامعة، والذائقة، والشامّة، واللامسة. وإثنتان منها هما المحرّكة: محرّكة العاملة ومحرّكة الشوقيّة. وعاشرها: العقل، أي العاقلة، وهي المدركة للكليّات، وهي منشعبة إلى أربع قوى:
[انشعاب العقل الى أربع قوي]
أحدها: هي القوّة الغريزيّة التي يستعدّ بها الإنسان لادراك العلوم النظريّة، ويفارق بها البهائم، فكما أنّ الحياة تهيّئ الجسم للحركات الإرادية والإدراكات الحسيّة، فكذا القوة الغريزية تهيّئ الإنسان للعلوم النظريّة والصناعات الفكرية.
الثانية: قوّة يحصل بها العلم بأنّ الإثنين مثلاً أكثر من الواحد، والشخص الواحد لا يكون في زمانين ومكانين.
والثالثة: قوّة تحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجارى الأحوال.
والرابعة: قوّة بها يعرف الإنسان عواقب الأمور، فيقمع الشهوة الداعية إلى اللذّة العاجلة، ويتحمّل المكروه العاجل لسلامة الآجل.
فإذا حصلت تلك القوى سمّى صاحبها: عاقلاً، فالأُولى والثانية حاصلة بالطبع، والثالثة والرابعة حاصلة بالإكتساب.
وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين× بقوله:
«رأيت العقل عقلين                  فمطبوع ومسموعُ
ولم ينفعك مسمـوع                   إذا لم يك مطبــوعُ
كما لا تنفع الشّمس                    وضوء العين ممنوعُ»([38])
وإنّما لا يجوز اطلاق القوّة بهذه المعاني على الله تعالى؛ إذ جميع ذلك استعدادات وإمكانات وانفعالات وإن نعدّها وجودات، فكانت من جملة قدرته الفعليّة التي سنفصّل لك ونبيّن أن جميعها جهات قادريّته تعالى.
بل القدرة ـ كالعلم ـ ذات مراتب، ومرتبة منها هي الواجبة بذاتها، وهي قدرته الذاتية. ومرتبة منها عين الوجود المنبسط، وهي قدرته الفعليّة.
وجميع الأشياء مقدروات لله تعالى بهذه القدرة الفعليّة، وانقهارها استهلاكها واضمحلالها تحتها؛ لأنّها بذواتها ليست أشياء على حيالها، ولهذا ورد عن الشرع الأنور: «لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم».
وقوله: ﴿وبقوتك الّتي قهرت بها كلّ شيء﴾ أي بقوّتك الفعليّة التي هي تحت قدرتك الذاتيّة التي قهرت بها جميع المقدورات. والباء في قوله: «بها» سببيّة، أو بمعنى: مع.

الهوامش

([38]) نهاية الأرب في فنون الأدب 3: 234.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة