البشارة لطلّاب الاستخارة (2)

img

إشارات حول الاستخارة

الإشارة الأولى: في معنى الاستخارة وحقيقتها اللغويّة

الاستخارة: مشتقة من (الخير) ومعناها الدعاء بالخير.

قال ابن الأثير في (نهايته) : (الاستخارة طلب الخيرة في الشي‏ء، ومنه دعاء الاستخارة: “اللهمّ خر لي”(8)، أي: اختر لي أصلح الأمرين واجعل لي الخيرة فيه. والخيرة – بسكون الياء – اسم من قولهم: خار اللَّه لك، أي: أعطاك ما هو خير لك. وأمّا الخيرة- بفتح الياء- فهي اسم من قولك: اختاره اللَّه(9).

وقال الطبرسي – عند تفسير قوله تعالى في سورة القصص: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ﴾(10) [الخيرة]: اسم من الاختيار واسم من المختار؛ ويجوز التخفيف فيهما(11)، هذا محصّل كلامه.

وقال الإمام العلّامة محمّد بن إدريس العجلي – قدّس اللَّه روحه – في كتابه ‏المترجم بـ(السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي) : (الاستخارة في كلام العرب: الدعاء، وهو من استخارة الوحش، وذلك أن يأخذ القانص ولد الظبية فيعرك اُذنه، فيبغم، فإذا سمعت اُمّه بُغامه أتته ورمت بنفسها عليه، فيأخذها القانص. ومنه قول‏ حميد بن ثور، وذكر ظبية وولدها لمّا أخذه القانص:

رأت مستخيراً فاستزال فؤادها       بمحنية تبدو لها وتغيب

أي: رأت داعياً، فكان معنى: استخرت اللَّه: استدعيته إرشادي(12). انتهى كلامه.

الإشارة الثانية: الرجوع إلى الاستخارة في أفعاله ليعدّ من أهل السعادات في ‏أحواله

قال اللَّه سبحانه وتعالى شأنه: «من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني« (13).

وروى ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن محمّد بن‏ مضارب قال: قال أبو عبد اللَّه‏ عليه السلام: “من دخل في أمر بغير استخارة ثم ابُتلي لم‏ يؤجر”(14). وهذان الحديثان أوردهما البرقي في (محاسنه)، وهما صريحان في ‏عموم الاستخارة.

وذكر الطوسي ‏رحمه الله في (أماليه) عن علي ‏عليه السلام قال: “لمّا ولاّني النبيّ‏ صلى الله عليه وآله على اليمن‏ قال لي وهو يوصيني: يا علي ما حار من استخار، ولا ندم من استشار”(15).

وروى البرقي في (محاسنه)، والكليني ثقة الإسلام في (الكافي) والشيخ في(التهذيب) عن عثمان بن عيسى قال: حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي ‏جعفر عليه السلام قال: “كان علي بن الحسين‏ عليه السلام إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة، أو بيع أو شراء، أو عتق؛ تطهّر ثمّ صلّى ركعتي الاستخارة، فقرأ فيهما سورة الرحمن والحشر والمعوذتين و«قل هو اللَّه أحد» ثمّ قال: اللهمّ إن كان كذا وكذا خيراً لي في ديني ‏ودنياي وآخرتي وعاجل أمري وآجله؛ فيسّره لي على أحسن الوجوه وأجملها، وإن كان كذا وكذا شراً لي في ديني ودنياي وآخرتي وعاجل أمري وآجله؛ فاصرفه عنّي على أحسن الوجوه؛ ربّ أعزم عليَّ رشدي وإن كرهتُ ذلك وأبته‏نفسي”(16).

وهذا الحديث أيضاً بعون اللَّه وتوفيقه صريح في الاستخارة في المندوبات‏ والمباحات، والأمور الراجحات على بعض الحالات.

من (المكارم) : برواية أخرى عن أبي جعفر محمّد بن علي ‏عليها السلام قال: “كان علي بن‏ الحسين‏ عليه السلام إذا عزم بحجّ أو عمرة أو عتق أو شراء أو بيع، تطهّر وصلّى ركعتي ‏الاستخارة وقرأ فيهما سورة الحشر والرحمن، فإذا فرغ من الركعتين استخار اللَّه ‏ماءتي مرّة، ثم قرأ ﴿قل هو اللَّه أحد﴾ والمعوذتين، ثم قال: اللهمّ إنّي قد هممت ‏بأمر قد علمته، فإن كنت تعلم أنّه خير لي في ديني ودنياي وآخرتي [فأقدره لي، وإن كنت تعلم أنّه شرّ لي في ديني ودنياي وآخرتي] فاصرفه عنّي، ربّ أعزم لي‏ على رشدي وإن كرهت أو أحبّت ذلك نفسي، ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، ما شاء اللَّه لا حول ولا قوة إلّا باللَّه، حسبي اللَّه ونعم الوكيل، ثمّ يمضى ويعزم” (17).

وقال الصادق ‏عليه السلام: “ما أبالي إذا استخرت [اللَّه] على أيّ طرفي(18) وقعت”(19).

____________________

 (8) فتح الباري11 :156، كنز العمال 17148/631 :6.

(9) النهاية (ابن الأثير) 91 :2- خير.

(10) القصص: 68.

(11) مجمع البيان 453:7.

(12) السرائر 314 :1.

(13) المحاسن 3/598 :2، وسائل الشيعة 79 :8، أبواب صلاة الاستخارة، ب7،ح2.

(14) المحاسن 4/598 :2، وسائل الشيعة 79 :8، أبواب صلاة الاستخارة، ب7، ح1.

(15) الأمالي (الطوسي) : 220/136، وسائل الشيعة 78 :8، أبواب صلاة الاستخارة، ب5،ح11.

(16) المحاسن 3505/434 :2، الكافي 2/470 :3، تهذيب الأحكام 408/180 :3،وسائل الشيعة 63 :8، أبواب صلاة الاستخارة، ب 1، ح3، بتفاوت فيها.

(17) مكارم الأخلاق 2300/105 :2.

(18) في المصدر: «جنبي» بدل «طرفي».

(19) فتح الأبواب: 160، وسائل الشيعة 67 :8، أبواب صلاة الاستخارة، ب1، ح10.

يتبع…

الكاتب الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

مواضيع متعلقة