عصاب الوسواس

img

المرض النفسي أو العصاب:

هو اضطراب وظيفي في الشخصية يبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة منها القلق، الوساوس، الأفكار المتسلطة، المخاوف الشاذة، التردد المفرط والشكوك التي لا أساس لها وأفعال قسرية يجد المريض نفسه مضطراً إلى أدائها بالرغم من إرادته.هذا هو المرض النفسي من حيث أعراضه، أما من حيث هدفه فهو محاولة شاذة لحل أزمة نفسية مستعصية.

إن العصابي لا تكفيه الحيل الدفاعية المعتدلة في خفض ما لديه من قلق، لذا يلجأ إلى الإسراف فيها طمعاً في استعاذة توازنه. وليست هذه الحيل المنشطة إلا أعراض المرض. ومنه الأمراض نفسية الهستيريا وعصاب القلق وعصاب الوسواس وغيرها.
من الأعراض البارزة لعصاب الوسواس والاندفاعات القسرية.

أولاً: الوسواس: فهو فكرة أو شعور متسلط يلازم الفرد كظله فلا يستطيع منه خلاصاً مهما بذل من جهد ومهما حاول إقناع نفسه بالعقل والمنطق، هذا مع اعتقاده بسخف هذه الفكرة أو الشعور، أو تعارضهما مع الأخلاق والقانون.

أما الاندفاع القسري: فهو ميل قسري لا يقاوم إلى أداء بعض الأعمال وتكرارها على الدوام، حتى أن إدراك الفرد أنها حمقاء أو غير مستحبة. من هذه الاندفاعات والإسراف في غسل اليدين بالماء والصابون أو بالكحول كلما لمس الوسواسي كتاباً أو باباً أو صافح شخصاً، ومنها: التأكد قبل النوم مرات عديدة متتالية من أن الباب مقفل، ومنها: أن ينطق الفرد بألفاظ وعبارات معينة.

ثانياً: يتمثل عصاب (التسلط القهري) في تسليط أفكار معينة على ذهن المريض بحيث لا يقوى على مقاومتها، أو تسليط (لفظي) لبعض المفردات والتراكيب، أو سلوك (عملي) مثل القيام ببعض الأفعال.

غير أن الوسواسي يجد راحة في القيام بهذه الأعمال، ولو منعناه من أدائها اشتد به التوتر والقلق، أو كأنها حيل دفاعية تدرأ عنه ما يعانيه من شعور شاذ بالذنب وتوتر نفسي موصول.

ويعد هذا (التسط) إفصاحا عن الحاجة إلى عقاب الذات، بصفة أن التسلط هو (إنزال عقاب) بها يخفض المريض ـ من خلاله ـ أحاسيسه اللاشعورية بالذنب.

والملاحظ أن الوسواسي يكون في العادة من ذوى الحساسية الخلقية المرهفة؛ مما يشير إلى أنه يلقى عنتاً شديداً من ضمير صارم يجعله شديد الحساب لنفسه على كل شيء يفعله، ومن هنا كانت مغالاته في التدقيق والاهتمام بالتفاصيل، ومراعاة النظام والمواعيد، والتردد حيال كل قرار يتخذه، والتهرب من الأعمال التي تتطلب البت السريع. وبعبارة أخرى: فالوسواسي شخص يعاني عقدة ذنب، ونحن نعلم أن من يعاني عقدة الذنب يكون في حاجة ملحة موصولة إلى ((التفكير)) و((عقاب الذات)) حتى يتخفف من وخز ضميره الصارم الأرعن.

والمشاهد أن أغلب الأعراض في هذا المرض تتسم بطابع التفكير وعقاب الذات. فالإسراف في غسل اليدين يقترن عادة بخوف شاذ من القذارة والتلوث مما يمكن تفسيره بأن هذا الاغتسال تطهير رمزي لدوافع ورغبات آثمة مكبوتة، وبذا يكون الاغتسال حيلة تفكيرية للتخفف من شعور خفي بالذنب. أما عقاب الذات فيبدو في أن المصابين بهذا المصاب يميلون إلى حرمان أنفسهم من مباهج الحياة، ومن الظفر بنعيم في متناول أيديهم، أو يسرفون في إقامة الشعائر والعبادات، أو ينسحبون من الحياة وينقطعون للتنسك.

إن النصوص الإسلامية طالما تشير إلى ظاهرة مرضية تطلق عليها اسم (الوسوسة)، كما تحفل هذه النصوص بوقائع معينة، تشير من خلالها إلى بعض النماذج المرضية في ممارسات العمل العبادي، هذا فضلا عن أننا طالما نشاهد أفرادا تغلفهم السّمة المذكورة، فيما تبدو وكأنها على صلة بعصاب التسلط، من نحو تطهير اليد أو الملبس والمكان عدة مرات، ومن نحو تكرار النّية أو الوضوء، وسواهما.
إن مثل هذه الممارسات، تشير النصوص الإسلامية إلى طابعها المرضي، وتعفي الأشخاص من تحمّل مسؤولية ذلك.

بيد أن السؤال: هل ثمة من صلة حقاً بين الأفعال القهرية المذكورة، وبين الإحساس بالذنب؟

إننا إذا أخذنا الإحساس بالذنب «بمعناه العبادي لدى الراشد»، فحينئذٍ يكتسب مثل هذا الإحساس طابعا إيجابياً.

وإذا أخذناه بنظر اعتبار أن النصوص الإسلامية قد تربط بين عقاب السماء على الخطيئة، وبين (الأمراض) التي تصيب الشخصية، إلا أنها لا تصيب المؤمن بعقله، لأن الإصابة العقلية إصابة بدنية، أيضاً والتائب الراشد يظل بمنأى عن الإحساس المرضى بالذنب، مما يعني أن (الإصابة العقلية) لا تمسه بأية حال، إلا إذا افترضنا أن إصراره على الخطيئة هوالذي يستترل (العقاب) عليه. وحينئذٍ يكون الذنب مرتبطاً بمرحلة الرشد وليس بمرحلة الطفولة؛ لأن الطفولة لا عقاب عليها. هذا فضلاً عن أن أبحاث الأرض تربط بين الطفولة وانعكاساتها اللاشعورية، وليس بين مرحلة الرشد وانعكاساتها. كل ذلك يعني أن الصلة بين ممارسة الذنب ـ في طفولة الشخصية أو رشدها ـ وبين استيلائها عقاب السماء متمثلاً في (عصاب التسلط القهري، ومنه الوسوسة) لا يمكن تصوره ـ إسلامياً ـ ما دام الذنب طفولياً لا عقاب عليه، وما دام ـ في مرحلة الرشد ـ لا يعقبه الندم، أي لا يعقبه إحساس بالذنب؛ لأن غير التائب لا يتحسس بالذنب حتى يستجره إلى المرض المزعوم، بل يجيء المرض في حالة انعدام الإحساس بالذنب، مما يستجر عقاباً من السماء نتيجة لإصرار الشخصية على ممارسة الذنب. إذن لا صلة إطلاقاً بين الإحساس بالذنب (بمعناه العبادي) وبين عصاب التسلط القهري؛ بل تنحصر الصلة في انعدام الإحساس المذكور متمثلاً في (عقاب) تنزله السماء على الشخصية التي تمارس ذنوباً لا تندم عليها.

من هنا فإن النصوص الإسلامية (في ميدان العلاج) لا تربط بين الوسوسة (وهي أحد أشكال التسلط)، وبين أحاسيس الذنب بمعناها العبادي بل تصوغها عرضاً مرضياً من الممكن تجاوزه من خلال (الوعي) بسمته المرضية.

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾

الكاتب مها آل ضاحي

مها آل ضاحي

مواضيع متعلقة