أولياء الله

img

بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم صل على محمدٍ و آلِ محمدٍ و عجّل فرجهم الشريف ..

يا رسول الله عون .. يا أمير المؤمنين مدد .. يا سيدة النساء توفيق .. يا أبا محمد الحسن جود .. يا أبا عبدالله الحسين نظر .. يا سيدة النساء توفيق .. يا أبا صالح المهدي أغثني .. يا سادتي تسديد ..

 يا جواد الأئمة جُدْ ..

 وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  .

وقفة لغوية : فؤاد أم موسى .. لولا أن ربطنا على قلبها .. في الآية ورد ذكر فؤاد وقلب في سياق واحد ؟ فهل هما بمعنى واحد أم بمعنيين مختلفين ؟ وإذا كانا بمعنى واحد فلما لم يعبر الباري بأحدهما دون ذكر الآخر ؟؟ و إن كانا بمعنيين مختلفين فمالفرق بينهما.؟؟

الكلام حول القلب و الفؤاد طويل و متشعب .. خلاصته :

بالنظر لهذه الآية يُعلم أن بينهما فرق دقيق .. لأنه كما يقول الأصوليون أن ما يقوله يريده حقيقة .. إذا كل لفظ أتى ليدلنا على مراد الله جل و علا ..  فالمولى يريد ان يبين لنا أن الفؤاد يختلف ولو نسبياً عن القلب .. كذلك ورد عنه (عليه السلام) قال: «السّفرجل قوّة القلب وحياة الفؤاد ويشجّع الجبان» .. و نرى أن الحبيب عبر عن فائدتين مختلفتين للسفرجل .. منها ما يخص القلب و منها ما يخص الفؤاد .. وكذلك ورد عنه قوله : ( صلى الله عليه واله وسلم) : ((أهل اليمن أرق افئدة وألين قلوباً )) ، يقول ابن منظور في لسان العرب : أنه وَصَفَ القلوبَ بالرِّقة، والأَفْئِدَة باللِّين، وكأَنَّ القَلْبَ أَخَصُّ من الفؤَاد في الاستعمال، ولذلك قالوا : أَصَبْتُ حَبَّةَ قلبه، وسُوَيْداءَ قلبه ، ذكر الفؤاد والقلب وذكر الفؤاد بالرقّة وهي الشفافية الشيء الرقيق واللين للشيء السميك الذي له بُعد فالقلب ليّن والفؤاد رقيق .

في كتاب مجمع الفروق اللغوية قالوا : لم يفرق بينهما اهل اللغة ، بل عرَّفوا كلاً منهما بالآخر ، وقال بعض أصحابنا من أهل الحديث : الافئدة توصف بالرقة ، والقلوب باللين – وذكر الفؤاد بالرقّة وهي الشفافية الشيء الرقيق واللين للشيء السميك الذي له بُعد فالقلب ليّن والفؤاد رقيق – ، لأن الفؤاد : غشاء القلب : إذا رق : نفذ القول فيه وخلص إلى ما وراءه ، وإذا غلظ : تعذر وصوله إلى داخله ، وإذا صادف القلب شيئاً علق به إذا كان ليناً.

و يرى بعض اللغويين أن القلب والفؤاد بمعنى واحد، ويرى بعضهم أن أحدهما أخص من الآخر. وذكروا أيضا أن الفؤاد مرتبة من مراتب القلب .

بالعودة لجو الآية الكريمة .. أم و تلقي بيديها ابنها الوحيد في اليم .. كيف سيكون حالها ؟؟ كيف سيكون حال فؤادها إلا أن يكون مضطرباً يغلي كالمجمر .. لذلك يعبرون أن الفؤاد من التفؤد التوقّد و الإشتعال والحرقة يُقال : تَفأَّدَتِ النارُ : تَحَرَّقَتْ وتوقَّدَتْ .. القرآن في مقام وصف حالة شعورية و نفسية لأم موسى .. وأنها و الحال هذه لابد أن يكون هكذا حالها من الاحتراق و الاضطراب بحيث يبلغ بها الذهول درجةً لا تلتفت معها إلى ما سيصيبها وولدها من الخطر لو صرخت من أعماقها وأذاعت أسرارها .. هذا هو المتصور ..

لكن القرآن يقول : أصبح فؤاد ام موسى التي تعيش تلك الأجواء النفسية الخانقة فارغاً .. فارغاً من ماذا ؟ بعض المفسرين قالوا فارغاً من كل شيء سوى موسى .. إلا أن العلامة الطباطبائي له مذهب آخر في المقام :

و المراد بفراغ فؤاد أم موسى فراغه و خلوه من الخوف و الحزن و كان لازم ذلك أن لا يتوارد عليه خواطر مشوشة و أوهام متضاربة يضطرب بها القلب فيأخذها الجزع فتبدي ما كان عليها أن تخفيه من أمر ولدها.

و ذلك أن ظاهر السياق أن سبب عدم إبدائها له فراغ قلبها و سبب فراغ قلبها الربط على قلبها و سبب الربط هو قوله تعالى لها فيما أوحى إليها: «لا تخافي و لا تحزني إنا رادوه إليك» إلخ.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

و محصل معنى الآية و صار قلب أم موسى بسبب وحينا خاليا من الخوف و الحزن المؤديين إلى إظهار الأمر، لو لا أن ثبتنا قلبها بسبب الوحي لتكون واثقة بحفظ الله له لقربت من أن تظهر أمره لهم بالجزع عليه.

وهذا المعنى معاضد لما ورد في اللغة : ففي المعجم الوسيط و المغني .

فارغ الفؤاد : خال من الهمّ والحزن .

وهذا التفسير قد يكون هو الأقرب .. لأنه لو كان المعنى ام فؤاد ام موسى فرغ من كل شيء إلا من موسى وهمه فهذا سيبين في وجهها والحال أم مصر كلها كانت عيون لفرعون .. فكان بالإمكان افتضاح أمرها بسهولة .. لكن لتجري الأمور كما خططت لها يد القدرة الإلهية ولأجل حفظ هذا الوليد الواقع في يد الفرعون .. فإن الله تصرف في قلبها .. فأفرغه من كل هم و غم واشتغال بابنها .. فأصبح فؤاد أم موسى فارغاً .. مع أنه يفترض أن يكون محترقا مشتعلا بالحنين و الأنين ..

فيا سبحان الله العظيم .. القلب الذي يفترض أن يشتعل و يحترق و يضطرب و يحن ويأن يجعله جامداً ساكناً مطمئناً فارغاً .. والجامد الذي ظاهراً أنه لا حياة فيه يُسمع له حنين و أنين .. كما في قصة الجذع الذي كان يستند عليه الحبيب المصطفى في مسجده .. فلما تكاثر الناس استأذنه بعض الأصحاب في صنع منبر له .. فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع ، فتجاوزه إلى المنبر فصعده ، فلما استوى عليه حن إليه ذلك الجذع حنين الثكلى ، وأن أنين الحبلى ، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم ، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا.

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك نزل عن المنبر ، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده ، وقال : اسكن فما تجاوزك رسول الله صلى الله عليه وآله تهاونا بك ، ولا استخفافا بحرمتك ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم ، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله . فهدأ حنينه وأنينه ، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منبره ، ثم قال : معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين، ويحزن لبعده عنه، ففي عباد الله الظالمين أنفسهم من لا يبالي قرب من رسول الله أم بعد، ولولا أني احتضنت هذا الجذع، ومسحت بيدي عليه ما هدئ حنينه إلى يوم القيامة، وإن من عباد الله وإمائه لمن يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين منطويا أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله وكيف هدئ لما احتضنه محمد رسول الله ومسح بيده عليه؟ قالوا بلى يا رسول الله.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا إن حنين خزان الجنان، وحور عينها وسائر قصورها، ومنازلها إلى من توالى محمدا وعليا وآلهما الطيبين وتبرأ من أعدائهما لأشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله، وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم ما يرد عليهم من صلاة أحدكم معاشر شيعتنا على محمد وآله الطيبين أو صلاة نافلة أو صوم أو صدقة وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل بهم من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين، ومعونتهم لهم على دهرهم، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض: لا تستعجلوا صاحبكم فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان بإسداء المعروف إلى إخوانه المؤمنين.

هذه الحنين و الشوق و الذكر من خزان الجنان و حورها و قصورها .. لمن ؟؟ لمن توالى محمداً وآله و تبرأ من أعدائهما .. هل هذه فقط مرتبة الموالين لكم ياآل محمد .. يقول لا .. خذوا هذه البشارة من لسان المصطفى ..

ورد عن الحبيب المصطفى  أنه قال : طوبى للموالين عليا عليه السلام إيمانا بمحمد و تصديقا لمقاله، كيف يذكرهم الله بأشرف الذكر من فوق عرشه، وكيف يصلي عليهم ملائكة العرش والكرسي والحجب والسماوات والأرض والهواء وما ببين ذلك وما تحتها إلى الثرى وكيف يصلي عليهم أملاك الغيوم والأمطار وأملاك البراري و البحار وشمس السماء وقمرها ونجومها وحصباء الأرض ورمالها وسائر ما يدب من الحيوانات فيشرف الله تعالى بصلاة كل واحد منها لديه محالهم، ويعظم عنده جلالهم حتى يردوا عليه يوم القيامة وقد شهروا بكرامات الله على رؤوس الاشهاد، و جعلوا من رفقاء محمد وعلي عليهما السلام صفي رب العالمين.

والويل للمعاندين عليا كفرا بمحمد وتكذيبا بمقاله، وكيف يلعنهم الله بأخس اللعن من فوق عرشه، .,.. فيسفل الله بلعن كل واحد منهم لديه محالهم ويقبح عنده أحوالهم حتى يردوا عليه يوم القيامة، وقد شهروا بلعن الله ومقته على رؤوس الاشهاد، وجعلوا من رفقاء إبليس ونمرود وفرعون أعداء رب العباد.

هنا المرتبة العظمى : وإن من عظيم ما يتقرب به خيار أملاك الحجب والسماوات الصلاة على محبينا أهل البيت واللعن لشانئينا .. لم يقل : الصلاة علينا اهل البيت بل أن خيار أملاك الحجب أي من وصلوا لمراتب معرفية عالية علموا أن أعظم ما يُتقرب به لساحة المولى جل و علا هو الصلاة على محبي آل محمد و اللعن لشانئيهم فتمسكوا بهذا العمل الجليل و نالوا به الزلفى لدى باريهم ..

أي فضل أعظم من هذا الفضل .. وأي شرف أسمى من هكذا شرف ..

ورد عن أبي جعفر عليه السلام: ما تبغون أو ما تريدون غير أنها لو كانت فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم، وفزعنا إلى نبينا وفزعتم إلينا . بيان: ” ما تبغون ” أي أي شئ تطلبون في جزاء تشيعكم وبإزائه ” غير أنها ” أي أتطلبون شيئا غير فزعكم إلينا في القيامة؟ أي ليس شيء أفضل وأعظم من ذلك.

هذا كله ببركات و فيوضات انتسابنا و موالاتنا لساداتنا سادات الوجود وحجج المعبود .. أهل البيت كلهم بركة علينا .. لكن نجد مولانا الرضا يجعل خصوصية يميز بها صاحب هذه الليلة عن باقي الأئمة كما في رواية الكليني الواردة في الكافي الشريف : عن  أبي يحيى الصنعاني قال: (كنت عند أبي الحسن الرضا (ع) فجيء بابنه أبي جعفر (ع) وهو صغير فقال (ع): هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه).  و في رواية أخرى :

وروى الكليني أيضاً بسنده عن الأمام الرضا (ع) انه قال: (هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه). 

فلماذا امتاز مولانا الجواد بهذه البركة .. بحيث أن الإمام ينفي وجود مولود ولد وكان أعظم بركة منه .. والحال أنه بهذا ينفي أن يكون الرسول أو أمير المؤمنين أو أحد من أبائه المعصومين أعظم بركة منه لأنهم جميعاً ينطبق عليهم أنهم ولدوا في الإسلام ..

في جواب ذلك قالوا والله أعلم :

معنى البركة هو الخير الكثير والرزق الواسع، ولعل منشأ تميُّز الإمام أبي جعفر الجواد (ع) بسمة انَّه أعظم بركةً على شيعة أهل البيت (ع) هو انَّ الله عز وجل جعله وسيلة لاستدرار الرزق وقضاء الديون فأهل البيت (ع) وإنْ كانوا جميعًا وسائل لاستدرار الرزق وقضاء حوائج الدنيا والآخرة إلا انَّ الله تعالى -كما أفاد العلماء- خصَّ كل إمامٍ بما يتميَّز به، فمن أراد العافية مثلاً توسَّل بالإمام موسى بن جعفر (ع) ومَن أراد الأمان في الأسفار توسَّل بالإمام الرضا (ع) ومن أراد الانتقام من الظالمين توسَّل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ومن أراد النجاة من السلاطين ومعرَّة الشياطين توسَّل بالإمام زين العابدين السجاد (ع) وهكذا.  فجعل لكل إمام خصوصية معينة ..

وعليه فالإمام أبو جعفر الجواد أعظم بركةً على شيعة أهل البيت لأنَّ الله تعالى جعل التوسُّلَ به سببًا لاتِّساع الرزق والتحصيل لموفور الخير.

ويمكن تأييد هذا الذي أفاده عدد من العلماء الأفاضل بما أورده الشيخ الطوسي رحمه الله في كتابه مصباح المتهجد في أدعية الساعات، فقد أورد لكلِّ ساعةٍ من ساعات النهارَ الإثني عشرَ دعاءً وكان كلُّ دعاءٍ مشتملاً على توسٌّلٍ بأحد المعصومين الإثني عشر (ع) وقد اختص كلُّ معصومٍ بشأنٍ يُتوسل به إليه، فالتوسل لتحصيل العافية من الأسقام كان بالإمام الكاظم (ع) والتوسل لكفاية شئون الآخرة وأهوالها كان بالإمام الصادق (ع) وأما التوسل بالإمام الرضا (ع) فكان للأمن والنجاة في الأسفار، وأما التوسل بالإمام الجواد (ع) فكان للاستغناء وسعة الرزق .

وقد أرود العلامة المجلسي صاحب البحار رحمه الله دعاءً وأفاد انَّه متضمن للتوسُّل بكل واحدٍ من الأئمة (ع) لما جُعل له. فكان مما اشتمل عليه الدعاء:(وأسألك بحق وليك أبي جعفر الجواد (ع) إلا جُدت عليَّ به من فضلك وتفضَّلت عليَّ به من وسعك ما أٍستغني به عما في أيدي خلقك .. وبارك لي فيه وفيما لك عندي من نعمتك وفضلك ورزقك..).

فلذلك كان أعظم بركة على الشيعة لكونه بابا لسعة الأرزاق و التوسعة على الشيعة وهو أجلى مصداق ظاهري وحسي للبركة التي هي النماء و الزيادة  .. و البركة لا تقتصر على الرزق المادي .. بل كل رزق هو بركة .. قصة تنقل عن الإمام الجواد توضح هذا المطلب و تحتوي على مضامين عالية .. يُقال دخل رجل على الإمام الجواد  وكان مسروراً فقال له الإمام:

مالي أراك مسروراً؟ قال: يابن رسول الله سمعت أباك يقول أحقّ يوم بأن يسر العبد فيه يوم يرزقه الله صدقات ومبرات وسد خلات من أخوان له مؤمنين فإنه قصدني اليوم عشرة من إخواني ]المؤمنين[ الفقراء لهم عيالات، قصدوني من بلد كذا وكذا فأعطيت كل واحد منهم، فلهذا سروري.

فقال محمد بن علي سلام الله عليه: لعمري انك حقيق بأن تسرّ إن لم تكن أحبطته أو لم تحبطه فيما بعد.

فقال الرجل: وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلّص؟

قال: هاه قد أبطلت برّك بإخوانك وصدقاتك.

قال: وكيف ذاك يابن رسول الله؟

قال له محمد بن علي سلام الله عليه: أقرأ قول الله عزّ وجل: «يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى».

قال الرجل: يابن رسول الله ما مننت على القوم الذين تصدقت عليهم ولا آذيتهم.

قال له محمد بن عليه سلام الله عليه: أن الله عز وجل إنما قال: «لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى» ولم يقل لا تبطلوا بالمنّ على من تتصدقون عليه وبالاذى لمن تتصدقون عليه وهو كلّ أذى، أفترى أذاك للقوم الذين تصدّقت عليهم أعظم أم أذاك لحفظتك وملائكة الله المرقبين حواليك أم أذاك لنا؟

فقال الرجل: بل هذا يابن رسول الله.

فقال: فقد آذيتني وآذيتهم، وأبطلت صدقتك.

قال: لماذا.

قال: لقولك وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلّص؟ ويحك أتدري من شيعتنا الخلّص؟ قال: لا. قال: شيعتنا الخلّص حزقيل المؤمن مؤمن آل فرعون وصاحب يس الذي قال الله تعالى فيه: «وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى» وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار، أسوّيت نفسك بهؤلاء؟ أما آذيت بهذا الملائكة وآذيتنا؟ فقال الرجل: أستغفر الله وأتوب إليه. فكيف أقول؟

قال: قل أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم وموالي أوليائكم.

فقال: كذلك أقول وكذلك أنا يابن رسول الله، وقد تبت من القول الذي أنكرته، وأنكرته الملائكة فما أنكرتم ذلك إلا لإنكار الله عز وجل.

فقال محمد بن علي بن موسى الرضا سلام الله عليهم: الآن قد عادت إليك مثوبات صدقاتك، وزال عنها الاحباط.

اعرف مقامك ولا تدعي ماليس لك ..

معلوم ان العمل إذا أحبط فإنه لايُرد و لايُعاد .. مثاله كمن تعرض لحادث و تهشمت عظامه و تناثر لحمه .. هل يعود لما كان عليه .. محال .. إلا أنه ببركات الإمام الجواد .. – ببركات رزقه المعنوي الخفي – أعاد عمل هذا الرجل لصورته الحسنة الأولى وكأن شيئاً لم يكن ..

ويحك ؟؟ أتدري من شيعتنا الخلص ؟؟ هذا المقام العظيم للخواص وليس لكل أحد .. أنتم موالين و محبين ..

الشيعة الذين يقول فيهم الصادق عليه السلام كان يقول: والله إني لأحب ريحكم وأرواحكم ورؤيتكم .. هذا المقام الرفيع هو لأمثال علي بن مهزيار .. وليس لنا ..

علي بن مهزيار الذي لم يُرَ مثله في طاعته وتقواه ، وبلغ من عبادته إنه إذا طَلعت الشمس سَجد لله ، فلا يرفع رأسه من السجود حتى يدعو لألف رجل من إخوانه ، بمثل ما دعى لنفسه ، وكان على جبهته مثل ركبة البعير من كثرة السجود لله .

علي بن مهزيار كان مسيحياً ، فهداه الله إلى الإيمان ، فأسلم وأخلص في إسلامه كأشدّ ما يكون الإخلاص .  و كان عند الإمام الجواد بمنزلة عظيمة مما أفرد له كتاباً بخطه يذكره فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم يا علي أحسن الله جزاك ، وأسكنك جنته ، ومنعك من الخزي في الدنيا و الاخرة ، وحشرك الله معنا ، يا علي قد بلوتك وخيرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت : إني لم أر مثلك ، لرجوت أن أكون صادقا ، فجزاك الله جنات الفردوس نزلا ، فما خفي علي مقامك ، ولا خدمتك ، في الحر والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنه سميع الدعاء .
بعث الإمام الجواد ( عليه السلام ) إلى علي بن مهزيار عِدَّة رسائل ، وهي تكشف عن عظيم صلته بالإمام ( عليه السلام ) ، وسموِّ منزلته ومكانته عنده . ومن بين هذه الرسائل ،

قول ( عليه السلام ) : ( قد وصل إليّ كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وقد ملأتني سروراً ، فَسرَّك الله ).

ودلَّت هذه الرسالة على قيام علي بن مهزيار بخدمة الإمام ( عليه السلام ) ، وقد ملأت قلبه الشريف فرحاً وسروراً ، فراح يدعو له بأن يجزل له الله المزيد من الثواب والأجر .

 وكتب علي إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) رسالة ، يسأله التوسعة عليه ، وتحليله لما في يده من مال للإمام فأجابه ( عليه السلام ) : ( وسَّع الله عليك ، ولمن سألت له التوسعة في أهلك وأهل بيتك ، ولك يا علي عندي أكثر من التوسعة ، وأنا أسأل الله أن يصحبك بالتوسعة والعافية ، ويقدِّمك على العافية ، ويسترك بالعافية إنَّه سميع الدعاء ) . لقد احتلَّ علي بن مهزيار قلب الإمام ( عليه السلام ) بصلاحه وتقواه ، ومزيد خدماته له .

قال(عليه السلام): «وقد فهمت ما ذكرت من أمر القمّيين، خلّصهم الله وفرّج عنهم، وسررتني بما ذكرت من ذلك، ولم تزل تفعل، سرّك الله بالجنّة، ورضي عنك برضائي عنك، وأنا أرجو من الله حسن العون والرأفة، وأقول: حسبنا الله ونعم الوكيل».

قرأتُ في تراجم بعض أصحاب الإمام الجواد عليه السلام فلم أرَ فيمن قرات أحداً نال هكذا كرامة سواه .. و بالمثل قرأت في قصص لقاءات صاحب العصر و الزمان فرأيتُ لكلٍ فضل لكني لم أرَ شخصاً حاز من الكرامات و الفيوضات الخاصة من ولي العصر ما حازه سيد عظيم .. فإذا كان علي بن مهزيار قد نال شرف أن يخط له الإمام الجواد دعاء خاص فإن هذا السيد قد حضي بسماع دعوة خاصة له من إمام زمانه الغائب حين قال له أدع لي .. تبدأ القصة حين يفتح عينيه بعد أن يُغشى عليه من شدة العطش يفتحها فيرى رأسه في حضن شيخ جليل فيسقيه ماءً عذباً يقول لم أذق مثله طيلة عمري لحلاوته و عذوبته. يقول : وبعد الارتواء فتح مائدة وإذا فيها اثنان أو ثلاثة أقراص من الخبز .. أي ارتواء بعد هذا الارتواء الروحي المهيب .. يرى رأسه في حجر محبوبه ويسقيه بكفه ماء أليس هذا هو غاية المرام للمحب الواله : القرب من الحبيب و السقيا ..

هذا كله كان في أثناء زيارته للعسكريين  ثم بعد ذلك هذا السيد العظيم ذاته أثناء إقامته عند العسكريين  يبيت ليلة في السرداب المطهر فإذا هو بصوت جميل : سلم عليه وناداه باسمه ثم أوصاه بأمور خصه بها ثم قال السيد لصاحب الصوت الجميل والطلعة البهية  أدع لي يقول فرفع يده ودعا لي قائلاً : إلهي بحق النبي وآله وفق هذا السيد لخدمة الشرع وأذقه حلاوة مناجاتك ، واجعل حبه في قلوب الناس واحفظه من شر و كيد الشياطين سيما الحسد .

وفي ذات اللقاء يقول له الإمام أو كما يعبر هو السيد الحجازي : معي تربة سيد الشهداء وهي أصيلة من دون خليط .. بلى لاريب أن تكون أصيلة وتفوح منها رائحة الجنان فهي تراث ورثه هذا المحزون المثكول أباً عن جد .. يقول فأكرمني ببعض المثاقيل منها .. أتحفه ببعض تلك التربة التي عجنت بدم الشهيد .. أي فخر بعد هذا الفخر ..ليس هذا فقط بل وأعطاه خاتم عقيق يقول : لايزال معي وشوهدت له آثار عظيمة .. ومما أكد على تلاوة القرآن وصلاة الليل وقال : يا سيد أسفاً على أهل العلم أنهم يعتقدون بانتسابهم إلينا ولايديمون هذا العمل .. فلنعلم من نحن عند ولي الأمر .. هل نحن ممن تقر به عينه فيتحفه أم ممن يأسف لحالهم ويؤذيه .. وفي كرامة أخرى له من سيده أنه صلى خلف إمامه جماعة في زمان غيبته وانفرد بهذا الشرف وحده وذاق حلاوة الأنس ودنا في القرب أقول ربما عاش لحظات الملكوت ورآها عياناً .. أي شرف وأي فضل خُص به دون غيره هذا السيد العظيم الشأن أن يصلي صلاة مفروضة خلف إمامه .. لو لم يكن له من دنياه إلا هذا العمل المقبول لدخل به الجنة فكيف بما عرف عنه من فضائل و مناقب ..

لاريب أنكم عرفتم هذا العظيم أو تتحرقون لمعرفته .. صاحب هذا المقام الجليل هو السيد المرعشي النجفي .. واحسرتاه إذ غاب مثل هذا الولي عن دنيانا .. فلو كان معنا إذاً لأخذنا التراب من تحت أقدامه .. سيد كانت ملامح الصلاح فيه تنبلج من صغره .. كانت تطلب منه والدته أن يوقظ أباه فيصعب عليه أن يناديه فكان يمسح وجهه وخده بباطن قدم والده فيستيقظ والده بتلك الدغدغة اللطيفة من ولده البار فيرفع كفه مستبشراً فيدعو لولده بالتوفيق .. فنال من مقاماته الرفيعة مانال وزيد في توفيقه ببركات دعاء والديه ..

حقيق بنا أن نستعرض حياته ونبحثها فصلاً ففصلاً علنا نفهم كنه هذا العظيم .. وخذ العجب العجاب من حياته و وصيته .. في النجف أثناء طلبه للعلوم إلتقى بتسعة أخلاء على محبة الله وكان هو عاشرهم وكانوا جميعاً من طلبة العلوم الدينية منهم : السيد الحكيم والسيد الشاهرودي والسيد الخوئي اتفقوا على زيارة سيد الشهداء مشياً على الأقدام طوال فترة دراستهم وقد وفقوا لـخمسٍ وعشرين زيارة مشياً على الأقدام فحلي بركات المولى الحسين عليهم فأصبحوا جميعاً مراجع تقليد ومجتهدين عظام .

وإذا أردت أن تقيس عظيماً من العظماء أنظر لآخر كلماته تجده يلخص فيها حياته ويصب فيها عصارة ذاته .. خصوصاً إن كانت الوصية لأحبائه .. فانظر لهذا العظيم بماذا أوصى .. الأولى بنا أن ندرس وصيته لنعرف بماذا يجب أن نوصي نحن :

  • أوصى بأن تُدفن معه الخمرة أو السجادة التي صلى عليها 70 سنة صلاة الليل .. وعمره 83 إذاً منذ أن كان عمره 13سنة أدمن ورد الليل ونافلته لمثل هذا فليعمل العاملون ..
  • وأن تُدفن معه السبحة التربتية التي كان يستغفر بها في الاسحار ..
  • أن يُوضع تحت لسانه عقيق نقشت فيه الأسماء المقدسة الخمسة لأصحاب الكساء  وعقيق آخر نقشت فيه أسماء المعصومين ألأربعة عشر  .

هذا المرجع العظيم يمر بقارئ ينعى الحسين فيبكي الناس بكاءا شديدا و يصلون لحالة من التفاعل عجيبة فماإن ينتهي يقول له : هل أهديك ثواب صلاة الليل التي كنت أداوم عليها منذ كنت في الثالثة عشر من عمري على أن تهديني ثواب ما قمت به الآن من عمل .. هذا المرجع يعلم ما قدر البكاء على الحسين .. هذا البكاء يسر قلب فاطمة .. هذا القلب المنفطر على أبنائها ..

الكاتب أم أحمد مهدي

أم أحمد مهدي

مواضيع متعلقة