كيف نكون كاظميين

img

بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم صلِّ على محمدٍ و آلِ محمدٍ و عجّل فرجهم الشريف ..

يا رسول الله عون .. يا أمير المؤمنين مدد .. يا سيدة النساء توفيق .. يا أبا محمد الحسن جود .. يا أبا عبدالله الحسين نظر .. يا أبا صالح المهدي أغثني .. يا سادتي تسديد .. يا باب الحوائج ..

اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَر وَصِيِّ الاَْبْرارِ، وَاِمامِ الاَْخْيارِ، وَعَيْبَةِ الاَْنْوارِ، وَوارِثِ السَّكِينَةِ وَالْوَقارِ وَالْحِكَمِ وَالاْثارِ الَّذي كانَ يُحْيِي اللَّيْلَ بِالسَّهَرِ اِلَى السَّحَرِ بِمُواصَلَةِ الاْسْتِغْفارِ، حَليفِ السَّجْدَةِ الطَّويلَةِ، وَالدُّمُوعِ الْغَزيرَةِ، وَالْمُناجاةِ الْكَثيرَةِ، وَالضَّراعاتِ الْمُتَّصِلَةِ، وَمَقَرِّ النُّهى وَالْعَدْلِ وَالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ وَالنَّدى وَالْبَذْلِ، وَمَألَفِ الْبَلْوى وَالصَّبْرِ، وَالْمُضْطَهَدِ بِالظُّلْمِ، وَالْمَقْبُورِ بِالْجَوْرِ، وَالْمُعَذَّبِ في قَعْرِ السُّجُونِ، وَظُلَمِ الْمَطاميرِ ذِي السّاقِ الْمَرْضُوضِ بِحَلَقِ الْقُيُودِ، وَالْجِنازَةِ الْمُنادى عَلَيْها بِذُلِّ الاِْسْتِخْفافِ، وَالْوارِدِ عَلى جَدِّهِ الْمُصْطَفى وَاَبيهِ الْمُرْتَضى وَاُمِّهِ سَيِّدَةِ النِّساءِ بِإرْث مَغْصُوب وَوَلاء مَسْلُوب وَاَمْر مَغْلُوب وَدَم مَطْلُوب وَسَمٍّ مَشْرُوب، 

عـلى  الكاظم  أنوح بليل و نهار
و  أصب  الدمع شبه السيل  ونهار
جـسم  باب الحوايج ذاب  ونهار
مـسـجون  و جرع جاس  المنية

 وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَـمُوسَى (17) قَالَ هِىَ عصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَىْ

أحب الأمور للمحب أن يناجي حبيبه .. فكيف إذا كان الحبيب هو واهب الوجود .. هي محادثة ربانية خاصة .. و وسام فضل و شرف اختص الله به نبيه الكريم لتضاف لبقية الأوسمة التي جعلها الله لكليمه موسى .. هذا اللسان المبارك الذي حظي بهذه المنزلة كان له من العظمة والقداسة التي جعلته يحتج به حتى عند ملك الموت .. فكل ما يتصل بالعظيم يقتبس منه الرفعة والعظمة .. في رواية عن صادق الآل  :  إنه لما أتاه أجله و استوفى مدته و انقطع أكله أتاه ملك الموت فقال له السلام عليك يا كليم الله فقال موسى و عليك السلام من أنت قال أنا ملك الموت قال ما الذي جاء بك قال جئت لأقبض روحك فقال له موسى ع من أين تقبض روحي قال من فمك قال له موسى ع كيف و قد كلمت ربي جل جلاله قال فمن يديك قال كيف و قد حملت بهما التوراة قال فمن رجليك قال كيف و قد وطئت بهما طور سيناء قال فمن عينيك قال كيف و لم تزل إلى ربي بالرجاء ممدودة قال فمن أذنيك قال و كيف و قد سمعت بهما كلام ربي جل و عز قال فأوحى الله تبارك و تعالى إلى ملك الموت لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك .

 وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَـمُوسَى

دعونا نتأمل هذه المحادثة التي كانت سرا و لكن الله اطلعنا عليه ببركات الحبيب محمد ..

سؤال بسيط ولكنه مليء باللطف والمحبة .. كان من الممكن أن يكون السؤال : و ما تلك بيمينك ؟ لكن زيادة في التلطف و التقرب يناديه يا موسى .. و من المعلوم أن المحب يحب أن يسمع اسمَه يجري على لسان محبوبه .

فأجاب موسى:  قَالَ هِىَ عصايَ  ولما كان راغباً في أن يستمر في حديثه مع محبوبه ، لم يكتفي بقول :  قَالَ هِىَ عصايَ  مع أن السؤال كان عن هوية الشيء الذي بيمينه .. لم يسأله الله عن ما يصنع بها أو في ماذا يستخدمها فقط قال : ما تلك بيمينك .. فلماذا يأتي موسى بكل تلك التفصيلات .. يقولون : أراد أن يطيل مدة الحديث مع محبوبه الأقدس فأضاف:  أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى  أي أضرب بها على أغصان الشجر فتتساقط اوراقها لتأكلها الاغنام  وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَىْ  وأيضا هنا رغبة و شوق في مواصلة الحديث و إطالته أكثر و أكثر.. نفس هذه الجملة كأنها تنطق و تقول يارب اسألني أكثر و أكثر فلي أنس لا يُوصف بحديثك ..  وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَىْ  فمن المتوقع أن يأتي السؤال ماهي المآرب الأخرى فيكون له الأنس بلذة الحديث مع المحبوب .

أما ما تلك المآرب التي عناها موسى ؟؟ فالقول فيها يطول .. فقذ ذكروا لها من العجائب ما مفاده أنها كانت تغنيه عن كل شيء ..

حتى  قالوا فيها :

  • كان لعصا موسى شعبتان ، تضيئان له مد البصر ليلا .
  • وكان إذا أحتاج الماء أدلاها في البئر ، فجعلت تمتد إلى مقدار قعر البئر ، وتصير في رأسها شبه الدلو يستقي . وكان ( عليه السلام ) يشرب أحيانا من إحدى الشعبتين اللبن ومن الآخر العسل
  • وإذا احتاج إلى الطعام ضرب الأرض بعصاه ، فيخرج ما يؤكل منه .
  • وكان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الأرض فتغصنت اغصان تلك الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها ، وأثمرت له من ساعتها .
  • وإذا احتاج موسى إلى الطيب فاح منها الطيب حتى يتطيب ثوبه .
  • وكان يضرب على الجبل الصعب الوعر المرتقى فينفرج ، وإذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضربها عليه فانفلق .
  • وكانت تدله على الطريق وإذا كان في طريق فيه لصوص تكلمه العصا وتقول له خذ جانب كذا .

أي عظمة أوتي هذا النبي حتى صار كليم الله و حتى أوتي هذه العصا العجيبة التي تلبي له كل مطالبه .. لكن مع كل ما ذكرناه من فضل و عظمة لهذا النبي .. أنظروا بأبصار قلوبكم لروعة هذه الرواية و تأملوها فإنكم ستجدون ما يسركم : عن ال(صلى الله عليه وآله وسلم) من التمكين والفضل , فقال موسى: ربي اجعلني قائم آل محمد ,فقيل له : ان ذاك من ذرية احمد ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك , فقال مثله فقيل له مثل ذلك ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله فقال مثله ).

  • يقول المرجع العارف آية الله الوحيد الخراساني معلقاً على الرواية : فمع أن موسى أحد أنبياء أولي العزم وكليم الله تعالى  وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً  والمبعوث بالآيات التسعة  ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بينات  ومن ناداه الله تعالى وقربه لمناجاته  وَنـَدَيْنـاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنـاهُ نَجِيّاً  فأي مقام ومنزلة رآه في المهدي حتى تمناه ثلاث مرات . إن تمني موسى بن عمران لأن يبلغ منزلة المهدي لا يحتاج إلى الإثبات برواية أو حديث فإن إمامة المهدي لنبي من أولي العزم كعيسى بن مريم تكفي لأن يتمنى موسى مقامه .

إذا كان عيسى يصلي خلف الإمام فلاشك أن الإمام أفضل من عيسى لأنه لا يصح أن يتقدم المفضول على الفاضل ..

إذاً ذلك الفضل لنبي الله موسى و تلك العظمة لا تساوي شيء و لا تكاد تُذكر إن قيست بفضل مولانا .. بل أن ما حبي به من العصا هو مذخور لولي الامر  .. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كانت عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة ، أتاه بها جبرائيل لما توجه تلقاء مدين ، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية ولن يبليا ، ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم ( عليه السلام ) إذا قام .

و إذا كان إمام زماننا هو صاحب هذا الفضل العظيم .. فهل لنا من ذلك الفضل شيء ؟؟

يجيبنا الإمام الكاظم عن ذلك فيقول : طوبى لشيعتنا ، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ، ثم طوبى لهم ، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة » .

بلغ من الفضل أن يكرر الإمام الجملة ثلاث مرات .. طوبى لشيعتنا .. فطوبى لهم ثم طوبى لهم .. و أيضا يعضد هذا التأكيد بالقسم الذي هو من أقوى المؤكدات .. وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة ..

هذا الفضل لم يكون لكل من كان في زمن الغيبة .. هذا الفضل خاص بمن يتمتعون بالمواصفات التي ذكرها الإمام :

المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ..

و يالها من مواصفات و شرائط صعبة .. في هذه المطالب الثلاث تتلخص وظيفتنا في زمان غيبة إمام زماننا .. حين يقول المتمسكين بحبلنا .. يشير إلى صعوبة هذه المرحلة الحرجة .. كيف ؟؟ حين يسير الإنسان في طريق مظلم موحش و فيه وحل يسهل الانزلاق فيه فهو يحتاج لأن يمسك بشيء لئلا ينزلق .. يقول أنتم مثل ذلك السائر في آخر الزمان المزالق كثيرة و شديدة و مهلكة .. ومن يقع في مزلق قد لا يستطيع القيام منه .. لذلك أنتم بحاجة إلى أن تمسكوا بأيديكم ما يحفظكم من هذا الانزلاق دائماً .. أنتم بحاجة إلى حبل متين و قوي .. هذا الحبل هو حبلنا .. فاقبضوا عليه بشدة و لا تخففوا من شدة القبض فتهلكوا ..

ما حجم تلك المزالق و البلاءات و الفتن التي ستواجهنا .. دعونا نتعرف عليها من لسان صاحب هذه الليلة وهذه حقيقة من لطف سادتي علينا أن عرفونا بالأخطار التي سنواجهها لأن الانسان الذي يسير في مكان مظلم و موحش و موحل كما مثلنا سابقا وهو يعلم أن هناك حفرة أمامه في الطريق فإنه سوف يسير على حذر و يراقب خطواته بعكس الذي يسير و هو لا يعلم بأمر تلك الحفرة فإنه بالتأكيد سيقع فيها لأنه لم يكن في أمره على حذر .. هذا هو حالنا مع آخر الزمان و فتنه نحتاج إلى من يعرّفنا بخارطة الطريق لننجو من حفره .. لذلك أهل البيت أوضحوا لنا كل ما سيواجهنا في طريق آخر الزمان .. لنكون منها على حذر و ترقب ..

يقول عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام : ” إذا فُقد الخامس من ولد السابع – يقصد من ولدي ، أنا السابع فالمقصود هو الخامس من أولادي- فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها. يا بني ، انه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذه لاتبعوه » .

” حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ” .. كلمة خطيرة و منزلق صعب .. من الذي يقول بأن هناك إمام و غائب .. أليس هم الشيعة .. يقول في الغيبة سوف يرجع أكثر الشيعة و سوف يضلون الطريق ..

يا مولاي يا أبا الحسن إمامنا في سجن الغيبة كما كنت و أنت تقول أننا في محنة شديدة و صعبة فكيف نثبت ونحن في زمان أشبه ما يكون بزمانك .. زماننا شبيه بزمان الإمام الكاظم فعلينا أن نستمع لما علم به أصحابه و أدبهم به لنكون موسويات في انتظار إمام زماننا ..

أما عن شبه زماننا بزمانه سلام الله عليها فمن وجوه عدة :

  • الشيعة في عهد الإمام الكاظم كانوا يتعاملون مع إمام غائب و إن كانوا يعلمون مكانه أنه في سجن هارون أو السندي وغيره ، لكنه غائب عنهم غير متصل بهم لا يعيش بينهم لا يستطيع أن يوصل لهم توجيهاته و أوامره و يدلهم على الطريق .. و كذلك نحن إمامنا غائب لكن الفرق بيننا و بينهم أننا لا نعرف مكانه .. لكنه و إن كان غائب فهو الغائب الذي لم يخلو منا ..
  • في عهد الإمام الكاظم و لشدة ملاحقة السلطة كان الرواة من خلص أصحابه لا يسندون الحديث إليه بصريح اسمه حفظاً له وتقية من الظلم المسلط في ذلك العهد ، بل يكنون عنه بالعبد الصالح والعالم والسيد والرجل والماضي ، تعمية على رجال السلطة .. و كذلك نحن أمرنا في زمان الغيبة بعدم التصريح بالاسم الصريح لمولانا الحجة ..

إذا كان الأمر كذلك فكيف نكون موسويات ؟؟ ..

مثل ما ذكرنا .. الإمام يقول لتكونوا موسويات .. و لتنجحوا في اختبار الغيبة هناك شروط و خصائص حققوها في ذواتكم .. ” طوبى لشيعتنا ، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ” ” قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ” .. لا يأخذنكم الشك والتردد في صحة ما أنتم عليه

” إذا فُقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها ” ، تيقنوا انكم على الحق و اثبتوا .. أهم مافي الأمر الثبات على العقيدة الحق و ولاء أهل البيت .. ” ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذه لاتبعوه ” .. أنتم الآن في زمن غيبة الإمام أباؤكم و أجدادكم الذيم كانوا قريبين من زمن النص و المعصوم تتبعوا و بحثوا و تحروا فلم يجدوا طريقا أصح من هذا الطريق.. إذاً الآن ما وظيفتكم أن تبحثوا من جديد ؟؟ أن تشكوا في كل العقائد الحقة ؟؟ أن تضربوا بعرض الحائط كل المبادئ .. أن تخطئوا المراجع و تعتقدوا أنكم فقط أنتم على الحق و كل الناس على باطل ؟؟ .. لا ، يقول اثبتوا على هذا الدين الحق .. ” قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ” .. كيف يكون الثبات على هذا الدين الحق .. مولاي كيف لنا بالثبات ..

يقول : عليكم بالاعتصام بالله وحده ودعائه .. هذا الأدب الذي أدبنا به مولانا الكاظم عليه السلام .. فقد قيل له عليه ‌السلام وهو في الحبس : « لو كتبت إلى فلان يكلم فيك الرشيد ؟ فقال : حدثني أبي عن آبائه : أن الله عزوجل أوحى إلى داود : يا داود ، إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني… إلاّ وقطعت عنه أسباب السماء ، وأسخت الأرض من تحته » (٢).

” قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ” .. هذا المقام العالي كيف يمكننا الوصول له .. يقول ادعوا و اكثروا من الدعاء فمن أكثر طرق الباب يوشك ان يفتح له .. لذلك من النافع جدا التمسك بهذا الدعاء بعد الفرائض .. للوصول لمقام الرضا بأهل البيت أئمة والثبات على ولايتهم ..

يقول ( عليه السلام ) : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل : ” رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن كتابا ، وبمحمد ( صلى الله عليه وآله ) نبيا ، وبعلي وليا ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ،  والحجة بن الحسن بن علي ( عليهم السلام ) أئمة . اللهم وليك الحجة فاحفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، وامدد له في عمره واجعله القائم بأمرك المتنصر لدينك ، وأره ما يحب وتقر به عينه في نفسه ، وفي ذريته ، وأهله ، وماله وفي شيعته ، وفي عدوه ، وأرهم منه ما يحذرون ، وأره فيهم ما يحب  وتقر به عينه ، واشف به صدورنا ، وصدور قوم مؤمنين ” .

.. أهل البيت علمونا دعاء و أسموه دعاء الغريق .. يقول أنتم في زمن الغيبة سيكون حالكم كحال الغريق الذي يحتاج لأن يتمسك بخشبة في وسط البحر لتوصله للبر فينجو و إلا ستكون نهايته الغرق.. يقول أبو الكاظم الصادق ( عليه السلام ) ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق . قلت : كيف دعاء الغريق ؟ قال : يقول يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلت : ” يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ” قال : إن الله عزوجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك ، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . و من هنا علينا التنبه للرسائل التي ترد لنا و فيها أدعية لا نعلم بمصدرها .. الإمام لايسمح حتى بتغيير الدعاء بإضافة لفظة فكيف ندعو بالأدعية المخترعة التي ما أنزل الله بها من سلطان .

هذا فيما يكون بيني و بين الله ..

فكيف نكون موسويات فيما بيننا وبين الناس .. ما هو أدب التعامل الذي يأدبنا به الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام .. لندع القلوب تستمع لهذه الرواية لنعلم كيف نكون موسويات فيما بيننا و بين الناس ..

عن إبراهيم بن هاشم ، قال : « رأيتُ عبد الله بن جندب بالموقف ، فلم أر موقفاً أحسن من موقفه ، ما زال مادّاً يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتّى تبلغ الأرض ، – من شدة توجهه و إلحاحه في الدعاء و الطلب يقول كان يبكي بكاءً شديدا بحيث أن دموعه المنهمرة تجري بغزارة فلا تصل لخده فقط بل تصل للأرض –  فلمّا صدر الناس قلت له : يا أبا محمّد ، ما رأيتُ موقفاً أحسن من موقفك. قال : والله ما دعوت إلاّ لإخواني ، وذلك أنّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليه ‌السلام أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نُودي من العرش : ولك مائة ألف ضعف ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا »

هذا هو أجلى مصاديق الأخوة .. هذا هو اجتماع القلوب الذي أمرنا به .. ورد في توقيع الناحية المقدسة : ” ولو ان اشياعنا وفقهم الله لطاعته ، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا ” لو أنهم كانوا كأتباع موسى با جعفر و خواص أصحابه من اجتماع القلوب و عدم تفرقها بالحسد و الحقد و الضغينة لما طالت الغيبة ” و لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا ” .. إذا مالذي يحبس إمام زماننا عنا .. الإمام يجيب في توقيعه : فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل . فإن من أسباب طول غيبة الإمام – عليه وعلى آبائه التحية والسلام – ما يراه من آثام الأنام فلابد من الاتفاق على التوبة الواقعية ورد الحقوق إلى أصحابها و لابد من الاتفاق و اجتماع القلوب على النصرة و عدم تفرقها ..

قلوبنا المظلمة بحجب الغفلة و الظلم تحتاج لموعظة منك فعظنا لنصل لمقام التوبة و نكون كما يريد إمام زماننا ..  ورد أن  كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه ‌السلام : عِظني وأوجز.

نحن نحتاج إلى استماع هذه الموعظة التي وجهها الإمام الكاظم لهارون لأننا و العياذ بالله قد نشبه هارون .. هارون حبس الإمام الكاظم و حرم الناس من فيضه و نحن حبسنا بذنوبنا إمام زماننا و لذلك حُرمنا من فيضه .. هارون ظالم لنفسه و للناس .. ونحن لا نخلو من ظلم لأنفسنا و حقوق للناس في أعناقنا .. فماهي موعظة إمامنا الكاظم لهارون ..

قال : فكتب إليه : ما من شيءٍ تراه عينك إلاّ وفيه موعظةٌ » .

كل حدث ، كل شيء يقع عليه بصرك، كل قدر يمر عليك ،  كل حركة ترصدها عيناك .. اعلم أن الله ساقها لك و لو كانت أبصار القلب مفتحة و واعية لأمكن الانسان أن يعرف أنها رسالة تنبيهية له من الله و يتعظ بها ..

 هكذا يجب أن نكون فيما بيننا وبين أنفسنا .. لنكون موسويات في انتظار الغائب الذي يصفه المولى باب الحوائج عليه السلام بقوله : ” هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله ، الموتور بأبيه عليه‌ السلام ».

سيدي يا أبا الحسن هل هذا وصف إمام زماننا أم وصفك .. أنت أيضا طريد عن مدينة جدك ، وحيد في طامورتك ، غريب عن وطنك ، و غائب عن أهلك ..

وكيف يكون حال الأهل في غياب واليهم و حاميهم .. حالهم كحال زينب ليلة الحادي عشر .. حال الخوف و عدم الأمان .. لذلك يقول أحد خدمة الامام موسى الكاظم عليه‏ السلام : أن أبو ابراهيم عليه‏ السلام أمر ـ حين أخرج به ـ أبا الحسن أن ينام على بابه في كلّ ليلة أبدا ما كان حيّا إلى أن يأتيه خبره .

        قال : فكنّا في كلّ ليلة نفرش لأبي الحسن عليه‏ السلام في الدهليز – والدِّهْلِيز، بالكسر: ما بين الباب والدار – ، ثمّ يأتي بعد العشاء فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله ، قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين ، فلمّا كان ليلة من الليالي أبطأ عنّا وفُرش له ، فلم يأت كما كان يأتي فاستوحش العيال وذعروا ودَخَلَنا أمرٌ عظيم من إبطائه .

كان البيت الموسوي يأنس بوجود أبي الحسن الرضا و يأمنون و ينام الطفل قرير الأعين .. فحين غاب عنهم ليلة توجسوا خيفة وارتاعوا و ذعروا ..

        فلمّا كان من الغد أتى الدار ودخل إلى العيال وقصد إلى أمّ أحمد ، فقال لها : هاتِ التي أودعك أبي ، فصرخت ولطمت وجهها وشقّت جيبها وقالت : مات واللّه‏ يا سيدي ، فكفّها وقال لها : لا تكلّمي بشيء ولا تظهريه حتى يجيء الخبر إلى الوالي .

        فأخرجت إليه سفطا وألفي دينار أو أربعة الاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره ، وقالت : انّه قال لي فيما بيني وبينه ـ وكانت أثيرة عنده ـ : « احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها أحدا حتى أموت ، فاذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها اليه واعلمي انّي قد متّ » وقد جاءتني واللّه‏ علامة سيدي .

        فقبض عليه‏ السلام ذلك منها وأمرهم بالإمساك جميعا إلى أن ورد الخبر وانصرف

(ثم أقام الامام الرضا عليه ‏السلام واهل بيته مأتما لموسى بن جعفر عليه ‏السلام ) . عياله حرموا حتى من الصرخة عليه وإظهار التفجع و البكاء و الحسرة عليه .. فلهفي له و لهم إذ أشبه جسده جسد الحسين حين ألقي على الجسر و نساؤه أشبهن نساء الحسين في منعهن من البكاء ..

الكاتب أم أحمد مهدي

أم أحمد مهدي

مواضيع متعلقة