محاضرة الحوزة 1436هـ _الحسد_

img

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله وسلم عليك سيدي ومولاي يا رسول الله ..صلى الله وسلم عليك وعلى ابنك الغريب العطشان .. السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى أختك أم المصائب زينب وعلى ولديك العليين الشهيد منهما والقتيل ..السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ..السلام عليك يامولاي علي الأكبر السلام عليك أيها الشهيد وابن الشهيد .. السلام عليك أيها المظلوم وابن المظلوم  ..سيدي ماخاب من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما ..يا غريب يا مظلوم كربلاء

حَجرٌ على عيني يَمُرُّ بها الكَرَى ==== مِن بعد نازلةٍ بِعترَةِ أحمدِ
أقمار تمٍّ غالَها خَسفُ الرَّدى ==== واغتالَهُ بِصُرُوفهِ الزّمنُ الرَّدِي
شَتى مصائِبِهِمْ فبينَ مُكابرٍ ==== سُمّاً ومنحور وبينَ مُصَفَّدِ
سَلْ كربلا كَمْ من حشىً لمحمدٍ ==== نُهِبَتْ بها وكم استُجِذَتْ مِن يَدِ
ولَكمْ دم زاك أُريقَ بِها وكَمْ ==== جُثمان قُدس بالسّيوفِ مُبَدَدِ
وبِها على صدرِ الحسينِ تَرقرقَتْ ==== عَبراُتُه حُزْنَاً لأكرَمِ سَيّدِ
وعليُ قَدرٍ منْ دُؤابةِ هاشمٍ ==== عَبَقَتْ شَمائِلُهُ بِطيبِ المُحْتَدِ
جمعَ الصفاتِ الغرو هي تراثه ===من كل غطريفٍ وشهمٍ أصيدِ

في بأسِ حمزة في شجاعةِ حيدرٍ===بإبا الحسينِ وفي مهابةِ أحمد

وتراهُ في خُلقٍ وطيبِ خلائقٍ=== وبليغِ نطقٍ كالنبي محمدِ

تشبه الكرار جدك بالحروب او حملته   اوتشبه الجدْتك الزهرا بالعمر وابقصرته

او بالكرم تشبه لعمك حسن جوده او عفته     جملة أوصافك حميدة اوهلك من أهل الوفا

والذي هذي أوصافه اشحال قلب أمه وابوه     يرخصونه للمنيه او للأعادي يذبحوه

ماكفى العدوان ذبحه بالهنادي وزعوه         هوى او صاح ادركني بويه او من سمع صوته لفى

من سمع صوته لفى له او فرّق اجموع العدا  جلس عنده او صار يبجي او شال راسه اووسده

او صار يتفقد ابجسمه شاف سهم ابجبدته  او صاح يبني اوداعة الله بعدك الدنيا العفا

هذا هو لسان الأب الفاقد أما أمه المفجوعة فما حالها :

إجت ليله اوبعد رمله وسكنه
وكلبها شليهيدنّه وســكنه

تصيح القبر أتمنى وسكنه
ولا شوفك امطبر بين ايديّه

قال الحكيم في كتابه وشريف خطابه :(ومن شرّ حاسد إذا حسد).

هذه الآية من سورة الفلق تتحدث عن أسوأ الصفات الرذيلة وأحطها، لأنّ القرآن حين قرن بينها بواو العطف وضعه في مستوى أعمال الحيوانات المتوحشة والثعابين اللاسعة ( من شر ما خلق)والشياطين الماكرة.( ومن شر النفاثات في العقد ألا وهي الحسد ..

الحديث عن هذه الصفة الذميمة يقع على 3 محاور :

  • في بيان معنى الحسد والفرق بينه وبين الغبطة ومراتب كلا منهما
  • خطورة صفة الحسد وبواعثها وحكمه
  • هل الحسد اختياري أم لا؟ وبيان الطريق العلمي والعملي للوقاية من الحسد

المحور1:

تعريف الحسد لغة :تقول العرب حسدَه النعمةَ أو حسده عليها بمعنى تمنى أن تتحول إليه نعمته أو أن يسلبها وتقول العرب : حسدني الله إذا كنت أحسدك : أي عاقبني الله على حسدي إياك 

الحسود : هو من طبعه الحسد ذكرا كان أو أنثى

المحسَدة : ما يُحسد عليه الإنسان من مال أو جاه ونحوِهما

الحسد

و هو تمنى زوال نعم الله تعالى عن اخيك المسلم مما له فيه صلاح، فان لم ترد زوالها عنه و لكن تريد لنفسك مثلها فهو (غبطة) و منافسة، فان لم يكن له فيها صلاح و اردت زوالها عنه فهو (غيرة) . ثم ان كان باعث‏ حسدك مجرد الحرص على وصول النعمة الى نفسك، فهو من رداءة القوة الشهوية، و ان كان باعثه محض وصول المكروه الى المحسود فهو من رذائل القوة الغضبية، و يكون من نتائج الحقد الذى هو من نتائج الغضب، و ان كان باعثه مركبا منهما، فهو من رداءة القوتين. و ضده (النصيحة) ، و هي ارادة بقاء نعمة الله على اخيك المسلم مما له فيه صلاح.

و لا ريب في انه لا يمكن الحكم على القطع بكون هذه النعمة صلاحا او فسادا. فربما كانت و بالا على صاحبه و فسادا له، مع كونها نعمة و صلاحا في بادى النظر. فالمناط في ذلك غلبة الظن، فما ظن كونه صلاحا فارادة زواله حسد و ارادة بقائه نصيحة، و ما ظن كونه فاسدا فارادة زواله غيرة. ثم ان اشتبه عليك الصلاح و الفساد، فلا ترد زال نعمة اخيك و لا بقاءها الا مقيدا بالتفويض و شرط الصلاح، لتخلص من حكم الحسد و يحصل لك حكم النصيحة. و المعيار في كونك ناصحا: ان تريد لاخيك ما تريد لنفسك، و تكره له ما تكره لنفسك. و في كونك حاسدا:

ان تريد له ما تكره لنفسك،و تكره له ما تريد لنفسك.

الفرق بين الحسد والغبطة:

المنافسة و الغبطة

قد علمت ان المنافسة هي تمنى مثل ما للمغبوط، من غير ان يريد زواله عنه، و ليست مذمومة، بل هي في الواجب واجبة، و في المندوب مندوبة و في المباح مباحة. قال الله سبحانه:

«و في ذلك فليتنافس المتنافسون‏» (7) .

و عليها يحمل قول النبي-صلى الله عليه و آله-: «لا حسد الا في اثنين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على ملكه في الحق. و رجل آتاه الله علما، فهو يعمل به و يعلمه الناس‏» : اى لا غبطة الا في ذلك، سميت الغبطة حسدا كما يسمى الحسد منافسة، اتساعا لمقارنتهما. و سبب الغبطة حب النعمة التي للمغبوط، فان كانت امرا دينيا فسببها حب الله و حب طاعته، و ان كانت دنيوية فسببها حب مباحات الدنيا و التنعم فيها. و الاول لا كراهة فيه بوجه، بل هو مندوب اليه. و الثاني و ان لم يكن حراما، الا انه ينقص درجته في الدين، و يحجب عن المقامات الرفيعة، لمنافاته الزهد و التوكل و الرضا.

ثم الغبطة لو كانت مقصورة على مجرد حب الوصول الى ما للمغبوط لكونه من مقاصد الدين و الدنيا، من دون حب مساواته له و كراهة نقصانه عنه، فلا حرج فيه بوجه، و ان كان معه حب المساواة و كراهة التخلف و النقصان، فهنا موضع خطر. اذ زوال النقصان اما بوصوله الى نعمة المغبوط او بزوالها عنه، فاذا انسدت احدى الطريقتين تكاد النفس لا تنفك عن شهوة الطريقة الاخرى. اذ يبعد ان يكون انسان مريدا لمساواة غيره في النعمة فيعجز عنها، ثم لا ينفك عن ميل الى زوالها، بل الاغلب ميله اليه، حتى اذا زالت النعمة عنه كان ذلك عنده اشهى من بقائها عليه، اذ بزوالها يزول نقصانه و تخلفه عنه. فان كان بحيث لو القى الامر اليه ورد الى اختياره لسعى في ازالة النعمة عنه، كان حاسدا حسدا مذموما و ان منعه مانع العقل من ذلك السعى، و لكنه وجد من طبعه الفرح و الارتياح بزوال النعمة عن المغبوط، من غير كراهة لذلك و مجاهدة لدفعه فهو ايضا من مذموم الحسد، و ان لم يكن في المرتبة الاولى، و ان كره ما يجد في طبعه من السرور و الانبساط بزوال النعمة بقوة عقله و دينه، و كان في مقام المجاهدة لدفع ذلك عن نفسه، فمقتضى الرحمة الواسعة ان يعفى عنه، لان دفع ذلك ليس في وسعه و قدرته الا بمشاق الرياضيات.

اذ ما من انسان الا و يرى من هو فوقه من معارفه و اقاربه في بعض النعم الالهية، فاذا لم يصل الى مقام التسليم و الرضا، كان طالبا لمساواته له فيه و كارها عن ظهور نقصانه عنه. فاذا لم يقدر ان يصل اليه، مال طبعه بلا اختيار الى زوال النعمة عنه، و اهتز و ارتاح به حتى ينزل هو الى مساواته. و هذا و ان كان نقصا تنحط به النفس عن درجات المقربين، سواء كان من مقاصد الدنيا او الدين، الا انه لكراهته له بقوة عقله و تقواه، و عدم العمل بمقتضاه، يعفى عنه ان شاء الله، و تكون كراهته لذلك من نفسه كفارة له.

و قد ظهر من تضاعيف ما ذكر: ان الحسد المذموم له مراتب اربع:

الاولى-ان يحب زوال النعمة عن المحسود و ان لم تنتقل اليه، و هذا اخبث المراتب و اشدها ذما.

الثانية-ان يحب زوالها لرغبته في عينها، كرغبته في دار حسنة معينة، او امراة جميلة بعينها، و يحب زوالها من حيث توقف و صوله اليها عليه، لا من حيث تنعم غيره بها. و يدل على تحريم هذه المرتبة و ذمها قوله تعالى:

«و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض‏» (8) .

الثالثة-الا يشتهى عينها، بل يشتهى لنفسه مثلها، الا انه ان عجز عن مثلها احب زوالها عنه، كيلا يظهر التفاوت بينهما، و مع ذلك لو خلى و طبعه، اجتهد و سعى في زوالها.

الرابعة-كالثالثة، الا انه ان اقتدر على ازالتها منعه قاهر العقل او غيره من السعى فيه، و لكنه يهتز و يرتاح به من غير كراهة من نفسه لذلك الارتياح.

و الغبطة لها مرتبتان:

الاولى-ان يشتهى الوصول الى مثل ما للمغبوط، من غير ميل الى المساواة و كراهة للنقصان، فلا يحب زوالها عنه.

الثانية-ان يشتهى الوصول اليه مع ميله الى المساواة و كراهته للنقصان، بحيث لو عجز عن نيله، وجد من طبعه حبا خفيا لزوالها عنه و ارتاح من ذلك ادراكا للمساواة و دفعا للنقصان، الا انه كان كارها من هذا الحب، و مغضبا على نفسه لذلك الارتياح، و ربما سميت هذه المرتبة ب (الحسد المعفو عنه) و كانه المقصود من قوله-صلى الله عليه و آله-:

«ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن: الحسد، و الظن، و الطيرة. . . ثم قال: و له منهن مخرج، اذا حسدت فلا تبغ-اى ان وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به، و كن كارها له-و اذا ظننت فلا تحقق، و اذا تطيرت فامض‏» .

ويذكر السيد عبدالحسين دستغيب في كتابه الذنوب الكبيرة أن العلامة المجلسي في مرآة العقول أن الغطة لها خمسةُ مراتب

  • فهي أحيانا تكون واجبة وهي الغبطة على الواجبات : كما لو أدت رفيقتي الحج الواجب وتسامحتُ أنا فهنا يجب علي أن أتمنى لو أكون مثل صديقتي لأنني لو لم أتمنّ لكان ذلك معناه أنني راضية بترك الواجب وهذا في نفسه حرام
  • وأحيانا تكون مستحبة إذا كانت الغبطة في المستحبات : لو وفقت صديقتي لفعل مستحب كالزيارة
  • وأحيانا تكون مكروهة كغبطة من ارتكب مكروها وظهر لي أنه قد حصل له خير فتمنيت مثله
  • وأحيانا تكون محرمة كغبطة من حصل على مال حرام

وهذه الغبطة وإن كانت حراما في نفسه معفو عنها من أهل الإيمان مالم تنجر إلى الفعل

  • الغبطة في المباحات وهي مباحة بالطبع

حكم الحسد : قال بعض الفقهاء: الحسد ليس بحرام مالم يظهر مستدلا بحديث الرفع: (وضع عن أمتي تسعُ خصال : الخطأ والنسيان ..إلى أن قال والحسد مالم يظهر لسان ويد)

وقال المحقق الحلي في الشرائع : (الحسد معصية وكذا بغض المؤمن والتظاهر بذلك قادح في العدالة)

المحور الثاني :

خطورة الحسد :

  • خصلة سيئة شيطانية إذا ظهرت في الإنسان فإنها تدل على وجود خلل حيث أنهامؤشر يدل على ضعف الإيمان، وضيق أفقه .
  • الحسد منبع كثير من الذنوب الكبيرة.

عن الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) قال: «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب»(1).

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال: «أفة الدين الحسد والعجب والفخر»(2).

بالنظر لمعنى كلمة آفة :

الآفَةُ : كلُّ ما يصيب شيئاً فيفسده ، من عاهة أَو مَرَض أَو قحط
آفة زراعيّة : مَا يُفْسِدُ الزَّرْعَ مِن دُودٍ أَوْ حَشَرَاتٍ وَغيْرِهَا
آفَةُ العِلْمِ النِّسْيَانُ : مُصِيبَةُ العِلْمِ لأن الحسود يعترض في الواقع على حكمة اللّه وعلى ما آت اللّه من نعمة لهذا الفرد أو ذاك. كما يقول سبحانه: (أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله)(3).

وقد يبلغ الحسد بالحاسد إلى أن يوقع نفسه في كلّ تهلكة من أجل زوال النعمة من الشخص المحسود، كما هو معروف في حوادث التاريخ.

  • «الحساد» كانوا دوماً عقبة على طريق الأنبياء والأولياء. ولذلك يأمر اللّه نبيّه أن يستعيذ بربّ الفلق من شرّ حاسد إذا حسد.

طبعا المخاطب في هذه السّورة والسّورة التالية شخص رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنّه خوطب لأنّه القدوة والنموذج، وكلّ المسلمين يجب أن يستعيذوا باللّه من شرّ الحاسدين.

اللّهمّ! إنّا نعوذ بك من شرّ الحاسدين

إلهنا! احفظنا من شرّ الوقوع في حسد الآخرين

وكذا نقل عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: «أُصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد، فأمّا الحرص فإِن آدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها، وأمّا الاستكبار فإِبليس حيث أُمِر بالسجود لآدم فأبى، وأمّا الحسد فإبنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه»(3).

ويكفي الحسد خطورة أن أول جريمة وقعت في عالم البشرية كان دافعها الحسد بعد أن تقبل الله قربان أخيه هابيل أخذت تعصف به الأحاسيس والمشاعر المتناقضة، فمن جانب استعرت فيه نار الحسد وكانت تدفعه إِلى الإِنتقام من أخيه “هابيل” ومن جانب آخر كانت عواطفه الإِنسانية وشعوره الفطري يقبح الذنب والظلم والجور وقتل النفس، يحولان دون قيامه بارتكاب الجريمة، لكن نفسه الأمارة بالسوء تغلبت رويداً رويداً على مشاعره الرادعة فطوعت ضميره الحي وكبلته بقيودها واعدته لتقل أخيه، وتدل عبارة “طوعت” مع قصرها على جميع المعاني التي ذكرناها لأنّ عملية التطويع كما نعلم لا تتمّ في لحظة واحدة، بل تحصل بشكل تدريجي وعبر صراعات مختلفة.

  • وأي خطورة على المؤمن أشد من خسارة الدنيا والآخرة فأما في الدنيا فإن الحسود في الدنيا دائم الهم والغم والضيق لرؤيته النعمة لدى الآخرين وهو يشعر بالعجز لأن النعمة لاتزول عن محسوده بسببه بل ربما تتضاعف فيتسع أفق ضيقه وأما في الآخرة فخسارته كبيرة لأنه محروم من الحضور القلبي وقد يُحرم من بعض العبادات الكبيرة كالإحسان إلى المؤمنين وإكرامهم وإضافة إلى ذلك فما كان لديه من عمل صالح فإنه يُهديه للمحسود ليزيد من حسناته وتنقص حسناته مقابل ذلك .بل الأخطر أنه في مقام التضاد والتعاند معه اللع ولي النعم الذي أفاض النعم والخيرات على من يشاء بمقتضى حكمة ومصلحة .

بواعث الحسد

بواعث الحسد سبعة:

الاول-خبث النفس و شحها بالخير لعباد الله. فانك تجد في زوايا العالم من يسر و يرتاح بابتلاء العباد بالبلايا و المحن، و يحزن من حسن حالهم وسعة عيشهم. فمثله اذا وصف له اضطراب امور الناس و ادبارهم، و فوات مقاصدهم و تنغص عيشهم، يجد من طبعه الخبيث فرحا و انبساطا و ان لم يكن بينه و بينهم عداوة و لا رابطة، و لم يوجب ذلك تفاوتا في حاله من وصوله الى جاه او مال او غير ذلك. و اذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله و انتظام اموره، شق ذلك عليه، و ان لم يوجب ذلك نقصا في شي‏ء مما له. فهو يبخل بنعمة الله على عباده من دون قصد و غرض، و لا تصور انتقال النعمة اليه، فيكون ناشئا عن خبث نفسه و رذالة طبعه. و لذا يعسر علاجه، لكونه مقتضى خباثة الجبلة، و ما يقتضيه الطبع و الجبلة تعسر ازالته، بخلاف ما يحدث من الاسباب العارضة.

الثاني-العداوة و البغضاء. و هي اشد اسبابه، اذ كل احد-الا اوحدي من المجاهدين-اذا اصابت عدوه بلية فرح بذلك، اما لظنها مكافاة من الله لاجله، او لحبه طبعا ضعفه و هلاكه. و مهما اصابته نعمة ساءه ذلك، لانه ضد مراده، و ربما تصور لاجله انه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم من عدوه و انعم عليه، فيحزن لذلك.

الثالث-حب الرئاسة و طلب المال و الجاه. فان من غلب عليه حب التفرد و الثناء، و استقره الفرح بما يمدح به من انه وحيد الدهر و فريد العصر في فنه، من شجاعة او علم او عبادة او صناعة او جمال او غير ذلك، لو سمع بنظير له في اقصى العالم ساءه ذلك، و ارتاح بموته او زوال النعمة التي يشاركه فيها، ليكون فائقا على الكل في فنه، و متفردا بالمدح و الثناء في صفته.

الرابع-الخوف من فوت المقاصد. و ذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فان كل واحد، منهما يحسد صاحبه في وصوله هذا المقصود طلبا للتفرد به، كتحاسد الضرات في مقاصد الزوجية. و الاخوة في نيل المنزلة في قلب الابوين توصلا الى مالهما، و التلامذة لاستاذ واحد في نيل المنزلة في قلبه، و ندماء الملك و خواصه في نيل المنزلة و الكرامة عنده، و الوعاظ و الفقهاء المتزاحمين على اهل بلدة واحدة في نيل القبول و المال عندهم، اذا كان غرضهم ذلك.

الخامس-التعزز: و هو ان يثقل عليه ان يترفع عليه بعض اقرانه و يعلم انه لو اصاب بعض النعم يستكبر عليه و يستصغره، و هو لا يطيق ذلك لعزة نفسه، فيحسده لو اصاب تلك النعمة تعززا لنفسه. فليس غرضه ان يتكبر، لانه قد رضى بمساواته، بل غرضه ان يدفع كبره.

السادس-التكبر: و هو ان يكون في طبعه الترفع على بعض الناس و يتوقع منه الانقياد و المتابعة في مقاصده، فاذا نال بعض النعم خاف الا يحتمل تكبره و يترفع عن خدمته، و ربما اراد مساواته او التفوق عليه، فيعود مخدوما بعد ان كان خادما، فيحسده في وصول النعمة لاجل ذلك و قد كان حسد اكثر الكفار لرسول الله-صلى الله عليه و آله-من هذا القبيل، حيث قالوا: كيف يتقدم علينا غلام فقير يتيم؟

«لو لا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم‏» (9) .

السابع-التعجب: و هو ان يكون المحسود في نظر الحاسد حقيرا و النعمة عظيمة، فيعجب من فوز مثله بمثلها، فيحسده و يحب زوالها عنه و من هذا القبيل حسد الامم لانبيائهم، حيث قالوا:

«ما انتم الا بشر مثلنا» (10) . «فقالوا: انؤمن لبشرين مثلنا» (11) . «و لئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون‏» (12) .

فتعجبوا من فوز من هو مثلهم برتبة الوحي و الرسالة، و حسدوه بمجرد ذلك، من دون قصد تكبر او رئاسة او عداوة او غيرها من اسباب الحسد.

و قد تجتمع هذه الاسباب او اكثرها في شخص واحد، فيعظم لذلك حسده، و تقوى قوة لا يقدر معها على المجاملة، فتظهر العداوة بالمكاشفة.

المحور الثالث: هل الحسد اختياري ؟

الشيء غير الاختياري هو الخواطر القلبية كأن يشعر الإنسان قهرا ومن دون اختيار بالضيق عندما يعلم أن شخصا له معه عداوة سابقة قد حصل على نعمة معينة ويحب أن تزول عنه وأما أن يستمر على هذه الحال ويبقى قلبه مشغولا بهذه الخاطرة السيئة فهذا اختياري وهو من الذنوب القلبية لأنه يستطيع أن يزيل هذه المعصية بالطريق العلمي والعملي

فأما الطريق العلمي فأن يعود ويتفكر بما ذُكر من مفاسد الحسد بل ويتفكر في مذمّة الدنيا وفنائها حتى يزيل شجرة حب الدنيا التي هي أساس كل معصية من قلبه ويتحرر منها

أما الطريق العملي فأن لا يتتبع هذه الخواطر السيئة ولا يعمل بها لأن كل خاطرة لا تعمل بها تزول من نفسك كما ورد في الروايات ( الوسوسة مثل الكلب يهجم عليك فكلما اعتنيت به اشتد عناده وكلما أهملته ابتعد)

 

 مما سبق يمكننا أن نصل إلى نتيجة

أن منشا الحسد :حب الدنيا، اذ منافعها لضيقها و انحصارها تصير محل التزاحم و التعارك، انه لا تحاسد بين علماء الآخرة والعارفين ، وإنما يقع التحاسد بين علماء الدنيا وأولئك  يقصدون بعلمهم طلب المال و الجاه ،أما علماء الآخرة فإنهم يلتذون و يبتهجون بكثرة المشاركين في معرفة الله و حبه و أنسه، و إذا امتلا قلبه من الابتهاج بمعرفة الله، لم يمنع ذلك من أن يمتلى‏ء غيره به.نعم القلب الذي يمتلأ معرفة يمتاز سلوكه وحديثه عن غيره ..(أو لسنا على الحق ؟) قال ع : ( بلى والذي إليه مرجع العباد)قال ( إذا لا نبالي أن نموت محقين ) وفي رواية : ( لا نبالي أوقعنا على  الموت أم وقع الموت علينا ) هذه العبارة اختص بها من بين أبناء الإمام الحسين ع وأصحابه فلم ينطق بها سوى مولاي الأكبر علي ع ..كم هو عجيب ٌ هذا القدر حيث وضع الإمام الحسين ع في هذه المحطة  حيث أنه ع كان على ظهر جواده فخفق خفقة فرأى فراسا على فرس يقول : القوم يسيرون والمنايا تسرع بهم وعلم الإمام أن أنفسهم نعيت إليهم .. عجيبة هذه المحطة التي تمثل فيها الإمام الحسين ع بصورة أحد الأنبياء ع وهو خليل الله النبي ابراهيم ع حيث وجه التشابه أن النبي سار بأهله إلى واد غير ذي زرع  وها هو الإمام ع جاء بظعنه إلى واد غير ذي زرع وهو يعلم أنه لن يكون ذا ماء ذات يوم .. عجيب هو القدر أرادك أن تلقي هذه الكلمات فلا يجيبك سوى اسماعيلك  الذي سيقول للقدر افعل ما تؤمر وسيُذبح دون أن يُفدى بذِبح عظيم .. نعم قال اسماعيلك تلك الكلمات وكأنه يقول أنا لا أبالي بالموت على الرغم من أنني أعلم أن فراقي من أشد اللحظات الحرجة التي تمر بها وأنا أعلم أن وداعي سيكون من أشد اللحظات الأليمة على قلبك ولن تستطيع لها صبرا ولن تتمكن من أن تتفوه بالإذن لي للخروج إلى القتال بل ستكتفي بأن ترخي عينيك بالدموع  وتقول بقلب محروق يبث شكايته لله : ( اللهم اشهد عليهم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخُلقا ومنطقا بحبيبك محمد (ص) وكنا إذا اشتقنا إلى النظر إلى وجه نبيك (ص) نظرنا إليه )

الكاتب زهراء عبدالله الشملاوي

زهراء عبدالله الشملاوي

مواضيع متعلقة