العبادة والتدين: دراسة ظاهرة التدين

img

النقطة الثانية:

هناك سؤال كثيرا ما يطرح هل ظاهرة التدين في حالة انتشارفي مجتمعاتنا ؟ ام إن ظاهرة التدين في حالة تراجع وخفاء وتضاؤل؟ سؤال يطرح كثيرا التدين في أي حال وفي أي مسار ؟

البعض يقول : ان التدين في حالة انتشار الا ترون الصحوة الاسلامية تملأ العالم احداث احدى عشر سبتمبر صارت في صالح الاسلام وليس ضده الغربيون في امريكا وأوروبا يتوقون الى أي كتاب يتحدث عن الاسلام ملايين الطبعات للقرآن الكريم وملايين الكتب الاسلامية تنفذ خلال ايام قلائل في امريكا وأوربا الجميع يريد ان يتعرف على الاسلام ومعالمه إذن هؤلاء يقولون ان التدين في حالة انتشار.

 والبعض يقول : لا ان التدين في حالة انحسار وتراجع لماذا؟ لأننا نجد تضاؤل عدد المصلين في المساجد تضاؤل عدد المحجبات  تضاؤل عدد المتبرعين في الجمعيات تضاؤل عدد الملتحين ارقام تتضاءل وتتراجع هذا التضاؤل قرينة واضحة  إن ظاهرة التدين في حالة تراجع وانحسار وليس في حالة انتشار وشيوع.

 لكي نجيب على هذا السؤال علينا ان نحدد معنى التدين ونعرف الفرق بين التدين وبين روافده؟

 ومن ثم نستطع الاجابة هل التدين في حالة انتشار ام في حالة انحسار؟

التدين عند التأمل في مضامين ومداليل القرآن الكريم نرى التدين هو العبادة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) التدين هو العبادة والعبادة كما شرحناها هي الخضوع الداخلي لله , الخضوع النفسي لله تعالى اذن هذا الخضوع هو العبادة وهو التدين الواقعي.

 هذا التدين يظهر في حالات الضعف عند الانسان وفي حالات القوة ايضا مثلا: في حالات الضعف نقرأ قوله تعالى( اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم) عندما تسيطر الشهوة على الانسان وينجرف نحو المعصية تطرأ عليه لمحة ربانية هذه علامة على التدين ظهر التدين في حالة ظهور المعصية كذلك في حالات القوة الانسان عندما يتقدم للعطاء الاجتماعي بأي دافع مثلا يساهم في الجمعيات الخيرية يساهم في الصناديق الخيرية بأي دافع كان…..

الكريم يتحدث عن هذا الدافع يقول تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا* إنما نطعمكم لوجه الله )ظهر التدين في حال العطاء ظهر الخضوع الالهي (لانريد منكم جزاء ولا شكورا)

اذن التدين هو الخضوع النفسي لله تعالى وهو العبادة   اذن ماهي روافد التدين ؟

 نقول روافد التدين على اقسام ثلاثة :

  الرافد العقلي , الرافد العاطفي , الرافد التعبدي.

نشرح الروافد لمعرفة الفرق بينها وبين التدين

نبدأ بالرافد العقلي:

 التدين ليس حالة انفعالية عاطفية لان أصدقائي متدينون فانا أصبح متدين مجاراة لأصدقائي أو لان بيئتي متدينة اضطر أن أصير متدين تبعا اولأني سمعت المحاضرة وأثرت فيني صرت متدين   هذا التدين هو تدين عاطفي انفعالي سريعا ما يزول لأدنى هزه ينبغي أن يكون المتدين صاحب وفرة من الادلة العقلية ومن البراهين العقلية ان يكون انسانا مثقفا مطلعا .

المتدين غير المثقف تدينه معرض للزوال معرض للانقراض لان تدينه لايرتكز على اسس عقليه فلابد له من وفرة من الادلة العقلية دليل وجود الله تعالى دليل نبوة محمد “ص” دليل امامة الامام “ع” لابد ان يكون المتدين في حالة بحث وتنقيب وثقافة ومعرفة للبراهين التي تدعم تدينه

نأتي بمثال كلنا عاصرناه:

قناة المستقلة من شهر رمضان إلى يومنا هذا طرحت شبهات في العقيدة الامامية بمجرد ان طرحت الشبهات, أصاب الكثير من الناس حالة من الفزع والشك  و كأن المذهب الشيعي سقط هذا المذهب الكبير الذي ظل

1400   سنة شامخ له علماءه, مراجعه , وكتبه ,مطارحاته الفكريه وكأن هذه القناة اسقطته خلال شهر واحد,  كثير من المتدينين يقول كيف نجيب عن هذه الطلاسم ؟ كيف نجيب عن هذه الشبهات ؟ وبدأ الاتكال على المنبر الحسيني ان يجيب عن جميع هذه الاسئلة والشبهات والا فالمنبر مقصر ومتخادل لان هذه القناة زرعت قلق وشك في نفوس المؤمنين  هذا يكشف عن ضحالة الثقافة وعن عدم اصرار المؤمنين على الثقافة العقائدية   للاسف نحن  مع بيوتنا وأهلنا أنا مع وظيفتي مع اولادي  لا افتح كتابا ولا اقرأ موضوعا ولا احاول ان اثقف نفسي الوظيفة على المنبر الحسيني هذا كاشف حالة من التقصير في الرافد العقلي في التدين ونتيجة هذا التقصير اصاب الكثير من الشك والريبة في بعض المعتقدات والمبادئ مع ان الكتب متوفرة والعلماء متوفرون ومواقع الشيعة في الانترنت ايضا فإذا كان لديك ثقافة قوي ايمانك قوي اعتقادك قوي دينك فالتدين يحتاج الى رافد عقلي وهذا مانصت عليه الآية المباركة (انما يخشى الله من عباده العلماء) يعني ان الخضوع النفسي يتأثر بالعلم والعلم رافد عقلي(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )

الثاني: الرافد العاطفي  : الامر

 نلاحظ ان التدين يعرض عليه الجفاف احيانا كثير من الاحيان يصاب الانسان بجفاف روحي كيف ذلك؟

كثير منا يتعامل مع الدين معاملة حرفية وظيفية مثلا أنا موظف في شركة, مدرسة في أي مكان انا اتعامل مع وظيفتي معاملة حرفية عندي جدول أعمال من الساعة السابعة إلى الساعة الثانية وأتعامل مع وظيفتي معاملة حرفية معاملة وظيفية,فبعض الناس يتعامل مع  تدينه معاملة حرفية يتعامل مع الصلاة ومع الدعاء مع القران معاملة جافة روتينية متكررة , يصلي لان الله امره بالصلاة يقرأ الدعاء لانه مستحب ترى هذا الانسان لا يتذوق هذا الدعاء يقرأ الدعاء بدون تذوق نظير الانسان الذي يأكل الطعام وهو لايرغب فيه يصلي النافلة لان الناس تصلي ولكن من  بدون اقبال بدون تذوق بدون تفاعل هذا نسميه بمرض الجفاف الروحي وهذا الذي  عبر عنه القران بمرض القسوة (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار)

فالقلب القاسي كالصخرة الصماء لا يتفاعل مع عبادة ولادعاء ولامع نافلة ولا مع قراءة القرآن هذا الجفاف الروحي وهذا مرض القسوة يضعف التدين يضعف حالة الخضوع عند الانسان لذلك

نحن نحتاج إلى روافد روحية روافد تهزنا من الداخل وتهز أعماق وجداننا فما هي تلك الروافد؟

 من الروافد الروحية من الروافد العاطفية الاجواء المسجدية الاجواء المأتمية اجواء تسبغ على الانسان حالة من التفاعل حالة من التجاوب حالة من التعاطف مع العبادة ومع الدين وهنا انوه ان شيخنا حفظه الله دائما ومرارا يحثنا على صلاة الجماعة لما لها من الاثر الطيب.

الدعاء المبكي:

من الروافد الروحيه أيضا الدعاء المبكي وليس مجرد أي دعاء  ادعية الصحيفة السجادية الادعية المبكية

فعلى الانسان أن يتباكى مع الدعاء حتى يبكي البكاء, وسيلة ضرورية لعلاج الروح فهو يهز أعماق النفس ويحركها نحو الله تبارك وتعالى .

لذلك الإمام زين العابدين عليه السلام يقول:( ومالي لا ابكي ولا ادري إلى ما يكون مصيري وقد خفقت عند راسي أجنحة الموت)

ثالثا: الرافد التعبدي:

الانسان احيانا يطرح سؤال لماذا اللحية؟ وما قيمة هذه اللحية النتيجة أنا متدين يعني منقاد إلى الله وخاضع لله والتدين ليس له ربط باللحية ؟ (إن الله ينظر إلى قلوبكم ولا ينظر إلى صوركم).

لماذ يحرم سماع الاغاني ؟ وماالمانغ من اسمعها في اليوم مرة واحدة واروح بها عن نفسي واهز وجداني واي ربط بين التدين وبين سماع الاغاني؟

نقول كما ان هناك روافد عقلية يحتاجها المتدين وروافد عاطفية هناك روافد تعبدية.

 الآن مثلا: لماذا نصلي المغرب ثلاث ركعات ؟ لماذا لا نصليها اربع ؟ لماذا نطوف بالكعبة سبعة أشواط ؟ لماذا لا نطوف مثلا خمسة ؟ لماذا نرمي جمرة العقبة بسبع حصيات ؟ بما انه شيطان لماذا لا نرميه بمئة حصاة.

لماذا التقيد بالأعداد والأرقام ؟

هذه كلها مظاهر تعبدية. الهدف منها تربية روح التعبد كيف يكون ذلك؟؟

مثال: الإنسان الذي يدخل مرحلة التجنيد الإجباري بمجرد دخوله يعطى تمارين قاسية دون أن يجادل أو يناقش وليس مطلوب منه أن يعرف الهدف من ذلك

الهدف من ذلك: أن على يربى على روح الاطاعة أي ان يكون انسانا مطيعا اذن الاسلام عندما يقول لك صل ثلاث ركعات لاازيد ولاانقص, طف حول الكعبة سبعة اشواط لاازيد ولاانقص الهدف من هذه الامور  تربية ارادة الانسان على روح التعبد والتقيد بالأوامرالشرعية فإذا قام الدليل لدى الفقيه على حرمة حلق اللحية وقال: حلق للحية حرام أو قال : الاحوط وجوبا عدم حلق اللحية أو قال : يحرم سماع الاغاني ,هذه الاحكام الشرعية الهدف منها تربية روح التعبد   والتقيد عند الانسان لذلك نسيمها روافد تعبدية.

اذن عندما نسأل هل التدين حالة انتشار أو في حال انحسار؟

 نقول : التدين ليس هذا هذه مظاهر ليس التدين في هذه اللحية هذه اللحية رافد يعني هذه روافد تعبدية وليس التدين مثلا تضاؤل عدد المصلين , تضاؤل عدد المحجبات لايعني ان التدين تراجع هذا تراجع في روافد التدين

او مثلا : عندما يقال: الصحوة الاسلامية ملئت العالم هذا لا يعني ان التدين ملأ العالم وأصبح الكل خاضعا لله ثم يقال:ان التدين في حالة انتشار وفي حالة ذيوع

اذن الانسان يحتاج الى رافد عقلي وعاطفي وتعبدي هذه الروافد اذا اجتمعت واقترنت كان خضوع الانسان لربه خضوعا راسخا صامدا وكان الانسان متدينا تدينا حقيقيا

  اعجبني موضوع للباحث علي منصور الكيالي يتحدث فيه عن العبادة بالتأمل في قوله تعالى ( اليه تعرج الملائكة  والروح في يوم كان مقداره خمسين الف سنة)

المراد بـ(خمسين الف سنة) في تفاسيرنا هو ذلك اليوم الذي بحيث لو وقع في الدنيا كان مقداره خمسين الف سنة وفي الروايات “أن ليوم القيامة خمسين موقفا وكل موقف منه يطول بمقدار الف سنة”

ان هذه العبادة عبارة عن عبادة رمزية كيف؟

يقول ان هذا الانسان عمره عند الله ابن يوم (في يوم كان مقداره خمسين الف سنة) نحن وصلنا عام 2000  باقي 48000 الف سنة ليتسجل يوم , فعندما يعيش الانسان 100  سنة فإن عمره

على الآلة الحاسبة عمره امام الله تعالى ابن ثانية ونصف فإذا  قلنا ثلث حياته نوم ومراهقه وطفولة فعمره الفعال امام الله تعالى لا يتجاوز نصف ثانية ولنقل ثانية اذا امضى الانسان عمره كاملا سجدة واحده فهو سجد لله ثانية واحده ومع ذلك يعطيه الله اجرا عظيما  فلو ان الله يريد لنا العبادة لترك لنا قسم من العبادة في الحياة الابدية لكنه جل وعلا قال: في الجنة لا اريد منكم لاصوم ولا صلاة ولا عبادة ولكن اطيعوني هذه الفترة القصيرة وسأعطيكم عطاء, جنة عرضها السموات والأرض.

فأين نحن من اهل البيت “ع” كانوا يلتذون بالعبادة ,وقت اللذة ان يقوم بين يدي ربه وقت اللذة ان يبكي امام ربه وقت اللذة لأبي الحسن “ع” ان يصلي والسهام ببدنه ولا يشعر بها وقت اللذة للحسين “ع” ان يصلي والسهام تترا عليه كرش المطر وقت اللذة لذة اللقاء مع الله لذلك هذا النور المتلألئ نتيجة اللقاء مع الله هذا النور لا يشعر به بقية الناس يشعر به الخلص فقط الحسين نور هذا النور الصلواتي  الروحاني الامام زين العابدين “ع” هو الذي يشعر بهذا النور ويراه كيف انتقل ممن دار الى دار من مكان الى مكان  (أما الدنيا فبعدك مظلمة واما الآخرة فبنورك مشرقة ) متى قال زين العابدين هذا الكلام : قاله:عندما انزل الامام الى قبره عزيز على الولد ان يدفن اباه عظم الله لك الاجر ياسيدي ترى مصيبة  دفن الامام الحسين مصيبة عظيمة

جلس على شفير القبر نادى ابا حسين حبيبي حسين (أما الدنيا فبعدك مظلمة واما الآخرة فبنورك مشرقة )

الكاتب خديجة الحايك

خديجة الحايك

مواضيع متعلقة