وحدة الجماعة ضرورة إسلامية ـ 09

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

البحث الثاني: ضرب مصادر الوحدة عند المسلمين

ولأهمية هذه المصادر في تحقيق أمر اجتماع المسلمين، وتنجيز اتّحادهم في دولة واحدة تحت راية «لا إله إلا الله، محمد| رسول الله»، فقد سعى أعداء الإسلام؛ سواء أعداؤه الداخليون ـ أي اُولئك الساعون إلى تقويض الإسلام من داخل الجسد الإسلامي ـ أو أعداؤه الخارجيون لضرب الإسلام من خلال الإطاحة بها وتوهينها، وتقليل أهميّتها ومكانتها في نفوس المسلمين. وهذا ما سوف نكتشفه إن شاء الله من خلال المقاربات التاريخية التالية وإن كانت مقاربات تمثّل وصمات عار سوداء في جبين المسلمين؛ إذ ارتكبوها كفراً وظلماً، وهم عامدون قاصدون:

ضرب المصدر الأول (القرآن الكريم)

إن القرآن الكريم كما ذكرنا كونه يمثل المصدر الأول والأساس من مصادر الوحدة عند المسلمين فإن الساعين إلى ضرب هذه الوحدة، وإلى تقليص آثارها ونتائجها، وإلى تحجيم وجودها، لابدّ أن يسعوا إلى ضرب القرآن الكريم نفسه؛ حتى يحققوا هذا الهدف المريض عندهم، ويصلوا إلى مبتغاهم وهو تفريق كلمة المسلمين؛ وبالتالي فإنهم سوف يأمنون على أنفسهم من أن المسلمين سوف لن يزعزعوا حكمهم، ولن يفكّروا في التوجّه إليهم أو محاربتهم وضرب وجودهم؛ كونهم يرون أن الفكر الإسلامي يمثّل خطراً كبيراً عليهم، وعلى وجودهم، وعلى حياتهم؛ نتيجة ما هم عليه من نمط حياة يتنافى مع نمط الحياة الذي يريده الإسلام، والذي يؤكد عليه.

صور ضرب القرآن الكريم

وضرب القرآن الكريم عند هؤلاء قد كان، وشكّل أمراً واقعاً في حياتهم، وهو أمر يقع على مستويين، أو على صورتين:

الاُولى: ضرب القرآن الكريم مادّيّاً

وذلك بأن يُعمد إلى المصاحف المقدّسة فتمزّق([1]) أو تحرق([2])، أو أن يلحق بها التلف بأي نمط من أنماط الإتلاف كانت.

الثانية: ضربه معنويّاً

أي أن تمتد أيدٍ خفية إلى مفاهيم القرآن الكريم فتحرّفها، وتأتي على الحقيقة الكامنة فيها، ثم توجّهها إلى الوجهة التي تريدها نتيجة مشتهيات النفس، أو أهداف مريضة، وأغراض كامنة قد أشرنا إليها آنفاً. وكلّ ذلك للوصول إلى وأد الوحدة الإسلامية، وتحقيق أهداف ضربها، وبالتالي تحقيق وتبرير دوافع الهجوم على المذاهب الإسلامية الأخرى، ومنها الطائفة الشيعية الإمامية. وهذا الموضوع خطر جدّاً ينبغي التنبّه إلى دوافعه وأهدافه وأغراضه؛ كي يمكن تلافيه في وقته.

إذن فهذه الوسيلة هي أخطر من الوسيلة الأولى؛ ذلك أن تمزيق الورق لا يعني القضاء على القرآن سيما في عصورنا الحالية إذا ما عرفنا أن هنالك الملايين من النسخ الاُخرى المطبوعة، أما هذه الوسيلة فهي عبارة عن إفراغ القرآن الكريم من محتواه الرسالي والسماوي الذي أراده الله تبارك وتعالى وتوجيهه إلى وجهة اُخرى غير تلك التي يريدها الله تبارك وتعالى، وبهذا يكون هؤلاء قد حرفوا القرآن الكريم وشوّهوه، وغيروا مفاهيمه ومضامينه وعوّموها؛ كيلا يلتفت الآخرون إلى أغراضه الحقيقية الشريفة، وإلى مرادات الله سبحانه وتعالى المقدّسة منها؛ لأنها مرادات تتنافى مع أهدافهم، وتتقاطع مع أغراضهم، وتتعارض مع نواياهم الخبيثة.

وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات

ومن الموارد التي لابد أن نشير إليها في المقام بعض الآيات الكريمة التي اُنزلت لتكون ذات أهداف كبيرة وسامية وبعيدة الغور، لكننا نجد هنالك من يأتي لتسفيه هذه الأهداف والمضامين العالية، وتوجيهها وصبها في أنماط تحددها أهداف رخيصة بعيدة كل البعد عن المتناول القرآني، وعن مفاهيمه وأهدافه وغاياته. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامَاً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([3])، فهذه الآية الكريمة تتناول بشكل واضح لا مراء فيه ولا خلف أمر الإمامة والخلافة الشرعيتين في الناس، وكونهما جعلاً تشريعياً منه تعالى فيمن يختاره لهما  من عباده. ولأهمّيّتهما كان التأكيد الكبير والشديد عليهما من السماء كونهما وظيفة سماوية ذات مركزين:

الأول: كونهما امتداداً لخطّ الرسالة.

الثاني: حياطة هذا المنصب الإلهي القيادي للسلطات الثلاث: التشريعية، والقضائية، والإجرائية.

ومن هنا عظّم الله جلّ شأنه شأن الإمامة والإمام، وكان اختيار أصحابها القائمين بها وعليها منوطاً بالله تبارك وتعالى. وعليه فلابدّ أن تكون تلك الكلمات على ذلك المستوى من الضخامة والتميز بحيث إنها لا يمكن إلّا أن تكون كبيرة وعظيمة كما هو الحال فيها؛ حيث أتمّها تعالى على نبيه ابراهيم×.

يتبع…

______________________

([1]) كما فعل الوليد بن عبد الملك الذي مزّق المصحف الشريف، وسيأتي تحت عنوان (الوليد بن عبد الملك وازدراء القرآن الكريم ).

([2]) كما فعل بالمصاحف التي عند الصحابة بعد توحيدها أيام عثمان.

([3]) البقرة: 124.

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة