التفويض ـ القسم الأول

img

تأليف: العلامة الشيخ سليمان بن أحمد آل عبد الجبار القطيفي (ت 1266هـ)([1])

إعداد وتحقيق

دار المصطفى| لإحياء التراث

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد: فهذه نبذة يسيرة في الجواب عمّا سأل عنه الأخ الأمجد الحاج محمّد بن حمد، قال في كتاب أرسله لبعض الأخوان ما هذا لفظه: «فضلٌ من جنابك أن تذكر إلى فلان أن يكتب لنا خطّاً عن الأفعال التي تأتي من قبل الله تعالى إلى العالَم من الملائكة والإنس والجنّ، وما بين ذلك، بأنّ الفاعل الله عزّ وجلّ، والفاعل هم أهل البيت^ بعدد من الله؛ من خلق الخلق وغيرهم، ويكون يعرّفنا فيما أسرع؛ لأنّ الناس صاروا فرقتين».

وقال أيضاً في هذا الكتاب: «إنّ خلق الخلق والأرزاق والآجال يفعلونها أهل البيت^ بغير واسطة فيما بينهم وبين الله، أو بواسطة من أحد؛ ملك أو غير ذلك». هذا كلامه في الموضعين وقد رسمته كما كتب بلفظه في كتابه.

الجواب: ومن الله سبحانه إلهام الصواب ـ هو أن الفاعل لذلك هو الله تعالى، وهو الخالق والرازق، المحيي المميت، الفاعل لما يشاء كيف يشاء، لا مضادّ له في أمره، ولا منازع له في ملكه، ولا شريك له في خلقه. وهذا ممّا تقضي به الضرورة من دين الإسلام، وعليه اتّفاق كافّة العلماء الأعلام، وعليه دلّت البراهين العقليّة، وبه نطقت الأدلّة النقليّة على وجه أغنى ظهوره عن البيان، ويكفيك من ذلك ما نطق به محكم القرآن، قال الله تعالى، وبه يهتدي القائلون: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([2]).

وقال عزّ مِن قائل في سورة الرعد، ردعاً لقول المشركين الكفّار: ﴿أَمْ جَعَلُواْ لِله شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾([3]). إلى غير ذلك من الآيات التي بلغت الغاية في الانتشار.

فالواجب على المكلَّفين الاعتقاد والإقرار بأنّ الله تعالى لا شريك له في ذاته: ﴿لَا تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ﴾([4]).

ولا شريك له في صفاته: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾([5]).

ولا شريك له في أفعاله: ﴿هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾([6]).

ولا شريك له في عبادته: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾([7]).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه قد ذهب جمع من المفوِّضة([8]) إلى أنّ الله تعالى خلق أهل البيت^ وفوَّض إليهم أمر الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فهم يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون. فإن أرادوا به أنّ أهل البيت^ هم الفاعلون ذلك حقيقة، وأنّ ذلك جميعه بإرادتهم وقدرتهم فهذا ممّا لا ريب في بطلانه، وهو كفر صريح، والأدلّة العقليَّة والنقليّة من الكتاب والسنّة، بل الضرورة من الدين قاضية بخلافه.

يتبع…

____________________________

([1]) هو العلامة الكبير الحجّة الشيخ سليمان بن أحمد بن الحسين آل عبد الجبار القطيفي المسقطي العُماني. عالم نحرير، مرجع في الفتيا، له يد طولى في الفقه والاُصول والكلام والحكمة والتاريخ والأدب، وآثاره تدل على مكانته العلميّة الرفيعة. وقد شرعنا في تحقيق بعض مؤلّفاته. توفي في مسقط سنة 1266 هـ / 1849م.

أنوار البدرين: 313، 323، أعيان الشيعة 7: 295، الأزهار الأرجيّة 13: 130، من أعلام القطيف عبر العصور (مقال بقلم السيد سعيد الشريف، نُشر في مجلة الموسم، العدد 9 ـ 10).

([2]) الروم: 40.

([3]) الرعد: 16.

([4]) النحل: 51.

([5]) الشورى: 11.

([6]) لقمان: 11.

([7]) الكهف: 110.

([8]) راجع: كتاب المقالات والفرق: 238، والتعريفات للجرجاني: 98، والبحار 25: 328 / فصل في بيان التفويض ومعانيه.

الكاتب العلامة الشيخ سليمان بن أحمد آل عبد الجبار القطيفي

العلامة الشيخ سليمان بن أحمد آل عبد الجبار القطيفي

مواضيع متعلقة